أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الثورة السورية..والمسألة الطائفية!!

بقلم : د.خالد الحروب ... 20.02.2012

ثمة فكرة أساسية تتكرر في أدبيات عديدة لتيارات علوية منخرطة في الجهد الوطني والثورة السورية وهي أن إحدى أهم استراتيجيات النظام الأسدي في السيطرة والحفاظ على ما يوصف في تلك الأدبيات بأنه "حكم المزرعة" هو تحشيد الطائفة العلوية خلف النظام وخلق تماهٍ تام بين الحكم والعلويين في سوريا. وهذه بطبيعة الحال هي الاستراتيجية المركزية لنظام الأب والابن من خلفه للبقاء في الحكم، حيث تم زرع خوف مقيم في أوساط الطائفة أساسه أن النظام هو حاميهم ودرعهم الواقي أمام رغبة عارمة من قبل الأغلبية لإبادتهم. فقد اشتغل النظام على تكريس العداء بين كل مكونات الشعب السوري والعلويين للوصول إلى هذه الحالة، بحيث يضمن التفاف الطائفة حوله لحمايته ولتكون يده الضاربة في حكم الاستبداد والنهب الذي أخضع سوريا له. وليست هناك أي عبقرية مميزة في مثل هذا النمط من الانحطاط السياسي، فهو ممارسة مشتهرة في طول وعرض تاريخ الطغاة الذين يبحثون حولهم عن فئة تناصرهم من منطق الخوف والرعب من الفئات الأخرى. وفي حال ساد التعايش بين مكونات المجتمع وانتفى الخوف المسبب للتحشيد المؤدي للاحتماء بالطاغية، فإن استراتيجية الطاغية هذا تركز على استزراع ذلك الخوف وبث أسبابه، بما فيها افتعال عمليات القتل والاغتصاب والسرقة بين الفئة المُستهدفة وبقية المجتمع. واليوم نرى تلك العمليات وهي تصل إحدى ذراها البشعة في سوريا، حيث يعمد النظام إلى التقتيل الطائفي والاغتصاب الطائفي والترحيل الطائفي بين العلويين والسنة، مورطاً الشرائح الغاضبة والمتوترة من الطرفين في ممارسات ثأرية تبدأ ولا تنتهي.
إن إحدى أهم مهمات الثورة السورية وكل المنخرطين فيها وكل مؤيديها تتمثل في إبطال مفعول تلك الاستراتيجية المنحطة التي ينتهجها النظام، ويريد بها ومن خلالها حرف مسار التغيير في سوريا. فالثورة في سوريا انتفاضة وطنية هدفها تغيير نظام مُستبد وفاسد بآخر وطني وتمثيلي ويعبر عن كل السوريين. ونظام الأسد لا يمثل الطائفة العلوية ويجب ألا تقع الثورة السورية ومن يؤيدها في شرك الخطاب الطائفي الذي يروجه النظام سرّاً في أوساط الطائفة العلوية بزعم كونه حاميها وممثلها. فالنظام ما عاد يمثل إلا شريحة ضيقة من المنتفعين والفاسدين الذين دينهم وطائفتهم الأهم هي الفساد ومناصرة النظام واقتسام الكعكة معه. وهؤلاء يأتون من كل الخلفيات والطوائف والقوميات. فيهم من السنة والمسيحيين والأكراد كما فيهم من العلويين. والفساد والاستبداد لا يحصران في طائفة أو إثنية أو قومية معينة. ولهذا فإن الضرورة الاجتماعية والوطنية الكبرى تتمثل الآن في محاربة كل نزعة طائفية تريد إحالة كل جرائم النظام إلى الطائفة العلوية. ولا يعني هذا تبرئة جماعية لأي أحد، ولكن الأهم هنا هو عدم التعسف بإطلاق تهم جماعية ضد طائفة برمتها. والمتعاونون مع النظام الذين يرتكبون جرائم بحق السوريين حاليّاً وارتكبوها سابقاً يجب أن يخضعوا لحكم القانون ووفق محاكمات عادلة تحاكمهم على جرائمهم وليس على انتمائهم لأي طائفة. وسوريا ما بعد سقوط نظام "حكم المزرعة" يجب أن تقدم نموذجاً جديداً يكون بعيداً، وبعيداً جداً، عن أي شبه مع النظام الأسدي إن لجهة استراتيجياته الطائفية، أو سياساته الثأرية.
