أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
اعتذار للأسيرات والأسرى!!

بقلم : رشاد أبوشاور ... 05.10.2011

لا أملك كلاما أقوله لكم، وأنتم تعودون للنضال بالمعد الخاوية.. سوى: إنني أعتذر لكنّ، ولكم، أيها المُختطفون الرهائن في سجون الاحتلال.
أعتذر لأنني اشعر بالتقصير، رغم أنني لست قائدا (يمون) على تنظيم يضم جناحا عسكريا، وربما أكثر من جناح، و..جهازا أمنيا يفترض انه يرصد تحركات العدو المُحتل، ومهمته الأساسية الوطنية النبيلة أن ينزل به ضربات موجعة رادعة عقابا على جرائمه، بحيث يتردد ويحسب العواقب مطولاّ قبل اجتياحاته لمدننا وقرانا ومخيماتنا، ومداهمته لبيوتنا لاختطاف فتياتنا وشبابنا وكهولنا العُزّل..ولانتزاع أطفالنا من عز النوم وهم في أحضان أمهاتهم، بتهمة رشق دوريات الاحتلال بالحجارة!.
أعتذر وأنا لا أملك سوى كلماتي، فهي وسيلتي للتواصل معكم، ومع شعبنا داخل فلسطين تحت الاحتلال، والمشتت المشرّد في أربع جهات الدنيا..ومع بنات وأبناء أمتنا، قبل ثورات الربيع العربي، وأثناء تأججها، وبعد انتصارها، إن شاء الله،على كل أنظمة الطغاة.
أعتذر وأنا أُقّر بأن كلماتي تطمح أن تحمل لكنّ، ولكم، خيط نور يتسلل عبر زنازينكم رغم كل حواجز الاحتلال، والأبواب المحكمة الإغلاق..فإن تغلبت كلماتي بالنور الذي تقتبسه من صلابة أرواحكم، وبسالتكم، وعمق إنسانيتكم..على العوائق التي يبتكرها الصهاينة غلاظ القلوب المتفوقين على نازية الغوستابو، فهذا سيعزيني قليلاً، وإن لم يعفني من الاعتذار عن تقصير أفترض أنه يتلبس كل فلسطيني، بل وكل عربي..تجاهكم..لأنكم على مدى سنوات بقيتم (رهائن) في قبضة هذا العدو الشرس المنفلت من كل الضوابط والشرائع.
لا أملك يا أحبتي أن أحرك مجموعات تختطف بعض جنود الاحتلال الذين يقطعون طرق الضفة، ويتفننون في جعل حياة الفلسطينيين جحيما، لفرض التبادل على قياداتهم المجرمة قسرا، ورغم أنوفهم، وحتى يفكروا كثيرا قبل اختطاف الفلسطينيات والفلسطينيين من بيوتهم، أوعلى الحواجز التي تقطع الطرقات والدروب، وبين الحقول، وبالمداهمات الليلية.
نحن نعرف أنه لم يتم الإفراج عن ألوف الفلسطينيين، مناضلات ومناضلين، إلاّ بعد اختطاف واحتجاز جنود صهاينة، والمساومة عليهم..أي بالقوّة، والأمر الواقع، وليس بالمناشدات، وانتظار تدخل أمريكي، أو أوربي..فالعدو صلف، وقادة أمريكا وأوربة غير معنيين بحرية الفلسطينيين، لا أرضا ولا بشرا..فالحرية..حريتكم تنتزع انتزاعا عنيفا، وهذا ما يعرفه شعبنا جيدا، وأنتم خير من يعرفه بالتجربة المباشرة مع العدو، مع عقليته وسلوكه، ونمط تفكيره، وعقده، وعنجهية قوته التي لا (يُنفّسها) سوى القوة التي تضع لها حدا، وتشكمها، وتضعها بالضبط في حجمها بحيث يفكر هؤلاء الوحوش في التكلفة الفادحة لكل فعل يقدمون على اقترافه.
أنتمم لم تتوقفوا يوما عن الإضرابات عن الطعام، يعني المقاومة بالمعد الخاوية، بالجوع الاختياري، لكسر استمرارية حياة الموت التي يريد أن يحولها السجّان الصهيوني إلى حياة روتينية خانعة.
أنتم تضعون حياتكم الغالية في مواجهة عسف السجّان الصهيوني وريث النازية الهتلرية، المتسلح بقوانين الاحتلال البريطاني لفلسطين إبان ما سمي (بالانتداب).. مضافا لكل هذا ابتكارات صهيونية هي تجليات عقول ونفوس مريضة سافلة منفلتة.
كرامتنا..أو الموت!..الموت الذي هو فضيحتكم أيها الصهاينة..هذا هو ما بات على مدى عقود، وبتضحيات ألوف الأسيرات والأسرى..الحد الفلسطيني في المعادلة.. الذي فرضتموه، وما زلتم تفرضونه في كل مواجهة مع السجّان!
الحد الصهيوني في المعادلة: تبقون أحياء بشروطنا..بلا أمل بالحرية..تعيشون بالقدر الذي نقرره لكم!
هنا برز مفهوم القوّة الفلسطيني، الذي دفع ثمنه، وبرهن على نجاعته، ألوف الأسيرات والأسرى: ان إرادتنا أعلى من جدران سجونكم ..أقوى من التجويع، من الحرمان من زيارات الأهل، من سياسة العزل الانفرادي الرهيبة التي ننتصر عليها باستلهام مسيرة شعبنا، تضحياته.. بطولاته، وسقيه بلا توقف شجرة الأمل بالحرية الآتية لفلسطين ..حتما. هذا الإيمان هو سلاحنا السري والعلني الذي نهزم مخططاتكم به يوميا، ونتغلّب عليكم به.
