بقلم : رشاد أبوشاور ... 19.9.07
زوجة الشهيد أملها كبير بأن زوجها الشهيد حّي في الجنّة، هو الحاضر في الحياة اليوميّة معها ومع الناس الذين يتذكرونه كلّما وقع عليهم ضيم، وهو في الحالة الفلسطينيّة إمّا من الإنكليز أيّام انتدابهم علي فلسطين المغطّي بقرار دولي، أو من الصهاينة، ولا ننسي ظلم ذوي القربي الذين لهم في عذابات شعبنا نصيب لا بأس به!
سيرة الذين لفظوا أنفاسهم علي قمم الجبال، وفي شعاب الوديان، وجوف المغاور والكهوف، أو علي ثري السهول التي ارتوت من دمائهم، لا تفارق الأهل والأصحاب والجيران...
زوجة الشهيد، التي تكون قد أنجبت من ذلك الفتي، تحفظ سيرته بصون من تركهم في عهدتها، فتنشئهم علي الأنفة والفخر وامتلاء النفس بالكرامة، والاعتماد علي النفس منذ الصغر: أنت مش يتيم، أبوك ما مات فطيس، أبوك مات بعزّة رافع الراس، أبوك خلف لك السمعة والناموس، أبوك ...
الأب يبقي حاضرا مع أسرته، حي في عقولهم، وضمائرهم.
الزوجة تنخرط في العمل، تزرع الأرض، تقوم بما كان الزوج يقوم به. الزوج يتجسّد في داخلها : قوّة، واجبات، سلوكا، وهكذا تصبح أخت الرجال، ولا عجب أن تنادي أبناءها : يابا ..فهي الأم والأب، وهي في كل حال : الروح القدس، روح الحياة، والوطن.
ترفض الزواج حين يعرضه عليه ذووها، الأب بخاصة تبرئة وإراحة لضميره، فالبنت صغيرة، والواجب سؤالها ...وهكذا يخرج من خطيتها.
وهي تصون جسدها، فالزوج الشهيد أعطي دمه وشبابه و..هي واجبها أن تعطي لأولاده حياةً لائقة علي كافة الصعد، وهكذا يتقولب الجسد، ينسي احتياجاته برضاها، بوازع وطني أولاً وقبل أي شيء، فهي تملك الحّق في الزواج، ولكنها باختيارها تنذر نفسها لمهمة هي صون ما تركه الشهيد زوجها.
قد يقال في هذه الأيام التي تسود فيها مفاهيم (الواقعية) السياسيّة النفعيّة المنحطّة: هذا قمع، هذه مفاهيم ذكوريّة بطرياركيّة!
لو فرض علي زوجة الشهيد عدم الزواج، تحريمه، فهو كذلك، ولكنه اختيار حّر من سيّدة حرّة.
بعض الزوجات تزوّجن من (أصدقاء) و(رفاق) أو (أقارب) أزواجهن الراحلين، وكان شرطهن المشدد: لا أتخلّي عن الأبناء ..وتذكر اسم الزوج الشهيد، والمتقدم للزواج منها يثني علي أصالتها، ويعد بأغلظ الأيمان، ويشهد علي وعده بصون أبناء صاحبه.
أعرف من تزوجت ثلاث مرّات، وصانت أبناء الثلاثة شهداء ..ويشهد الله أن الزوجين الثاني والثالث كانا وفيين لأبناء من سبقوهما، وصانا ذكرهما، وكان دافعهما الحفاظ علي أبناء الشهداء، فهما شابان، وكان بمكنتهما أن يتزوجا من شابات لم يسبق لهن الزواج.
البطل سمير درويش تزوّج من السيّدة التي رحل عنها زوجها شهيدا، وانجب منها و..وكان أن هبّ لإنقاذ من سقطت الصواريخ عليهم في مبني المدينة الرياضيّة ببيروت عام 82 و..استشهد وهو ينقذ الفلسطينيين واللبنانيين.
ابن عمّي محمود أبو شاور استشهد عام 70، وترك زوجته الشابة وابنه وبنتا، وزوجةً شّابةً رفضت الزواج بعده : بعد محمود يحرم عليّ الرجال ..والولد والبنت كبرا وتزوجا وأنجبا.
كانت الزوجة الشابة قد أودعت مبلغا صغيرا في بنك أردني فربحت الجائزة الأولي.رفض الابن ناصر الانتفاع بحصّته لأنه يري بأن هذا حرام ! .. البنت أخذت حصّتها، أمّا زوجة محمود فقد أنفقت حصّتها علي الفقراء المحتاجين. زوجة الشهيد تعطي كما أعطي ...
