بقلم : رشاد أبوشاور ... 02.11.2011
القاسم المشترك بين الإدارات الأمريكية المتتالية منذ ترومان حتى يومنا هذا أنها تتآمر على فلسطين، وتعادي شعب فلسطين، وتعمل على تصفية القضية الفلسطينية بحيث تنتهي فلسطين العربيّة تماما، ويتكرّس بقاء الكيان الصهيوني بدون عرب نهائيا، وهو ما يضمن ديمومة الشرخ بين مشرق الوطن العربي ومغربه، لضمان الهيمنة عليه، ونهب ثرواته، وحرمانه من كل عناصر قوته وتطوره ونهوضه.
أمريكا لا تكف عن التآمر على فلسطين، وهي لا تتوقف عن دعم الكيان الصهيوني عسكريا، وسياسيا، واقتصاديا، ودبلوماسيا..وهو ما بدأته قبل أن تعلن دولة الكيان الصهيوني، وبشكل سافر منذ إدارة ترومان التي سرّعت في هجرة ألوف اليهود إلى فلسطين، وتفوّقت على الانتداب البريطاني في السباق على إنجاز دولة للعصابات الصهيونية في قلب الوطن العربي، دون اكتراث بردود فعل العرب والمسلمين، ولا حتى بردود فعل الرأي العام العالمي ورفضه لهذا الظلم.
من جديد تعلن أمريكا عداءها لفلسطين، وشعب فلسطين، وللعرب مسلمين ومسيحيين، وللعالم كله، بتصويتها ضد عضوية فلسطين في منظمة اليونسكو، وإتباع موقفها السياسي العدواني الوقح، بإيقاف دفع حصتها المالية للمنظمة العالمية، عقابا لها على الاعتراف الدولي بفلسطين البلد العريق، بلد الأديان، بلد السيد المسيح، وبلد الحضارة الكنعانية، وبلد الإشعاع الحضاري على البشرية كلها، من قلبها النابض عبر ألوف السنين: القدس الخالدة التي تحتضن كنيسة القيامة، والأقصى، والتي على ثراها مشى السيد المسيح وهو يبشر بدعوته الإنسانية، ثمّ وهو يقاد للصلب مفتديا البشر أجمعين!
107 دول صوتت مع عضوية فلسطين الكاملة في منظمة التربية والعلوم والثقافة، في مواجهة 14 دولة رفضت..في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.. لأن أمريكا دائما هي الدولة الأولى ضد فلسطين، منذ كانت الدولة الأولى التي تعترف بدولة الصهاينة في أيّار/مايو 1948 وحتى يومنا، وإلى أن تُفرض عليها العزلة مع حليفتها وربيبتها..فتكونان وحدهما ضد العالم أجمع..وما ذلك اليوم ببعيد!
بعد 18 عاما على أوسلو، ووعود السلام، والتعهّد بدولة فلسطينية..تستكثر إدارة أوباما ـ كلينتون على فلسطين أن يُعترف بها في منظمة دولية ..منظمة مهمتها العناية بثقافات البشر، بغّض النظر عن الدين، والعرق، البشر الذين يفترض أنهم ينتمون لثقافة إنسانية تجمعهم، وتقرّب بينهم، وتنشئ بينهم تفاهما عميقا يعرفهم ببعضهم، ويحّل الاحترام بدلاً من البغضاء، والأخوة والتعاون بدلاً من الاستغلال والظلم وسياسة النهب التي برعت فيها أمريكا.
من حق كل فلسطيني أن يتساءل: لماذا تحاربنا أمريكا بلا توقف ونحن لم نؤذها في يوم من الأيام؟
ومن واجب كل عربي أن يسأل، لأن هذا السؤال لمجرّد أن يطرح، يعيد تذكيرنا بجرائم أمريكا بحق أمتنا: لماذا تصر أمريكا على تقديم كل أنواع الدعم للكيان الصهيوني العدواني التوسعي، وتمكنه من أن يكون خنجرا في قلب وطننا العربي الواحد؟!
هذان السؤالان وغيرهما يجدر التوقف عندهما، لأنهما ووفقا للإجابة سيحددان رؤيتنا، ومدى وعينا، والتزامنا بفلسطين قضيتنا جميعا نحن أبناء الأمة العربيّة مشرقا ومغربا.
قبل أيّام قرأت تصريحا لوزيرة خارجية أمريكا، وحسبت لوهلة أنني أقرأ اسم السيدة كلينتون خطأ، وأن التصريح ليس تصريحها، ولكنني عدت وتأكدت، فالسيدة كلينتون، وزيرة خارجية أمريكا، وبدلاً من أن تهنئ الفلسطينيين بخروج مئات من أبنائهم وبناتهم، أبدت قلقها من خروج بعض الخطرين من الأسر!
