بقلم : رشاد أبوشاور ... 12.10.2011
عندما يمّر نظر القرّاء على هذه المقالة، يكون إضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام، نساءً ورجالاً، قد دخل يومه الـ17.. أي منتصف الأسبوع الثالث، وهو إضراب مفتوح، الغاية منه تحدي قوانين السجان الصهيوني التي تهدف إلى استلاب كرامتهم، وترويضهم، وتحويلهم إلى كائنات (بيولوجية) ليس إلاّ.. يعني مسخهم، وأيضا تذكير شعبهم بأنهم (مدفونون) في سجون الاحتلال، وأنهم لن يقبــــلوا أن يمـــــوتوا في النسيان، وكما كانوا مقاوميـــــن خارج جــــدران المعتــــقلات والسجون، فإنهم يواصلون مقاومتهم متحــــدين عسف الصهاينة، وسلاحهم في معركتهم أجسادهم، والدينــمو المحرّك إرادتهم التي بها يفرضون على آلة القمع والقهر الصهيونية الاستجابة لمطالبهم مرغمة.
وزير شؤون الأسرى الفلسطيني عيسى قراقع دعا لجعل يوم الأربعاء، هذا اليوم، يوما وطنيا لمناصرة الأسرى في سجون الاحتلال، وبدعوة الوزير، وبغير دعوته، يفترض أن تكون قضية الأسرى في مقدمة اهـــتمامات شعبنا بكل تياراته السياسية، لأنها قضية لا خلاف حولها، فهم جميعا أبناء شعبنا، أسيرات وأسرى، ونحن لا نحمل همهم، ونعيش معهم في عتمات زنازين عزلهم، لأنهم ينتمون لهذا الفصيل أو ذاك، فقضيتهم جميعا: فلسطين، وعدوهم وعدونا جميعا: الكيان الصهيوني والاحتلال.
حتى اللحظة يهدد الأسرى بأنهم إذا لم تتم الاستجابة لطلباتهم ـ يمكن العودة لقراءة مقالتي في الأسبوع الماضي 'اعتذار للأسيرات والأسرى' ـ فإنهم سيصعدون باتجاه عدم الوقوف بالعد اليومي، عدم ارتداء ملابس السجن، قطع الحوارات مع إدارة السجون، عدم الامتثال للذهاب إلى المحاكم العسكرية.
بعض الأسرى بلغت حالتهم مرحلة الخطر، وفي مقدمتهم المناضل أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، المضرب عن الطعام منذ أسبوعين، الذي رغم حالته الخطرة.. ترفض إدارة السجن نقله إلى المستشفى.
رغم الخطر على حياة الكثيرين، وبينهم مرضى يعانون من أمراض مزمنة، فإنهم يواصلون الإضراب، ويعدون لتطويره، والمضي به في خطوات أكثر صعوبة، وهم مستعدون للتضحية.. حتى بحياتهم، فإمّا تراجع سلطات السجون عن اضطهادها لهم، وإمّا تحميلها مسؤولية موت الكثيرين منهم فداءً لحريتهم وكرامتهم الإنسانية.
مطروح حاليا الانتقال إلى إضراب الماء، المعروف بالإضراب الايرلندي، نسبة للسجناء الايرلنديين، وهو إضراب حتى الموت: الموت أو الحريّة.
ماذا يمكن أن نفعل في اليوم الوطني لمناصرة الأسرى الصامدين في سجون ومعتقلات الاحتلال؟
تحويل قضيتهم إلى قضية وطنية شاملة جامعة، بحيث نمنحهم القوة بدعمنا الجدي، وذلك بتحويل قضية حريتهم، وليس تحسين أوضاعهم داخل السجون، إلى قضية وطنية، وقومية على المستوى العربي الشعبي في زمن الثورات والانتفاضات العربيّة، وقضية إنسانية.. فالاحتلال يخالف اتفاقيات جنيف، والصليب الأحمر الدولي، وهو يدعي بأنه الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
قضية الأسرى تسهم في إعادة قضية فلسطين إلى الرأي العام العالمي، وتعرّي الانحياز الأمريكي والأوروبي الرسمي.. فشليط جندي الاحتلال الأسير لدى حماس.. موضوع مطروح باستمرار في كل لقاء فلسطيني أمريكي وأوروبي.. وألوف الأسيرات والأسرى الفلسطينيين (والعرب) لا تعني حريتهم شيئا لأصحاب الضمائر الديمقراطية.