هذه زوجة شهيد بحق، ولا مقارنة بينها وبين زوجة ـ بالمصادفة والتوريط ـ ترث ملايين الدولارات التي يهبها زوجها لها من مال الشعب الفلسطيني ..مثلاً.. ثمّ لا تكتفي، وتدخل في الصفقات والبزنسة و..تلحق أفدح الضرر بسمعة شعب بكامله، ناهيك عن سمعة زوج لم تكن وفيّة لذكراه.
في الفم ماء!
ولو أن هذه الصحيفة لا تقاضي لبققت البحصة، وقلت في من تستحّق ما يجب أن يقال، ولكن ...
قد يرد إلي خواطركم اسم بعينه، أو أكثر، لكن تذكّروا أنهن نبتن في بيئة غير محترمة، وأفسدن، وحصلن علي مال ليس لهنّ، فهنّ بدأن مبكّرا في هذا السلوك، وتغطين بقامات أزواج ـ أو تغطّت ـ غرفوا لهنّ أموالاً هي أموال شعب، وزوجات شهداء محتاجات، وأيتام ويتيمات، وأمهات ثكالي، وآباء مفجوعين ...
من الذي يجب أن يسأل، يقاصص، يعاقب، يفتح ملفّ سلوكه المالي؟!
من صمتوا علي جوع نسوة هنّ بنات شعبنا المضحيات، زوجات شهداء، وبرروا العبث، والفساد، هم شركاء لما يلحق بسمعة شعب صلب خلقا وسلوكا.
قبل أيام كنت والأستاذ عوني فرسخ، فإذا به يتساءل:
ـ كيف يرضي شعبنا بهذه القيادات، وبهذا التبذير، والفساد، والعبث بسمعته وقضيته ؟!
الرجل الذي في عقده الثامن، الذي كان محاسبا لمنظمة التحرير أيام المؤسس والباني الأستاذ أحمد الشقيري، طفحت المرارة من كلماته، هو الكاتب والباحث، والعارف بالكثير من الخبايا ...
بماذا أجيبه علي سؤال أنا أتساءله مع ملايين الفلسطينيين والعرب يوميّا ؟!
قبل أيّام كنت في جلسة مع (أبو اللطف)، وإذ أخذنا الحديث إلي الفساد المالي، أخبرني: استعدنا 830 مليون دولار من ملياري دولار و...
سألته: يعني أين المليار ومائة وسبعين مليون دولار ؟!
جزء من حكاية الفساد يقول:جاءت بنت ساذجة إلي مكتب ما.. فـ..صارت صاحبة حظوة... صاحبة ملايين، و ..وصل ولد أفّاق إلي الفاكهاني بصندل وقميص رثّ، وبنطال بلا لون ـ الفقر مش عيب، فأنا وكثيرين من أسر فقيرة، نباهي بما حققناه بكدّنا وعرقنا ـ وبعد سنوات حظي بالعناية، والرعاية، وصار المتحكّم بأموال الشعب الفلسطيني! الشعب الذي خبراته الاقتصادية تنتشر في العالم شرقا وغربا .. أية ألغاز هذه؟!
حتي لا يبلعنا الفساد.. ثورة، وشعبا، ومقاومة، وانتفاضتين ـ وانتفاضة ثالثة أبتهل إلي الله أن تنقذنا من (الطرفين) المتصارعين اللذين ليسا قدرا لشعبنا ـ أخلاقا وقيما ..أما آن أن نطرح الأسئلة الحاسمة علنا دون خوف، أو لعثمة، بحجج يسوقها الأكثر فسادا في حياتنا، حتي لا تطالهم نارها ...
أفّاقات وأفّاقون عبثوا بكّل محرماتنا، ومقدساتنا، ولا من يحاسبهم!
فعلاً : كيف تسكت يا شعب فلسطين، وإلي متي ؟!
لا بدّ من التفريق بين زوجة الشهيد و..الأرملة التي تلحق العار بشعب بكامله، بشعب لا تنتمي إليه، وتستثمر سمعته وهيبته، وتراثه دون خشية أو خجل!
زوجة الشهيد كانت تغنّي:
باردوته بيد الدلاّل أريتها
يخون قلبي ليش ما شريتها
البارودة والزوج الشهيد أغنيتها المتحسّرة المتفجّعة علي بندقية الشهيد التي آلت إلي السمسار ...
زوجة الشهيد تجوع وصغارها الذين تشقي لتربيتهم وتنشئتهم كما يليق، وأرملة زواج المصادفة ـ أسوة بزواج المسيار ـ تثري من المتاجرة بالكوفيّة!