أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
التطاول على حزب الله!!

بقلم : بروفيسور عبد الستار قاسم ... 02.06.2012

تعرض حزب الله منذ نشأته لانتقادات متعددة، وتطورت مع الزمن لتصبح سبابا وشتائما. لم يكن الحزب معروفا جيدا في الأوساط الشعبية في الثمانينات، لكن معرفة الناس به تطورت مع تطور مقاومته للاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان. لكن الحزب لم يكن أبدا من ضمن المفضلين لأوساط الأنظمة العربية والأجهزة الأمنية العربية، وكان يُنظر إليه على أنه التنطيم الذي يحشر الأنظمة في خانة اليك بسبب جديته في مواجهة الكيان الصهيوني. ولهذا وقفت الأنظمة العربية وبالتحديد السعودية والأردن ومصر حسني مبارك والإمارات العربية وبعض الأطراف الفلسطينية وتيار المستقبل اللبناني ضده في حرب عام 2006، وتحمست لنوايا إسرائيل الحربية في القضاء عليه. لكن تمنيات الأنظمة تحطمت عند أقدام مقاتلي الحزب، وفشل الكيان الصهيوني، وارتدت الأنظمة العربية خائبة محبطة. وكذلك فعلت هذه الجهات العربية عندما هاجم الصهاينة قطاع غزة 2008/2009. أحد القيادات الفلسطينية شتم الذات الإلهية عندما سمع في الإعلام أن الصهاينة سيوقفون حربهم على غزة.
*مسلسل الفتنة
وكما حصل عام 1979، عملت الأنظمة العربية مع دول مثل أمريكا والكيان الصهيوني على إشعال الفتنة الطائفية، على اعتبار أن الفتنة ستدفع المسلمين إلى الاقتتال الداخلي، ومن ثم تستنزف طاقاتهم، ويبقى بذلك الكيان الصهيوني مطمئنا، والولايات المتحدة مهيمنة، والأنظمة مستمرة في مخازيها ضد الشعوب العربية. ما دام حزب الله صامدا أمام الكيان الصهيوني، ويتلقى أسلحة من إيران، ويهدد بتغيير الوجه السياسي للمنطقة، فالأفضل جره إلى فتنة طائفية يختلط فيها الحابل بالنابل، ويضطر توجيه أسلحته إلى صدور المسلمين بدلا من نحور الصهاينة. وقد انجر إلى صناعة الفتنة بعض رجال الدين الفاسقين من السنة والشيعة، وتأثر جمهور الناس بالإعلام المضلل والتفجيرات الدموية التي ينفذها مهوسون من الشيعة والسنة، وأخذوا يراكمون في داخلهم الكراهية والبغضاء ضد الطرف الآخر. وبدل أن تكون معارك المسلمين في مواجهة الصهاينة والهيمنة الاستعمارية الغربية، ومن أجل التقدم والرخاء، تحول الاهتمام إلى ما يسمى إيران الصفوية وحزب الله الضال المضل الذي يحارب الصهاينة كمدخل للسيطرة على قلوب أهل السنة. وليت الأنظمة العربية قامت بدعم المقاومة السنية في العراق وفلسطين للسيطرة على قلوب أهل الشيعة. طبعا هؤلاء قادة لا علاقة لهم بالإسلام، وإنما همهم الفساد والإفساد والتحكم برقاب العباد خدمة لمصالحهم ومصالح من نصبهم قادة على أمة مقهورة.
فكرة التمييز بين السنة والشيعة لم تكن موجودة في أغلب الدول الإسلامية، وانحصرت فقط في البلدان التي يتواجد فيها سنة وشيعة وعلى نطاق ضيق. أما الآن فهي موجودة في بلدان لا يعرف أهلها عن الطرف الآخر إلا النزر اليسير مثل فلسطين ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب. من هو هذا الذي يغذي ثقافة التمييز بين مسلم وآخر، ويعمل ليل نهار على إحداث الفتنة والاقتتال بين المسلمين؟ أغلب الناس شيعة وسنة لا يعرفون عن الطرف الآخر. جماهير السنة لا تعرف عن طروحات أهل الشيعة، وجماهير الشيعة لا تعرف عن طروحات أهل السنة، وبدل التعريف بما يطرحه كل طرف، تتم تعبئة الطرفين بتشويهات دينية من أجل المنابزة وبعث الكراهية وتغذية الاقتتال. وطبعا لا يسلم حزب الله من التشويه، بل هو المقصود الأول بالتشويه من أجل زعزعة قوته خدمة لإسرائيل والأنظمة العربية الاستبدادية العفنة. على الرغم من أن حزب الله لا يوجه أسلحته ضد أي نظام عربي، إلا أن مجرد وقوفه في وجه إسرائيل وتطوير قدراته العسكرية من أجل مواجهة إسرائيل يشكل خطرا على الأنظمة العربية التي تستمد جزءا من بقائها في السلطة من إسرائيل. فأي هزيمة لإسرائيل هي هزيمة للأنظمة العربية وتهديد لبقائها في الحكم. والشعار الذي يحكم الأنظمة العربية واضح: الخنوع هو وسيلة البقاء في الحكم، أما العزة فتعني أن الشعوب ستسود. حزب الله يعطي مثلا للشعوب، وإذا حقق إنجازا ضد إسرائيل فإنه يعطي الشعوب دفعة قوية لمواجهة الحكام. ولهذا أصر حكام العرب في مختلف وسائل إعلامهم على أن إسرائيل انتصرت على حزب الله عام 2006، ورغم تأكيد قادتها ولجان تحقيقها بأنها خسرت الحرب ولم تستطيع تحقيق أهدافها.