حاليّاً، هناك ضرورة ملحة تستوجب تنقية كثير من الخطاب الإعلامي المرتبط بالثورة السورية أو المؤيد لها، الذي يعزز البعد الطائفي للنظام ويقوم بخدمته بشكل غير مباشر. فالتعبيرات والخطابات والأوصاف الإعلامية مثل "النظام العلوي في دمشق"، أو "حكم العلويين"، أو "جرائم العلويين ضد السنة"، وكل ما هو قريب من ذلك يقع في خانة الجرائم الإعلامية والسياسية. وإلى ذات الخانة تنتمي أية تعميمات عن "جرائم السنة"، و"حكم السنة القادم"، وسوى ذلك. فهذه الأوصاف يجب أن تكون مرفوضة تماماً من ناحية مبدئية صرفة، لأنها تقسم المجتمع، وتضع طوائفه ضد بعضها بعضاً، في حين أن المعركة الحقيقية هي معركة كل هذه الطوائف مجتمعة ضد الاستبداد وتفرد أي شريحة مهما كانت أقلية أو أغلبية في التحكم في الآخرين. ذلك أن سوريا الجديدة وبلدان عرب ما بعد الثورات يجب أن تتأسس وفق مفهوم المواطنة والدولة المدنية التي تتراجع فيها الولاءات الإثنية والطائفية إلى الخلف، ويتقدم الولاء لدولة القانون والدستور الذي يساوي بين الأفراد في الحقوق والواجبات. وإن استبدلنا طائفة بأخرى، حتى لو كانت أكبر منها وتمثل غالبية، فنحن لا نتقدم نحو الأمام، بل نعيد اجترار الكوارث ذاتها. وإضافة إلى ذلك فإن هذه الأوصاف وتكريسها واستمرار استخدامها هي بالضبط ما يريد النظام أن يصل إليه ويحافظ عليه. فهو يريد، وبكل الجهد الممكن، إبقاء الرعب مسيطراً على الطائفة العلوية في سوريا، ولذلك فإن أي تعميم ضد الطائفة، ونسبة جرائم النظام لها، يحقق ذلك الهدف.
بيد أن الإيجابي في الصورة الراهنة هو أن وعي السوريين يتعمق إزاء تفادي الوقوع في شرك مخططات النظام المنهار. والشرائح والمناطق العلوية المنخرطة في الثورة ومعارضة النظام والخروج على الطاعة القسرية المفروضة عليها هي في تزايد يوماً إثر يوم، حتى في أشد معاقل النظام سيطرة وتحكماً، اللاذقية وما جاورها. وما يعزز المنحى الإيجابي هذا هو استمرار تأكيد قيادات الثورة على عدم طائفيتها، وعلى توفير كل التطمينات الممكنة للعلويين بأنهم كأفراد وجماعات سيكونون مواطنين كاملي الأهلية والمساواة مع بقية أفراد وشرائح وجماعات الشعب السوري. ومرة أخرى هناك كثيرون اقترفوا جرائم وينتسبون إلى الطائفة العلوية، وكثيرون ارتكبوا جرائم وينتسبون إلى الطائفة السنية أو غيرها، وهؤلاء جميعاً يجب أن يحاسب كل منهم تبعاً لما اقترفه، وليس بناء على انتسابه الطائفي. ولذا فإن أمام سوريا الجديدة القادمة والسوريين تحد كبير وهائل يتمثل في بناء دولة حديثة تتجاوز القبلية والطائفية والانحطاط السياسي الذي حشر النظام الأسدي البلد فيه. وأمامهم جميعاً نماذج في الجوار بعضها جذاب وناجح مثل التجربة التركية، وبعضها طائفي وبشع مثل التجربة العراقية. إنها مهمة السوريين، عندما يرتقون فوق كل الاعتبارات ويكونون سوريين أولاً وآخراً.