بقلم : يوسف جمل ... 20.12.2011
الطوفان هو كل ما يحل ويسود ويغمر ويتفشى ويطغى ويسيطر .
هو كل ما يطفو فوق كل شيء ويطوف على الجميع متنقلاَ مُعدياً .
هو الذي يكثر ويزيد ويتزايد ويتعاظم ويتفاقم وتصعب مقاومته ويفرض وجوده وينتشر .
وطوفان العصر ليس من جنس طوفان نوح عليه السلام إنما تنوعت الأسباب وتشابه النهج والنتيجة واحدة .
واختلفت نوعية الطوفان ولكن السبب والحيثيات والأوضاع متشابهة.
الطوفان يهلك ويقضي على كل شيء إلا من كان في السفينة !
ولقد حل بنا وساد فينا النفاق وصار عملتنا المعدنية والورقية ونهجنا الذي لا نتوانى عن التعامل به في ما بيننا حتى كاد البعض يعتقده ويستحسنه ويتفاخر به ويُربِّي عليه .
صرنا نقول اللي بيوخذ أمي هو عمي وتعاملنا بفي الوجه مرآة وفي القفا مذراة .
وبوس الكلب من ثمة تا توخذ حاجتك منه وطرق التقرب والتذبذب والتمسح والمديح والسكوت عن الحق وعدم الصراحة والتلون والحياة بأكثر من وجوه والتناقض ما بين الظاهر والباطن .
صار في عصرنا هذا إرضاء الناس كل الناس غاية تدرك , كيف لا ونحن نسميها شطارة ودبلوماسية وليونة وتسامح ومجاملة .
وصرنا نعمل ونسلك بأساليب النفاق ونظهر ما لا نبطن ونمتلك عدة وجوه وعدة أقنعة ونمتلك معها القدرة على الانتقال من حالة إلى أخرى ومهارة التحول من وضعية إلى أخرى ونتميز بسرعة وسهولة الانتقال والتحول وحققنا فيها أرقاماً قياسية !
والبعض منا في حيرة من أمره وقد نفذ صبره وضعفت حالته وقلت حيلته ,أيشرب من البئر ؟
كي يربح أكثر وكي يحقق أكثر وكي ينجز أكثر وكي يحظى بأكثر
هل يتنازل عن الثوابت من أجل مكسب أو منصب ؟
هل يبيع نفسه وضميره ومبدأه وقيمه من أجل حفنة من الدنيا وإذا الريح مالت مال حيث تميل ويقول ما حدا أحسن من حدا ويشرب من البئر !
بئر النفاق عميق ظاهره غير باطنه , ولو تبين لأول وهلة لنا أن الأمر سهل لكن الخسارة في النهاية كبيرة ومهما كان فهل يسوى أن يربح الإنسان كل العالم ويخسر نفسه ؟!
والنفاق أشد من الكفر لأنه يشمل الكذب والغش والغدر والخيانة والجبن والاحتيال والمغيبة والنميمة والبهتان والحسد والظلم والتزوير والسرقة وعدم الأهلية والاستحقاق وعدم قول وفعل وإظهار الحقيقة .
- هذه الوباء والمرض في عالمنا اليوم، ليس على الصعيد الفردي وحسب , إنما يمتد ويتوسع ليشمل الصعيد المحلي والقطري والتعامل الدولي والإقليمي والعالمي .
ويشتق النفاق في التسمية من (النفق) وهو الموت ، لأن فيه تكون إحدى جوانب الإنسان ميتة أو أكثر، وتتفاوت نسبة الموت ما بين شخص وآخر ، واصطلاحاً يمكن القول أن المنافق من كانت روحه ميتة، وهو الذي يعيش حقيقة لكنه يعيش بلا حقيقة .
ومن أشد أنواع النفاق خطراً على سلوك الإنسان الرياء فمـن النفاق أن يظهر المرء البشاشة على ملامح وجهه لأخيه ثم يطعنه في الظهر، ومن النفاق أن لا يطابق قول الإنسان الحسـن فعله الحسن. وقد قال تبارك وتعالى في كتابه المجيد: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ" (سورة الصف - الآية 2-3) .
ومهما يكون في النفـاق من خفـاء وإبداع وإتقان فان الله خبير بـه , مطـلع عليه , وهو الذي يعرف خافية الأعين وما تخفي الصدور.
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان" متفقٌ عليه.
إن طبيعة بني البشر التي جبلوا عليها هي في أنهم معرضون دوماً للخطأ والخطيئة ، وهم في صراع دائم مع ما يحيط بهم من فتـن وابتلاءات وتحديات، ، وهذه بحد ذاتها نعمة وفرصة وفرها الله لنا لينجح من نجح منا على بينة ، ويسقط من سقط منا على بينـة .
يا أرض النفاق – كفى – تجنباً لهذا الطوفان القادم الذي لا يمكن أن نمنعه أو ندرأه وندفعه عنا إلا بالصدق في القول والفعل والعمل والقصد والمعاملة والعبادة .