*حزب الله والنظام السوري
برزت مؤخرا قضية سوريا، ووقف حزب الله مع النظام. وقد فسر كثيرون وقفة حزب الله تفسيرا طائفيا على اعتبار أن الأسد شيعي علوي. طبعا النظام السوري نظام علماني مستبد كغيره من أنظمة الفساد العربي، لكن لا مانع لديه لاستخدام طائفة أو دين أو مذهب من أجل تعزيز مواقعه. الأنظمة العربية لا تميز بين طائفة وأخرى أو بين قوم وآخر، وإنما تميز بين موال أو غير موال، ومستعدة دائما لاستعمال المال من أجل شراء الذمم واستعباد الهمم. وقفة حزب الله مع النظام السوري ليست طائفية، وإنما لأسباب عسكرية وسياسية وأمنية، وجميعنا يعلم أن سوريا هي البوابة الواسعة والكبيرة المفتوحة لحزب الله والتي تدخل منها الصواريخ والأسلحة والمعدات الإلكترونية المتطورة. حزب الله يقف مع المقاومة الفلسطينية السنية، ويمدها بالخبرات والمعدات والنصائح. رجال حزب الله أقاموا في سيناء من أجل مساعدة حماس والجهاد في تهريب السلاح، ومنهم من دخل غزة ليساعد في بناء الاستحكامات والدشم، ولنقل تجارب حزب الله الميدانية في مواجهة الجيش الصهيوني. ووقف أيضا مع السودان في مواجهة التقسيم، ومع الشعب الليبي في ثورته، ومع الشعبين التونسي والمصري. فلو كان حزب الله طائفيا، لما اتخذ هذه المواقف المؤيدة لأهل السنة.
يقول قائل إنه شيعي، فهو كافر أو فاسق. الكاتب له موقف من كل الفرق الإسلامية السنة والشيعة والخوارج والقدرية والجبرية والوهابية والإسماعيلية، الخ، وهي جميعها ساهمت في إضعاف المسلمين، لكن لا حق لأحد تكفير أحد، ولا لفرقة أن تكفر فرقة أخرى. وإذا كان تفريق المسلمين كفرا، فلا أحد يستطيع المزاودة على آخر. إذا كان تطور الفرق خطأ فنحن جميعا مخطئون، وإذا كان ذلك كفرا فنحن جميعا في ذات الميزان. أما إذا قيل إن للشيعة طقوسا ليست إسلامية، فإنه لا يوجد فرقة بدون طقوس خاصة لا علاقة لها بالإسلام، ولكل خصوصيته. كل فرقة تمارس خصوصيتها، ولها أن تفعل ما تريد ما دامت داخل أسوارها، ولا تحاول أن تعكس ذلك على العموم. وللتوضيح، الإسلام يفتح المجال للاجتهاد، ويمكن أن تتطور مذاهب اجتهادية غير منغلقة من أجل تفاعل الآراء والاجتهادات مثل الشافعية والحنبلية، لكن إذا تحولت الاجتهادات إلى عقائد خاصة، فإن الإسلام في حلّ من ذلك.
