بقلم : ميرفت دهان ... 11.01.2011
في الوقت الذي ضاقت فيه فضاءات حرية الكاتبات على الأوراق وبين الأسطر، ازداد عددهن في العقود الأخيرة بشكل يدعونا للتأمل، إذ إن الكاتبة تعلم سلفاً أن معظم الرجال سيقرؤون عملها الابداعي شعراً أو نثراً أو رواية، على أنه قصة حياتها.
إذ اعتاد القارئ أن يتلصص على ما تكتبه المبدعة ليستشف من أسطرها كيف تعيش ومن تحب؛ ربما يعمل على تشغيل خياله في البحث عن أسماء واقعية لأبطال الرواية ليقنع نفسه بأنه عرف قصة حياة الكاتبة،وربما تكون الخطوة التالية أن يبدأ بالترويج لما جمعه خياله الخصب من معلومات عنها ومن تحب وكيف قضت ليلها في أحضان بطل الرواية. كل هذه الحملة التي تتعرض لها من قبل قارئ لا تعرفه ولا يعلم بدوره عن تفاصيل حياتها شيئاً؛فكيف إن كان قارئها الأب أو الأخ أو الزوج أو زوج الأخت أو ابن العم أو أو...كيف لها أن تكتب ويأتي أحدهم ليقول لها " فضحتينا أمام الناس".
فالأديبة التي تفك إزار قلمها وتطلق حبره ليكتب حقائق الحياة نجدها تعاني من عزلة اجتماعية بين أهلها وأقاربها؛وربما يؤدي بها "الأدب" إلى محاولة ردعها من قبل الزوج بالطلاق!!.
مع ملاحظة أنها على الجانب الآخر من حياتها ستنال شهرة عريضة لأنها كسرت الطوق وخرجت عليه؛ولانبالغ إن قلنا أن هناك بعض الأقلام النسائية ممن تزجّ بالألفاظ الحسيّة التي وصلت في بعض الروايات إلى درجة من السفه وتضاف على الأسطر كرشات حبر أحمر بين الأسود لتجذب الأنظار؛وربما تكون حالة ذكاء من الكاتبة لأنها وضعت للقارئ مايريد بلون أحمر لتوفر عليه التفتيش.هذا الحبر الأحمر أصبح الطريق إلى الشهرة الصاروخية، وهو أحدث الألوان في عالم الأدب. وإن لم تعزل اجتماعياً فإن زوجها سيكون هو من سهّل طريقها للمحرمات، وبدل أن تُلقَ عليها وحدها وابل الصفات فإنها ستتقاسمها مع زوجها الذي قرر أن يكون شريكاً لها في أدبها وتبعاته عليهما إذاً هي في كلا الحالتين محاصرة.
أمام هذا القارئ أو ذاك كيف ستكتب تلك الأديبة بلا قيود وسلاسل على أحرفها، والأدب النسائي لا يُقرأ إلا باعتباره سجيناً؛ولنسأل أنفسنا مرة لمَ لايلقَ أدب الرجل ما تلاقيه الكاتبة؟
الأمر يشبه تماماً كل شؤون الحياة، فالطرف الأول تسير أموره ببساطة وكل ما يقوم به مباح ولا يلتفت أحد من الناس إليه باعتباره أمر عادي، والطرف الآخر، المرأة، تستقبل كل شؤونها بالاعتراض والقمع والاستهجان وإنكار حقها حتى في اختيار لون الحبر الذي في قلمها.
ولكن هل يمكننا أن نسوق أدب الكاتب بنفس العصا؟ ولو حدث وفعلنا لكانت نصف إن لم نقل جميع زوجات الكتّاب مطلقات الآن؛ لأن بطل الرواية أحب غير زوجته واعتبرتها الزوجة تصريحاً بخيانته.
إن حالة هذا الصراع الاجتماعي المستمر تتوضح أكثر في الرواية باعتبار أن مساحتها مفتوحة على النفس وخلجاتها، ولابد من الانتباه إلى أن الرواية بالذات هي أدب وافد من الغرب وتاريخنا في كتابتها لم يبدأ بشكل واضح إلا في نهاية الخمسينات.
فما السبب الذي أدى إلى معاملة الأدب النسائي وكأنه هارب من القانون، وإن لم تنزع عن المرأة الأغلال التي قيدتها ولم تطلق أجنحة قلمها ليرفرف في عالمها الخاص ويرافق طيور الحرية في هجرتها كل موسم إلى أرض جديدة ما فائدته ؟ وماجدوى كتابته؟ وإلى متى سيبقى الرقيب متأهباً على باب أول نقطة حبر ليعتقلها؟؟