بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 01.03.2012
تشغل الفصائل الفلسطينية وبالذات حماس وفتح الشعب الفلسطيني منذ سنوات بالمصالحة، وتلهيهم بأمور داخلية تافهة وسخيفة تحول أنظارهم عن الصراع الحقيقي. بدل حشد الشعب بكافة فئاته لمواجهة إسرائيل، ورفع مستوى الوعي الشعبي بالواجب الوطني، والعمل الدؤوب على رفع كفاءة الناس في تحمل الصعاب ومواجهة التهديد والأخطار، تعمل الفصائل على استنزاف طاقات الشعب الفلسطيني وهدم معنوياته، وتفسيخ نسيجه الاجتماعي، وجره إلى مستويات أخلاقية متدهورة. لقد شغلت هذه الفصائل الناس بالمصالحة حتى بات يظن بعض الناس أن تحرير فلسطين ينتظر فقط تبادل القبل بين قادة حماس وفتح، وتشابك أيديهم أمام شاشات التلفاز.
يبدو أن حديث المصالحة وأخبارها قد غمّ على قلوب العديد من الفلسطينيين حتى باتوا يظنون أن هزيمة إسرائيل متوقفة على المصالحة، وأن كل سياسات إسرائيل ستتحطم حتما على صخرتها التي تشكل منبع القوة والبطش الفلسطينيين. إسرائيل تتمادى في الاستيطان لأن المصالحة لم تتم، وتتمادى أيضا بمصادرة الأراضي وانتهاك الحرمات الفلسطينية وتعتدي على القدس والأقصى لأن الفصائل لم تتصالح. إسرائيل في سباق مع المصالحة، وهي تعمل على إنجاز الكثير قبل أن ينهض المارد الفصائلي ويكسّر الدنيا فوق رأسها.
كنا متصالحين، فهل توقف الاستيطان يوما؟ وهل توقفت مصادرة الأراضي؟ وهل توقف تهويد القدس؟ وهل توقفت الاعتداءات على الأقصى والمقدسات والحرمات؟ العبرة بالتأكيد ليست بالمصالحة، على الرغم من ضروتها، لكنها في القوة. ما فائدة المصالحة بدون قوة فلسطينية حقيقية تواجه إسرائيل، وما فائدتها دون وحدة فلسطينية حقيقية تجنب الشعب الفلسطيني المحاصصة الفصائلية واقتسام الكعكة وتحقيق المصالح الفصائلية على حساب الشعب؟ وما فائدة المصالحة ونحن ما زلنا ننسق أمنيا مع إسرائيل؟
عار علينا أن ننقسم ونتشتت، لكن العار الأكبر هو أن نتصالح على قاعدة التفاوض مع إسرائيل والتنسيق الأمني معها والتطبيع. إذا كانت المصالحة ستبقي على الموبقات الوطنية، فعدم المصالحة أجمل وأفضل للقضية الفلسطينية.
لقد أساءت الفصائل الفلسطينية للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية إلا من ذلك الجزء الذي يصر على إبقاء يده على الزناد في مواجهة العدو. وواضح أن الفصائل تستخدم فكرة المصالحة ليس من أجل تحقيقها وإنما من أجل إيهام الشعب الفلسطيني أنها عبارة عن مطلب وطني تتمسك به. لا يريد أي فصيل أن يظهر بمظهر الرافض للمصالحة، والأنسب التلهي والتسلية بعواطف الشعب ومشاعر الناس. لقد تلاعبت الفصائل بالمشاعر الوطنية لمصالح فصائلية، وعملت على جر الشعب إلى لعبة تأجيج المشاعر من خلال التوقيع على اتفاقيات المصالحة ومن ثم الإحباط من خلال فشل التنفيذ. وشعارها واضح: ليخسأ الشعب ولتبق الفصائل ولو على أرض بلا شعب، ولو بالاسم فقط بلا أرض وبلا شعب.
مخرجنا هو اكتساب القوة، تلك القوة التي تدفع إسرائيل إلى التفكير مرارا قبل تنفيذ خططها التهويدية لكل فلسطين. والفصيل الذي سيلقى الدعم والتأييد من قبل الشعب هو الذي يصنع الحدث في مواجهة إسرائيل. وإذا كان هناك من الفصائل صغيرة الحجم من ظن أن التاريخ الفلسطيني قد توقف عند الفصائل كبيرة الحجم فإنما هو قرر الاختباء تحت عباءة الضعف انتظارا لتصالح الكبار. والفصيل كبير بعمله لا بعدد الأعضاء المنتسبين إليه، وشعب فلسطين يتوحد تحت راية المقاومة، وليس بقرارات تصدر من فنادق فاخرة.