أترون! السيدة كلينتون..الديمقراطية جدا..انتماءً حزبيا، و..تبشيرا في بلاد العرب، في زمن ربيع ثوراتهم، بالديمقراطية..قلقة من خروج خطرين فلسطينيين من سجون الاحتلال الصهيوني!
إنها تزاود حتى على نتينياهو وباراك وليبرمان!
لا، ليست العلّة في كلينتون، أو المنافق البائس أوباما، إنها في صلب (ثقافة) قادة أمريكا، ثقافتهم الإمبريالية الاستعمارية العنصرية المتصهينة، في صلب ثقافة توراتية بررت تدمير شعوب واحتلال بلاد.. وإنشاء أمريكا نفسها على أنقاض ملايين البشر والاستحواذ على قارتهم! (إقرأوا كتابات البروفسور منير العكش..فهي تعينكم على فهم أمريكا وسياساتها تجاهنا).
ما هو الرّد على عداء أمريكا لنا كعرب؟!
ما هو الرد على انحيازها التام ضد فلسطين؟!
أولاً: أن نضع أمريكا حيث تضع هي نفسها..أي في موقع العدو لقضايانا، وفي المقدمة قضية فلسطين.. بحيث يترسخ في وعينا بأنها لن تكون صديقا لنا في المدى المنظور.
ثانيا: أن لا نصدق أنها يمكن أن تكون مع العدل والديمقراطية لنا كعرب.
وبناء على ما تقدم نبني سياساتنا، وخياراتنا، وخطابنا لأمتنا، وللعالم.
فلسطين كقضية حق وعدل هي الكاشف، وهي التي تمتحن، وهي التي تنجح، وتسقّط في الامتحان..وبهديها نقيس المواقف!
سوف لا نطلب الكثير من الدول النفطية الثرية التي تبدي وكأن فلسطين غالية عليها، فنطلب منها فقط أن تعوّض الـ70 مليون دولار الدعم السنوي الأمريكي لمنظمة اليونسكو، وبهذا تشعر الدول التي صوتت لفلسطين أن أمريكا فشلت في ابتزاز المنظمة الدولية، ولم تؤثر على مواصلة تنفيذ خططها في خدمة المشاريع الثقافية التي تعود بالنفع خاصة على البلدان الفقيرة المحتاجة.
أهو كثير أن تبلغ الدول النفطية العربية المنظمات الدولية التي ستتقدم إليها فلسطين لنيل عضويتها بأنها لن تخسر ماليا، فالمال العربي جاهز تماما للتعويض عن مشاركات أمريكا!
هل ستجرؤ الدول العربية النفطية الثرية على تلبية نداء فلسطين، خاصة ودول فقيرة كثيرة صوتت لها، وخرجت على أوامر أمريكا، وصفقت مطولاً عند انتصار فلسطين وفوزها بالعضوية، غير آبهة بأوامر أمريكا ورغباتها!
بمحاولة أمريكا ابتزاز دول العالم بالتلويح بحرمان اليونسكو من دعمها المالي، وتخويفها من نتائج التصويت لفلسطين، وضغطها على كثير من دول العالم لتحجب صوتها عن فلسطين، واستهتارها بمشاعر مئات ملايين العرب والمسلمين، تكشف أنها هي رأس التآمر على فلسطين، وأنها تكذب وهي تدعي أنها مع الديمقراطية للعرب، ومع انتصار ثوراتهم..فمن يصدقها منا نحن العرب؟!
هذه لحظة امتحان للمال العربي الذي ذهبت مليارات كثيرة من أرصدته في الأزمة الاقتصادية العالمية ـ الأمريكية في الجوهر ـ ناهيك عن صفقات أسلحة لا ضرورة لها..اللهم سوى الدعم لشركات إنتاج السلاح الأمريكية، ناهيك عن التبذير السفيه، والفساد الذي بات مضرب الأمثال في العالم!
فلسطين كسبت في اليونسكو، وأمريكا خسرت..فهل سيخذلها المال النفطي العربي كما خذلها دائما؟!
هل سيجرؤ أثرياء النفط على أخذ قرار مستقل يضعهم في وجه أمريكا، بتعويضهم المالي دعما لفلسطين، وهذا اقل القليل الذين يقدمونه لأقدس قضايا الأمة..أم تراهم سيواصلون انهماكهم في التآمر على الثورات العربية، وتنفيذ مخططات أمريكا التخريبية في بلاد العرب؟!