أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
العراق : نموذج متوالية قتل الأشقاء !

بقلم :  د . فهمي الفهداوي ... 15.10.07

الدول العربية : دول هشة , سيادتها ليست طوع أمرها ، وقد أثبتت تجارب العلاقات والصراعات الدولية ، تبعية هذه الدول في غالبيتها ، إلى الانضواء والشروع في تنفيذ توصيات الإدارة الأمريكية ، سواء كان ذلك في السر ، أو بشكل معلن ، وبالتالي وضمن حسابات السياسة ، فلا مجال بين ما ترغب به قلوب الكثرة الشعبية المعارضة من جهة ، وبين الأيادي من القلة الحاكمة ، التي ترسم واقعا محسوبا على ارض الحقيقة الفعلية ، في إطار عقلي – مصلحي محض ، وهذا يمثل الجهة الأخرى ،التي تقف خلفها وعلى الدوام الإدارة الأمريكية ، طبقا لسياساتها المعتمدة وإستراتيجيتها المقرّة ، إذْ لا مجال في نكران هذه المسلمة السلوكية ، ضمن معطيات الساحة السياسية للدول العربية ، خاصة خلال الثلاثين سنة الماضية وحتى يومنا هذا .
فالقضية الفلسطينية تمت تصفية أبعادها ، طبقا للمشيئة الأمريكية ، التي تسخّرت في الأساس لخدمة الكيان الصهيوني ، وكانت الدول العربية تهرول خارج الإطار الفعلي ، الذي يضمن للشعب الفلسطيني أي حق يذكر ، وها نحن نعيش أمام قضية تكتيكية تحللت مستحّكماتها كقضية كبرى ، بين كيانات تصارعية محكومة بسياقات مرحلية ، لا تعيد مهاجرا إلى وطنه ، ولا ترفع علما لسيادة دولة آمنة من اجتياحات عدوانية متكررة .
ومثلما استطاعت الدول العربية ، أن تعيش مضحية بشقيقتها في فلسطين ، استطاعت على عجل أن تتجاوب مع فكرة التفريط بالشقيقة الأخرى في العراق ، وأن تشهد مقتلها من خلال الغزو الأمريكي لها ، الذي تجاوز في بوهيميته كل مأثرة حسنة جاءت بها أخلاقيات البعد الإنساني في فعل القتل والدمار ، على وجه الأرض والكون ومنتوج الثقافة البشرية .
إذن نحن أمام متوالية قتل الأشقاء والشقيقات من قبل الغرباء الصهيونيين والأمريكيين ، والتضحية بالمقتولين والسكوت على مقتلهم من قبل الأقرباء وبقية الأشقاء ، وهذا هو ما ينطبق عليه حال الوصف دون مواربة ، بالنسبة لحزمة الدول العربية ، وينبغي أن لا نعمد في كل فاجعة تحدث ضمن بيئتنا من قبل أمريكا والقوى الممثلة لها ، إلى تحميل الدول العربية مأساة ما يحصل لها مجتمعة أو لدولة محددة من دولها ، لأنها بكل بساطة دول ليس لها حول ولا قوة ، أمام أمريكا وقوتها الضاربة في أرض العرب .
وينبغي أن لا نبتعد عن عقدة المأساة الجوهرية في قضية مسخ الشخصية السياسية للقرار السياسي العربي ، من خلال إلقاء التهم ناحية جامعة الدول العربية ، وصبّ جام الغضب الانفعالي على أمينها العام ، والمنظمات الشبحية الفرعية المرتبطة به ، لأنَّ الجميع يُشكّل نسيجا توحّديا مع أصل المسخ وصورته وتحولاته وإرهاصاته ، بناء على سوابق المواقف والقرارات ، التي سلّمت مفاتيح العواصم العربية ، إلى سادة البيت الأبيض – أصحاب الضمائر السود ، وهؤلاء فقط هم أهل الحل والعقد ، وتخضع جميع مقدرات شعوبنا وأوطاننا ، طبقا لإرادتهم الحرّة ، التي لا تعلو فوقها إرادة ، ويجب أن تكون هذه الحقيقة ، التحصيل الحاصل لكل حدث مأمول ، ولكل قضية يُراد لها حلُّ ما .
فمهما قيل عن كثرة الشعوب العربية ، ومهما قيل عن حجم الثروات المالية والطبيعية عند العرب ، سأقول بمنتهى البساطة : شعوب كثيرة وسيوف من خشب ، وموارد أكثر ومفاتيح خزاناتها في البيت الأبيض ، الذي يحتكر صكوك تعيين حكام العرب ، وله القرار الفصل في بقائهم وطردهم وإعدامهم إذا اقتضى الحال .
ومن لا يتفق مع هذه التصورات ، فلن أتناقش معه على الإطلاق ، لأنه يجتهد في معرض الحقيقة ، ولا يريد أن يذعن للشواهد الدامغة .
فها هو العراق ، الذي دخل أجندة التقسيم ، ضمن جعبة الأفكار المستقبلية ، التي سوف تتصدر قرارات الإدارة الأمريكية الجديدة في قابل الأيام ، سيكون القربان الشاهد على دلالة كون الدول العربية ، لا علاقة لها بالعراق ، ولا بفلسطين من قبل العراق ، وكونها ماضية مع متوالية قتل الأشقاء .
هذه هي الحقيقة مع الأسف ، ولكن ثمة حقيقة أقوى منها ، ألا وهي مقاومة الجماهير والشعوب العربية لكل هذا العار التاريخي بسيوف من حديد ، والبدء من جديد .

*مدير مركز الحكم الصالح للدراسات الإستراتيجية