بقلم : رشاد أبوشاور ... 07.12.2011
لا يمكن وصف تصريحات الدكتور برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري بأنها غير موفقة، فهي لم تصدر منه عفو الخاطر، ولم تفهم منه على غير حقيقتها، وبعيدا عما تعنيه، فالصحيفة الأمريكية التي نقلتها، وول ستريت جورنال، في مقابلة أجرتها معه يوم الجمعة 2 كانون الأول/ديسمبر الجاري، لا يمكن أن تقوّله ما لم يقل.
تلك التصريحات التي نقلتها إذاعة مونتكارلو في نشرتها الصباحية يوم السبت، وثبتتها 'القدس العربي' على موقعها الإلكتروني يومي السبت والأحد 3 و4 الجاري، لم ينفها الدكتور برهان، ولا أنكرها أي عضو من أعضاء المجلس الوطني الذي يشكل الأخوان المسلمون مكونه الأساس.
يعد الدكتور برهان في لقائه الصحافي مع الصحيفة بقطع العلاقات العسكرية الإستراتيجية مع إيران في حال وصلت المعارضة للحكم، ولا يتوقف عند هذا الحد في قطع العلاقات، ولا اعتراض على خيارات سورية إذا ما استحوذت المعارضة بقيادة المجلس الوطني الذي يترأسه الدكتور غليون على السلطة، فهذا شأنهم، ولكن ما يثير في تصريحاته للصحيفة المذكورة توعده بقطع العلاقات مع حزب الله، وحركة حماس الفلسطينية.
وكما جاء قي الصحيفة فإن إيران ستفقد بمحاصرة حزب الله حليفا قويا، فالدكتور لا يرى، كما هو واضح من تصريحاته للصحيفة الأمريكية، في حزب الله سوى مجرّد ذراع لإيران، وليس قوّة مقاومة كنست الاحتلال الصهيوني عن أرض لبنان في العام2000، وألحقت به هزيمة لم ينكرها قادته العسكريون والسياسيون والإعلاميون في تموز/يوليو العام 2006، وهو انتصار غير مسبوق في الصراع العربي الصهيوني.. فهل هذا الانتصار مصلحة إيرانية صرفة؟ ألا تراكم هذه الانتصارات مسيرة هزيمة المشروع الصهيوني، وتقريب فجر حريّة فلسطين، والعرب المؤمنين بنهضة الأمة؟!
في تصريحاته المتوعدة، والتي ترسم سياسة سورية التي ستكون عليها في حال هيمنت معارضة المجلس الوطني، لا يتوقف الدكتور برهان عند محاصرة حزب الله، وإنهاء العلاقة السورية ـ اللوجستيه معه، ومحاصرته، بل يعد أيضا بقطع العلاقة مع حركة حماس الفلسطينية ..لماذا؟ وهل سيكتفي هو والمجلس بطرد حماس وحدها، وهي غير محسوبة على إيران، وإن كانت تتلقى مساعدات مالية منها، فهي حركة فلسطينية، وهي دينيا (سنيّة)؟!
طرد حماس سيعني طرد كافة الفصائل الفلسطينية المتواجدة على الأراضي السورية..والتي كان طردها مطلبا أمريكيا، وشرطا لعلاقات (صحية أمريكية مع النظام الحالي!
أي دولة من حقها أن تنسج علاقات وطيدة مع دولة أُخرى، أو أن تهبط بعلاقاتها إلى مستوى العلاقات الفاترة، أو حتى تقطع علاقاتها مع دولة تسيء إليها..ولكن يا ترى : ما معنى توعد حركات مقاومة خطرها موجه للاحتلال سواء في فلسطين، أو على الأراضي اللبنانية؟!
نجد الجواب على تساؤلاتنا في تصريحات الدكتور نفسها، فهو يطمئن جهات بعينها أمريكية و(إسرائيلية) إلى أن سورية ..خيار المعارضة، ستكون مسالمة، فهي ستعمل على استعادة الجولان ..بالتفاوض، والتفاوض، والتفاوض!
ولأننا نعرف أن نظام الحكم الحالي سعى لاستعادة الجولان مرارا وتكرارا بالتفاوض، وآخر محاولة كانت بوساطة تركية ـ في الفترة الذهبية التي خبت بين سورية وتركيا ـ ولم يتمكن السيد أردوغان من إنجاز شيء مع نتنياهو، لأن الكيان الصهيوني الاحتلالي يريد بحيرة طبرية كاملة، وماء الجولان كاملا، والأراضي الزراعية المستثمرة دون تنازل عن دونم أرض واحد..ومقابل ماذا ؟ السلام!..فإننا نسأل الدكتور برهان، والمجلس الوطني بثقله الإخواني: هل أنتم أكثر براعة في المفاوضات؟ أم إن الاحتلال الصهيوني سيطمئن لكم، ويتنازل كرمى لروحهم السلامية عن الجولان؟ وهل أنتم أبرع من القيادة الفلسطينية التي قدمت تنازلات للكيان الصهيوني ما كانت تخطر ببال أحد ..ومع ذلك فها هي النتيجة ماثلة للعيان..أم تراكم لا ترون، ولا تسمعون، ولا تتعلمون؟!