أنتم بالتعلّم في الزنازين المنفردة، وغرف السجن..بإتقانكم اللغات، وحرصكم على الدراسة في الجامعات، وتثقيفكم لأنفسكم، ومراكمتكم للمعرفة، وكتابتكم الشعر، وتأليفكم للأغاني، وإبداعكم للهتافات ..والشعارات، والقصص.. و(الشهادات) من واقع التجربة والمعاناة..تنجزون انتصاركم، فأنتم تعدون أنفسكم لما بعد السجن، والسجن والسجان إلى زوال.. وهذا ما يغيظ العدو.. ويملأ صدر شعبكم فخرا بكم، ويزيده ثقة بالمستقبل العظيم الآتي.
كل حقارات أجهزة العدو الأمنية، المحققين والجلادين..اكتبوها، لتنقل إلى شعبكم، وأمتكم، وإلى العالم..فهذا العدو بنى أساطيره على الكذب والتزوير، والابتزاز، وآن أن يراه العالم عاريا تماما، فهو بلا إنسانية، وبلا قيم، وخطره يتهدد كل ما هو إنساني..وليس الشعب الفلسطيني وحده، أو العرب وحدهم.
لتكتب الأخوات ما يقع معهن، فهن طاهرات الأجساد والأرواح مهما حاول الصهاينة السفلة إهانتهن..بالشتائم البذيئة، والتهديد بالانتهاك.
لقد قرأنا كتاب الأخت عائشة عودة، الأسيرة المحررة (أحلام بالحرية)..وانحنينا أمام شجاعتها، وصراحتها، وجرأتها..وهي تروي بذاءات ونذالات وحقارات المحققين الصهاينة، ومحاولاتهم تحطيم عزيمتها من خلال التركيزعلى (شرف) المرأة الشرقية.. بالشتائم الوسخة، والتعرية الجسدية، و..التهديد بالاغتصاب..وانتصرت عليهم، وكتبت ما يمكن اعتباره وثيقة تقدم المرأة الفلسطينية كأجمل وأشجع وأنبل ما تكون..والمحتل الصهيوني كأحط محتل عرفته البشرية عبر كل عصورها. (صدر الكتاب عن المؤسسة العربية عام 2004)
فضيحة المحتل أنه يعيش على الادعاء (بالمحرقة)..في حين انه يمارس على الفلسطيني أنواعا من المحارق..مفضوحة ومعلنة، وغير مسبوقة في التاريخ البشري المعاصر.
أهذا هو المظلوم والمضطهد اليهودي في (أوشفيتز) وغيره؟!
أنتن .وأنتم...منذ شهرين..عدتم للإضرابات احتجاجا على سوء المعاملة، والمطالب محددة ب: إنهاء سياسة العزل الانفرادي. إعادة التعليم الجامعي.. الذي أوقف بعد أن اكتشف الاحتلال أنكم تحولون فترات السجن إلى علم ومعرفة..وأن بعضكم يخرج من السجن بشهادات جامعية ليبرز أستاذا جامعيا، أو صحفيا، أو مترجما، أو كادرا سياسيا متقدما..أي عضوا فاعلاً في المجتمع، وليس عالة عليه.
طلباتكم من جديد هي: عدم وضع الأسيرات والأسرى في الزنازين المنفردة، وقف سياسة تقييد الأيدي والأرجل عند لقاء الأسرى بذويهم، وأثناء لقاءاتهم مع محاميهم، السماح بإدخال الكتب والمجلات والصحف، تحسين العلاج للأسرى المرضى، وقف إجراءات تحديد الزيارات،إعادة بث القنوات الفضائية التي تم إيقافها.
تحقيق هذه المطالب يعني تمكين الأسيرات والأسرى من التواصل مع الحياة..مع الدنيا..يعني أنهم أحياء..وحياتهم هذه انتصار على الموت الذي يدبره لهم الاحتلال.. كما يدبره لشعبهم بالحواجز، وهدم البيوت، واقتلاع التين والزيتون.. واستفحال الاستيطان الذي يهوّد القدس، وينهب أراضي الضفة الفلسطينية.
الحركة الأسيرة تستأنف المقاومة، مذكرة بأن ألوف الفلسطينيات والفلسطينيين يعانون، وأنهم (مُختطفون)..وأن العدو يجعلهم رهائن، وأن (السلام) مع هذا العدو لم يوقف نهبه للأرض الفلسطينية، ولا اعتقال الألوف ومصادرة حريتهم.
لا يكفي أن يكون (شاليط) واحدا بين أيدي الفصائل..بل عيب أن يكون الأمر هكذا، فلتحرير أخواتنا وأخوتنا يجب أن يكون بين أيدي مقاومينا عشرات الشاليطات..إذ بدون هكذا فعل لا حرية لأسيراتنا وأسرانا.
العدو يحتل كل فلسطين، ويحولها إلى سجن كبير، وهو يختطف، ويعتقل، ويغتال.. كيفما شاء، وفي أي وقت يشاء ..فما العمل معه؟!
جواب سؤالي واضح ..اللهم ..إلاّ أن يهرب منه من يبرر تقصيره الذي لا يكفي الاعتذار عنه بأي عذر، لأن كل الأعذار لا تبرر بقاء أخواتنا وأخوتنا وراء قضبان سجون عدو لا يفهم سوى لغة القوّة.
نحن لسنا ضعفاء.. فلنتعلّم من شجاعة الأسيرات والأسرى الذين يقاومون بالصيام عن الطعام كرمى لحياة عزيزة كريمة حرّة.. ولنعمل جديا على تحريرهم، بالأفعال ..لا بالبيانات، والمناشدات..أيتها الفصائل والأجنحة العسكريّة المنتوفة الريش!