بقلم : د. عامر الهزيل* ... 04.01.2011
بسم الله الرحمن الرحيم..
"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ." (الروم: 21).. صدق الله العظيم
النقاش المحتدم حول تعدد الزوجات في النقب فرصة "لقوم يتفكرون" في حقيقة تشريع القران الحكيم مقارنة بممارستنا الاجتماعية اليومية. تفكير لا يمكن التعمق فيه دون ذكر الحقائق التالية حول واقع المرأة في النقب:
نسبة تعدد الزوجات في النقب - 30% من الأسر.
نسبة الزواج بالاختيار – 23% أي 77% اسكنوها إليه وهو إليها غصباً.
زواج الشغار (البدل) – 34% من الأسر خاصة متعددة الزوجات.
نسبة من تزوج داخل العائلة - 60% من الأسر.
نسبة من تعرض للعنف الجسدي من النساء-48% والأكثر في اسر متعددة الزوجات
نسبة من تعاني من فقر الحال المادية وبطالة الرجل- 76%.
المحصلة 58% من نسائنا مصابات بحالات الاكتئاب, الحزن والشعور بالنقص. والوضع هكذا لا عجب إن بحث بعضهن عن معنى للحياة هناك من خلف شاشة الحاسوب أو بين مخالب ثعالب هذا الزمان المتربصون في كل زاوية للضحايا.
خصوصاً المتروكة ومن هجر فراشها "أَزْوَاجَكُمُ الَّلائِي تُظَاهِرُونَ" الذي نهى الله عنه بقوله:
"ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ الَّلائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ." (الأحزاب: 4)
هذه الآية تشكل مدخلا لما تلاها من التنزيل الحكيم:
"وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ." (النساء: 3)
هكذا لم يرد تعدد الزوجات في القرآن الكريم بمعزل عن أسبابه,ظاهرة اليتامى والأرامل, بل كان شرط وجوابه . فكان الشرط "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى" والجواب "فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ" وهذا الأخير اشترط العدل الرباني "فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً".
احتارت الناس والصحابة واختلفوا في فهم وتفسير هذه الآية فراحوا يستفتون الرسول صلى الله عليه وسلم. وحينها نزلت الآية وفي نفس السورة "قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ":
"وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا." (النساء: 127)
في هذا السياق يقول العلامة الطاهر بن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير":
استفتت الناس رسول الله في حكم نكاح اليتامى، ولم يهتدوا إلى أخذه من هذه الآية (النساء: 3) فنزل قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ﴾ ، وأن الإشارة بقوله: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ﴾ أي ما يتلى من هذه الآية الأولى (النساء :3)؛ فان كلام هذه الآية الأخيرة (النساء:127) أحسن تفسير لها.
" والآية هي المثبتة لمشروعية تعدد النكاح، لأن الأمر فيها معلق على حالة الخوف من الجور في اليتامى."
بكلمات أخرى رأى ابن عاشور أن نكاح التعدد أبيح بسبب الخوف من الجور في اليتيمة وهو مشروط بوجود السبب بما لا يقبل التشكيك.
يوافقه الرأي رشيد رضا بقوله: " هذا حكم من أحكام السورة متعلق بالنساء بمناسبة اليتامى، وقيل باليتامى بأنفسهم أصالة وأموالهم تبعا وما قبله متعلق بالأموال خاصة".
ولان "ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ" كان لا بد من استكمال فهم شرط العدل:
"وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ" (النساء : 129)
وحتى الرأي الذي يذهب بالاجتهاد في مسألة "الضرورة" إلى ابعد من النص يحذر من أن تفهم أية (النساء: 3) كرخصة لتطبيق نظام الحريم بدافع التلذذ الحيواني والتنقل بين الزوجات كما يتنقل الخليل بين الخليلات.
والقول هنا لأحد ابرز قادة الإخوان المسلمين العلامة سيد قطب يرحمه الله:
"الإسلام لا يقول أن التعدد مطلوب لذاته مستحب بلا مبرر من ضرورة فطرية أو اجتماعية وبلا دافع إلا التلذذ الحيواني والتنقل بين الزوجات كما يتنقل الخليل بين الخليلات. إنما هو ضرورة تواجه ضرورة وحل يواجه مشكله وهو ليس متروك للهوى بلا قيد ولا حد في النظام الإسلامي. فإذا انحرف جيل من الأجيال في استخدام هذه الرخصة, إذا راح رجال يتخذون من هذه الرخصة فرصة لإحالة الحياة الزوجية مسرحاً للذة الحيوانية. إذا أمسو يتنقلون بين الزوجات كما يتنقل الخليل بين الخليلات .
إذا انشئوا نظام الحريم في هذه الصورة المريبة فليس هذا شأن الإسلام وليس هؤلاء هم الذين يمثلون الإسلام, لان المجتمع المعادي للإسلام هو المسؤول عن الحريم."
من هنا فأن من يقرا القران بتعمق يدرك كم كان صادقا المرحوم العلامة محمد الغزالي حينما قال: آفة الإسلام في دعاته. طبعاً ليس كلهم.
سورة القلم الثانية في نزولها بعد العلق تحذر من ذلك وتضيء الطريق إلى الله باجتهاد الرجال والنساء سواسية.
"مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ . أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ. إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ." (القلم: 36-38)
والدعوة هنا لان نفهم القران كتاب حياة وخيارات لحلول مشاكل.
"إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ." نعم لكم في القران خريطة طريق للسلوك الإنساني متأقلمة مع كل زمان ومكان إذا اختار العباد الأحسن والمناسب من خلال النص نفسه أو ما نسب للرسول قوله مطابقاً لنص كتاب الله.
"فبشر عبادي. الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولائك الذين هداهم الله واولائك هم أولوا ألألباب." (الزمر: 17,18)
في هذا السياق يقول ابن حزم الضاهري في قوة التمييز والمنطق:
"من اتبع ما أنار له العقل الصحيح من القران نجا وفاز ومن عاج عنه هلك وربما اهلك."
والمرجعية في ذلك قوله تعالى:
"فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً." (النساء: 59).
ولان النبي صلى الله عليه وسلم أراد التأكيد على أن ما تعلمه وعلمه هو سنة الله قال في حديثه الصحيح:
"سيكثر الحديث عني، فمن حدثكم بحديث فطبقوه على كتاب الله ، فما وافقه فهو مني قلته أم لم أقله."
جاء هذا منسجماً مع قول الله تعالى:
"وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ." (الشورى :10)
صدق الله العظيم