الكاتب يعلم تماما أن النظام السوري عبء أخلاقي على حزب الله، على الرغم من أنه رصيد له في تطوير قواه العسكرية. النظام السوري مستبد وفاسد، ولم يستمع لكل النصائح التي أتته من المثقفين العرب أو من أصدقائه في طهران ولبنان، ووضعه الأخلاقي يتناقض تماما مع الأداء الأخلاقي لحزب الله. لكن الحزب بحاجة للنظام السوري من الناحية الاستراتيجية، وإذا سقط النظام فإن الحزب سيكون بحاجة إلى النظام الجديد. ومن المنطق أن نتوقع حاجة أي نظام جديد في سوريا إلى حزب الله. لكن بعض قادة المعارضة لم يتركوا للحزب مجالا للتفاؤل لأنهم فتحوا النار عليه واتهموه بإرسال جنود لمساعدة النظام، ووعدوا بأن يطوروا العلاقات مع الكيان الصهيوني. ليس كل المعارضة السورية فعلت ذلك، لكن التصريحات التي صدرت عن بعض أقطاب المجلس الوطني وعن بعض رموز المعارضة لا تبعث على الاطمئنان. والكاتب يجزم لو أن المعارضة السورية بقيت ضمن الحضن العربي الجماهيري، وسعت إلى حشد الطاقات الشعبية العربية في مواجهة النظام لكان ذلك أجدى لها من الذهاب إلى ما يسمى بالمجتمع الدولي وتستنجد بالدول الغربية. الدول الغربية تريد تدمير سوريا، لكن الجماهير التي تريد التغيير في سوريا، وتريد الحفاظ على الدم السوري كانت ستتحدث مع حزب الله بأريحية من أجل المساهمة في إيجاد حل يلبي مطالب الشعب السوري.
كثيرون هم الذين يختلفون مع حزب الله في موقفه من النظام السوري، لكن الاختلاف لا يتم بالسباب والشتائم، وإنما بالتعبير الواضح عن مواطن الاختلاف والانتقاد. ولكل شخص أن يختلف مع السيد حسن نصر الله، لكن لهذا القائد رمزية وهيبة، ويجب ألا تنزلق الأمة إلى درجة الحط ممن سطروا لها تاريخيا منيرا في بحر من الظلام.
*ملامح بارزة لحزب الله
حزب الله حزب شيعي وله ممارساته الدينية المنسجمة مع ممارسات أهل الشيعة. ممارساته الخاصة لا تعنينا، وربما تعني الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على الجنة والنار ويوزعون المقاعد فيهما وفق ما يرون مناسبا. لكن للحزب علامات بارزة منها:
أولا: الحزب هو الجهة العربية الوحيدة التي هزمت إسرائيل. لقد طرد الحزب إسرائيل من جنوب لبنان، وحال دون تحقيق أهدافها في حرب تموز 2006. ولكي نكون منصفين، المقاومة في غزة هي الجهة التي دفعت إسرائيل إلى الانسحاب غير الكامل من القطاع، وأفشلتها في حرب الكوانين 2008/2009. قالت لنا قيادتا مصر وسوريا إنهما انتصرتا عام 1973، لكن هذا غير صحيح. حاربت الدولتان لكنهما لم تنتصرا لأنهما لم تحققا أهداف الحرب. أما النصر المشرق الذي تحقق كان على يد حزب الله. وهو من القوة بمكان الآن بحيث أن إسرائيل تتبجح كثيرا، ولكنها تترد بمهاجمته، وهي تعرف تماما أن حربها ضده ليست نزهة، وربما تخسرها.
وبما أننا مبدعون في الخيالات، هناك من يقول إن انتصار حزب الله مؤامرة من قبل إسرائيل وأمريكا. لقد حاربت إسرائيل حربا غير جدية من أجل أن تعطي انطباعا بأن الحزب قد انتصر فتتحسن صورته أمام جماهير العرب، ومعها تتحسن صورة إيران الصفوية المتحالفة مع الصهيونية العالمية. وهذا يشكل مدخلا لتطوير نفوذ إيران في البلدان العربية، مما يحسن الأجواء من أجل تشيع أهل السنة العرب. وهكذا تسقط البلدان العربية بيد إسرائيل وأمريكا بفضل الفرس.
وكأن البلدان العربية ليست تحت هيمنة إسرائيل وأمريكا.
ثانيا: يتميز حزب الله بأخلاق رفيعة، ويعتبر المعيار الأخلاقي المعيار الأول في تحقيق الإنجازات على مختلف المستويات. بالنسبة للحزب، التدين ليس هو المعيار، وإنما المستوى الأخلاقي للحزب أو الشخص أو الدولة. يرتقي من ترتقي أخلاقهم، وينهار من تنهار أخلاقهم. ولهذا عمل الحزب على مراعاة المسيحي قبل المسلم، والسني قبل الشيعي. لا يسمح الحزب لأفراده بالظهور بالسلاح أو التطاول على الناس أو ابتزازهم، و لا يسمح بالتبجح أو المزاودة على الآخرين. تربية حزب الله لأفراده تربية راقية جدا لا نستطيع أن نجد لها مثيلا في العالم.
