بقلم : الديار ... 06.11.2011
تأت المدينة لتكون دلالة على الأبعاد الجغرافية أو الموروثات الحضارية أو القيم الثقافية والفكرية، كما لم تكن لتمثل مرابع الطفولة أو شاهدة نزوات الصبا وحسب بل هي كل هذا وذاك.
حين تصبح المدينة جرحا فإن نكأه يعني توارد إنثيالات العاطفة والتاريخ بكل إرهاصاته التي تنمو معنا كلما كبرنا ودار الزمان علينا، ويعني أيضا أنها مناسبة لجريان نزيف الذاكرة الذي يتأطر بالحسرة والمرارة، فحتى اللحضات الحلوة والجميلة تأتي هنا في سياق الجرح والألم على ما أرتكبنا من أخطاء.
إن مواجهة التاريخ الشخصي ـ التي تعني بشكل من الأشكال مواجهة مع التاريخ العام ـ تمثل مواجهة تستدعي التفاصيل الصغيرة التي كان لها الأثر الكبير في تحديد مسارات حيواتنا وتجعلها ماثلة أمام نواظرنا التي تستجمع كل حزن الارض وأساها حين تنظر اليها وكأنها شريط سينمائي وحين تدرك أن راهنها هو شكل أسهمت كل تلك التفاصيل في تركيبه.
رواية (مدن لقلوب قلقة) لدينا سليم تستمد أهميتها من تعاملها مع المدينة إنطلاقا من كونها شرارة تشعل فتيل أرشيف الماضي لتؤسس لذاكرة مستقبيلة تستند بالأساس على إيحاءات المدينة وتأريخها وقيمها المعنوية والمعرفية، كما تكتسب أهمية إضافية في كونها رواية لإمرأة شمرت عن ساعديها لتهوي بمعولها على كل ما يحد من ممارساتها كذات واعية، همها في المقام الأول الكشف عن المخبوء والمسكوت عنه في النفس البشرية من وجهة نظر لاتعير كثير إهتمام لتوصيفي الذكر والانثى وإنما لتثبت إكتراثها وعنايتها بما هو إنساني محض، عبر حبكة روائية تتصاعد من خلال ما يصطلح عليه بالصراع الساكن الذي تمثًّل انموذجه الريادي في (بيت الدمية) لهنريك ابسن فهو صراع محتدم الا انه لايتبدى للعيان كما هو الحال في روايات (الاكشن) كونه صراعا يستجيب لنزعة الكشف عن تجاذبات النفس البشرية وهواجسها الوجودية.
رواية (مدن لقلوب قلقة) عمل إبداعي ينقل القاريء ألى عوالم الذات التي تستدعيها اللحظة بفعل إنفعال ما في لحظة ما، وهو خارج إطار الايديولوجيا والقوالب الفكرية الجاهزة.