بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 02.04.2012
هل سمعتم بالديك الذي صار يصيح في كل صباح قائلاًً: الله، ثم غزة، حماس وبس؟
حدثني صديقي: إن رجلاً اشترى ديكاً من أسواق غزة، وطلب من زوجته أن تذبحه، وتشويه على الفرن الكهربائي، فاعتذرت الزوجة برقة لزوجها، وقالت: الكهرباء مقطوعة. فقال الزوج: لا يهم، أطبخي الديك في طنجرة الضغط على الغاز، ولكن الزوجة أخبرت زوجها أن لا غاز في البيت، فقال الزوج: سنحتمل الحصار، أطبخي الديك على نار بابور الكاز. فقالت الزوجة: لا كاز ولا بنزين ولا وقود في الأسواق، فتنازل الرجل، وقال لزوجته: لا بأس، سنصبر، ونقاوم، اطبخي الديك على الحطب، ضحكت الزوجة وقالت: لا حطب في قطاع غزة. حزن الرجل، وقال لزوجته: إنها مشيئة الله، اتركي الديك، اتركيه حياً.
فرح الديكٍ، رفرف بجناحيه، وصاح: الله، ثم غزة، حماس وبس.
فهمت رمزية الحكاية، وطلبت من صديقي أن يسمع حكاية "أبو عوني" الذي ما زال حياً يرزق حتى يومنا هذا في معسكر خان يونس للاجئين!.
قال "أبو عوني": بعد أن اغتصب اليهود أرضنا في فلسطين، وصرنا لاجئين في المخيمات، لا نمتلك خبزاً، ولا ماءً، ولا بيتاً، ولا كساءً، وصار الجوع رفيقنا، ولا يفارقنا إلا حين ندخل "الطُعمة" مؤسسة التغذية التابعة للأونروا، ولكن دخول "الطُعمة" كان مشروطاً بوجود بطاقة خاصة اسمها "كرت الطُعمة"، الذي يجيز الأكل لفرد واحد فقط.
يضيف "أبو عوني" ولما كان أخي يشاركني في "كرت الطُعمة"، فقد كنت آكل في يوم، وأجوع في اليوم التالي، ليأكل أخي في يوم، ويجوع في اليوم التالي، وهكذا!.
يقول أبو عوني: في أحد الأيام التي كنت أقف فيها خارج أسوار "الطعمة" أتضور جوعاً، كنت أتخيل أخي وهو يأكل الطعام، فيسيل لعابي، وأتمنى أن يخرج أخي مع قطعة خبز، أو حبة كفتة لحمة من التي كانت توزعها الأونروا، كنت شقياً بالجوع في ذلك اليوم حين مرت من أمامي امرأة تحمل طفلها، وترفع في يدها نصف رغيف خبز، ترفعه بفخر وثقة وفرح واطمئنان، دون أن تنتبه لعيوني التي أكلت نصف الرغيف، وابتلعته.
يضيف أبو عوني: فجأة، ودون أن أدري؛ هجمت على نصف الرغيف، وخطفته من يد المرأة، وطرت كصقر، وأنا أبتلع نصف الرغيف دون أن أمضغ منه لقمة واحدة، ابتلعته كاملاً قبل أن أسلم نفسي إلى جمهور الناس الذين يلاحقونني، لقد سلمت لهم دون أن أبالي بالركلات واللكمات، فقد كنت فرحاناً، بعد أن استقر نصف الرغيف في جوفي!.
يقول أبو عوني: ما نعانيه اليوم في غزة من حصار، وانقطاع كهرباء، وشح في الوقود، لا يساوي شيئاً من تلك الأيام التي مرت على شعب فلسطين، الشعب الذي قهر جلاديه بالصمود، ورفض أن يخون قضية فلسطين، ويرفض أن يبيع الثوابت الوطنية بمال، ويرفض أن ينكس بندقية المقاومة مقابل حفنة كهرباء، ويرفض الاعتراف بإسرائيل على حدود حرب 48 مقابل بطاقات vip، ويرفض أن يسمع قرقرة دجاج اليهود، ويطرب حين يسمع كركرة أطفال المسلمين تنادي على فجر الحرية: الله، ثم غزة، مقاومة وبس.