تصريحات الدكتور برهان غليون غير مطمئنة لفصائل المقاومة الفلسطينية، وأبعد من ذلك لمئات ألوف الفلسطينيين الذين يعيشون في سورية منذ عام 1948 ، ويحظون في سورية، وفي كل عهودها السياسية بمعاملة محترمة تعبر عن أخوة عربية، حتى في زمن (الانفصال) رغم قبحه السياسي، وهذه السياسة تنسجم مع روح الشعب السوري العربية، وتبنيه القومي لفلسطين ـ سورية الجنوبية، التي رأى فيها دائما قضيته الوجودية الخاصة.
تصريحات الدكتور غليون ترسم ملامح سياسة سورية إقليمية تنسجم فقط مع ما يطلبه الآخرون ويريدونه من سورية، وهي تؤجج نزعات ونعرات إقليمية مغلقة تؤدي إلى الطائفية المريضة، وتبّت العلاقة مع فلسطين التي ستبقى القضية القومية الأولى رغم دعوات وخيارات كل القوى الانفصالية في بلاد العرب، وتحت أية مسميات وعناوين وادعاءات.
هنا نسأل: أهذا خطاب (ثورة) أم تراه خطاب (ثورة) مضادة يا دكتور؟!
ولأن الأمر لا يخص الدكتور غليون، فإن الإخوان المسلمين مطالبون بتوضيح موقفهم من تصريحاته. هل سيطردون حركة حماس والفصائل الفلسطينية من سورية في حال هيمنوا على الحكم؟!
وهل سيعني هذا أنه معنيون فقط بحكم سورية، ولا يعنيهم مصير ومستقبل المقاومة في فلسطين ولبنان؟!
هل موقفهم من حزب الله يعود إلى أسباب طائفية، أم اختلافا معه على المقاومة التي يرون أنها غير مجدية، وأن التفاوض لاستعادة الجولان هو الأسلم، كما يطرح الدكتور غليون الذي نصّبوه رئيسا لمجلسهم؟!
هذه التصريحات لها خلفيات، وهي تعبر عن تحالفات ، منها ما ظهر، ومنها ما هو خاف ..وإن كان لا يخفى على المتابعين، والمراقبين، والمعنيين بمصير ثورات الربيع العربي التي يعمل على اختطافها النفط العربي المتحالف مع كل أعداء الأمة، وفي المقدمة: أمريكا والكيان الصهيوني.
ثمّة ما بدأ يظهر، وما سيظهر، فمن يطرحون هذه الطروحات يتجهون للخيار(الليبي) في جانبه النفطي الناتوي..والعراقي في تجلياته الطائفية، وتبعيته، وما جرّه من خراب.
نحن من وقفنا مع حراك الشعب السوري، وخياراته، وحقوقه، ورفضنا الحل الأمني والقمع.. وعسكرة الحراك أيضا، نرى جيدا، ونقرأ جيدا، وبعض ما نراه يدفعنا للتنبه والتنبيه قبل فوات الأوان!.
ومن جديد نعود لرفع الصوت منحازين للشعب السوري الذي ينزف..ونعلن رفضنا لهكذا سياسة موعودة مدمرة للشعب السوري قبل إيران، وقبل حزب الله وحماس والفصائل الفلسطينية.
الثورات تنتصر بعزيمة وتضحيات الشعوب، وليس باستجلاب التدخل الخارجي الذي يرتهن الإرادة، وينحرف بالثورة إلى الثورة المضادة.
ختاما أود أن أسأل الدكتور برهان الذي عرفه القرّاء العرب مفكرا معنيا بنشر الوعي بالديمقراطية، وأهميتها لبناء مجتمعات جديدة حرّة، ودول عادلة معاصرة: هل استفتيت الشعب السوري بما طرحته، وما تبشر به لسورية.. أم تراك وما تمثله ترون أن الجماهير قاصرة، وأنكم تعرفون مصلحتها، وتقررون نيابة عنها؟!
بماذا إذن تختلفون يا دكتور عن أي نظام حكم تثور عليه الشعوب في بلاد العرب؟