كل يوم يجب أن يكون يوما وطنيا لدعم مناضلاتنا ومناضلينا.. في معتقلات العدو المحتل، حتى ننتزعهم من بين أيدي من يحرمونهم الحرية والحياة.
إن وقوفنا مع أسيراتنا وأسرانا.. هو تصد لليأس الذي يحاول المحتلون بثّه في نفوس اخواتنا واخوتنا.
تتصرف سلطات الاحتلال تجاه الفلسطينيين المطلوبين لها بأحد أسلوبين: القتل الميداني.. وهذا تكرر مئات المرّات، وعمليات الإعدام بدم بارد تتم حتى أمام كاميرات مراسلي الفضائيات، وتحت أنظار مئات الفلسطينيين، فمحاصرة البيوت معلنة، وقصفها بالدبابات والصواريخ والرشاشات الثقيلة تجري في وضح النهار وبحجة مطاردة (المخربين).. وكما لو أن المحتلين الصهاينة يقومون بعمليات صيد. الأمر الثاني: اختطاف الفلسطينيات والفلسطينيين، وزجهم في المعتقلات لتفترسهم الأمراض المزمنة، مع حرمانهم من زيارات ذويهم غالبا، أو جعل هذه الزيارات شبه مستحيلة، ومعذبة ومكلفة للأهل.
في كل المرات التي تمت فيها عمليات تبادل، كان هناك جنود من العدو قد وقعوا في قبضة المقاومين الفلسطينيين.. أي أن تحرير أبطالنا لا يتم بفضل تدخل دولي، ومن أفرج عنهم كانوا غالبا ممن انتهت مدد محكومياتهم، ومن يوصفون عادة بأنه ليس على أيديهم دم (يهودي)!
في مقالتي الأسبوع الماضي دعوت الأجنحة العسكرية الفلسطينية الى أن تعمل على اختطاف بعض جنود الاحتلال لتتم مبادلتهم بأسيراتنا وأسرانا الذين ينتظرون منّا فعلاً جديا يدفع الاحتلال للرضوخ لشروطنا.
مسيرة أوسلو لم تحرر الأسيرات والأسرى، الذين هم (رهائن) وراء القضبان، وكل المطالبات والنداءات وحملات الاستجداء لن تحرر أسيرة أو أسيرا، فلا ضمير لدى المحتلين الصهاينة، فالقوة هي ما يفهمونه، وعند أسر جنودهم سيفاوضون مهما لفوا وداروا وماطلوا.
حماس دعت بعد مقالتي الأسبوع الماضي الأجنحة العسكرية لاختطاف جنود للعدو لمبادلتهم..فهل الدعوة تكفي؟
ليس المطلوب من الفصائل دعوة الأجنحة العسكرية للقيام بواجبها الوطني تبرئة للذمة.. وكفى الله المؤمنين (شرّ) الاشتباك!.. فالمطلوب أن تنتقل الفصائل بقرارها (السياسي) من التردد إلى العمل على أسر جنود الاحتلال في الضفة والقدس، أو حول قطاع غزة ـ ويا حبذا لو أن هذا يتم بمجموعات مشتركة ـ حتى يصير ممكنا تحرير من يضعن، ويضعون حياتهم على حافة الموت من أجل الحريّة.
الأسيرات والأسرى قضية وطنية دائمة.. وليست موسمية، ليست خيمة اعتصام مناسباتية، مع الاحترام للمشاعر، توضع في ساحة عامة لأيام.. ثمّ ينفّض (السامر) وكأن شيئا لم يكن، بينما يعاني ألوف النساء والشباب والشيوخ في زنازين الاحتلال وسجونه الوحشية و..في عراء معتقلات الصحراء!
هم يطالبون بتحسين ظروف اعتقالهم.. ولكن نحن غير مقبول منّا أقل من جعل هدف تحريرهم هما وطنيا نعمل له بدأب، ونضحي من أجله كما ضحوا من قبل وهم بيننا.. ويضحون حتى وهم في الأسر.