ثالثا: سلاح حزب الله هو سلاح تحرير، ولا يستعمله ضد اللبنانيين أو أي طرف آخر حتى لو كان من أهل الغرب. يتمسك الحزب بأخلاقيات السلاح، ويعتبر السلاح أمانة كبيرة ومسؤولية عظيمة، وأنه سيسأل عنها أمام الناس وأمام الله، وليس لديه الاستعداد لاستعماله في حل نزاعات داخلية أو لفرض إرادته على أحد. يؤخذ على الحزب أنه استعمل السلاح في 7/أيار/2008 عندما ظهرت مشكلة الاتصالات. حينها كانت حكومة تيار المستقبل تهدد وجود الحزب من خلال كشفه أمام إسرائيل عبر شبكة الاتصالات اللبنانية الرسمية. حاول الحزب مع تيار المستقبل العدول عن محاولاته إلحاق شبكة اتصالات الحزب بالشبكة الرسمية لكن دون جدوى، فأصبحت المسألة مسألة حياة أو موت. أي أن تيار المستقبل كان يهدف إلى القضاء على حزب الله وتجريده من سلاحه، أو إنجاز ما عجزت إسرائيل عن إنجازه. وقد حسم حزب الله الأمر ميدانيا خلال ساعتين.
رابعا: لم أجد في حزب الله ما يدفع باتجاه تشييع الناس. في كل خطاب له، يصر السيد حسن نصر الله على وحدة العرب والمسلمين، ويدعو إلى نبذ الطائفية، ويحذر من السياسات التي تهدف إلى إثارة الفتن بين الفرق الإسلامية، وبين المسيحيين والمسلمين.
*الخلاصة
كان شاه إيران شيعيا، لكن قادة العرب كانوا يتباركون منه. فما الذي يجعل هذا الشيعي مقدسا، وذاك شيطانا؟ قربه أو بعده من إسرائيل وأمريكا. فلو كان حزب الله سنيّا لما قبلت به العربان. هل قبل العربان مقاومة العراق أو مقاومة فلسطين؟
يبدو أن الذين يعتادون الذل يرون في المجد إخلالا بالتقاليد. لا يجوز أن يظهر من بين المهزومين منتصر، ولا من بين الأذلاء عزيز. والأمر شبيه بمؤسساتنا العربية التي تعد مرتعا للكسالى والعجزة وإهدار المال العام. الأمين فيها لا يستمر لأن وجوده يفضح عجز الآخرين واستهتارهم وسرقاتهم. غلطة الأمين الصغيرة تصبح جبلا وتسارع الذئاب إلى النيل منه وطرده، أما سرقة المليارات فلولا إرادة الله لما حصلت.
حزب الله جيد إذا ألقى السلاح واكتفى ببعض المهاترات الإعلامية، وقرر ألا طريق إلى القدس إلا طريق المفاوضات والأمم المتحدة. عندها سيصبح حسن نصر الله عاقلا ومترويا، وصاحب بصيرة وبعد نظر.
*ماذا يعني هذا جماهيريا؟
نحن أمة يجب أن تفك القيود وترفض الاستعباد وتصر على التقدم والعطاء. يجب أن ننبثق لنكون أمة عظيمة تساهم في الحضارة العالمية وتصون كرامة الإنسان وترتقي به في مختلف المجالات. نحن مع الذين يكدون ويتعبون وينجزون، ونشد على أيديهم ونعمل معهم من أجل إنجاز المزيد. لكننا لسنا مع الذين ينهبون ثروات الأمة ويبددونها، ويصعرونها مطية لأعدائنا من أهل الغرب والصهاينة. حكام العرب لا يتقون الله، ولا يعرفون سوى مصالحهم وشهواتهم، ولا يربون شعوبهم إلا على الجبن والخوف والهرب والهزائم. هم حكام لا يصدقون، وغير مؤهلين لكي يكونوا صادقين، ولا يعرفون كيف يمكن ان يكون الصدق أو كيف يكون حمل الأمانة.
أصدقاء حكام العرب ليسوا أصدقاءنا، واعداؤهم ليسوا أعداءنا، ومن ينهب مال الأمة، لا يحق له أن يطعن بالآخرين، ومن يعترف بإسرائيل لا يحق له أن يتكلم بالوطنية، ومن يوظف نفسه سمسارا على أمة العرب لا مستقبل له سوى مزبلة التاريخ.