بقلم : نقولا ناصر* ... 18.06.2012
(شينخوا: "تبدو الحكومة السورية قد وضعت على الرف كل الاقتراحات الخارجية واختارت" إنهاء الأزمة ب"حسم عسكري يضع نهاية للأزمة المستعصية مرة واحدة وإلى الأبد")
كان تعليق بعثة مراقبي الأمم المتحدة لأعمالها في سورية "إلى إشعار آخر" كما أعلن رئيسها الميجر جنرال روبرت مود السبت الماضي هو أحدث مؤشر إلى تصعيد في "العنف" المتبادل يشير إلى أن الأزمة الاقليمية والدولية حول سوريا تتجه نحو الحسم العسكري في الداخل.
وإنها لمفارقة حقا أن "المعسكر" العربي والدولي الذي يطارد المقاومة بكل أشكالها باعتبارها "إرهابا" ويحظر حتى التأييد اللفظي لها باعتباره "تحريضا على العنف" في المكان الوحيد الذي لم تعد تجدي فيه الحلول والتسويات السلمية والتفاوضية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي هو ذات المعسكر الذي يستخدم الآن كل الوسائل لمنع الحوار وإغلاق أي نافذة للتفاوض من أجل التوصل إلى تسوية سياسية سلمية لأزمة أثبتت تطوراتها منذ بدايتها قبل عام وبضعة أشهر في سورية استحالة أي حل عسكري أو أمني لها، وهو ذات المعسكر الذي ترفع دوائر صنع القرار في عواصمه شعارا وحيدا يقول إنه "لا صوت يعلو على صوت المعركة" ل"تغيير النظام" في دمشق.
في تقرير لوكالة أنباء "شينخوا" عممته وسائل الإعلام الصينية في الرابع عشر من الشهر الجاري بعنوان "سورية تبدأ الحسم العسكري لإنهاء الأزمة" جاء أنه "في وقت لا يزال المجتمع الدولي عاجزا عن التوصل إلى حل" للأزمة "تبدو الحكومة السورية قد وضعت على الرف كل الاقتراحات الخارجية واختارت طريقها الخاص" لإنهائها ب"حسم عسكري يضع نهاية للأزمة المستعصية مرة واحدة وإلى الأبد"، منذ يوم الجمعة الماضي، بعد أن "خفضت خياراتها العسكرية" طوال الفترة الماضية "حفاظا على أرواح المدنيين" وفي محاولة "لإعطاء فرصة لتسوية سياسية".
وإذا كان تقرير "شينخوا" صحيحا، والأرجح أنه كذلك، فإنه مؤشر إلى أن المعسكر العربي والدولي الذي عجز عن انتزاع تفويض من مجلس الأمن الدولي للتدخل العسكري الأجنبي من أجل "تغيير النظام" في سورية على الطريقة الأفغانية والعراقية والليبية قد نجح بالعنف والإرهاب في دفعه إلى خيار "الحسم العسكري" كخيار وحيد لوقف نزيف الدم السوري، وإعادة الأمن والأمان إلى البلاد، وهما مطلبان شعبيان لم يعد في وسع الدولة السورية صم آذانها عنهما، بعد مهلة طويلة منحتها لأصدقائها الروس والصينيين وغيرهم كي يحلوا الأزمة سياسيا وسلميا، فغزارة الدم السوري المسفوك ورائحة الموت والدمار التي عمت البلاد قد تجاوزت كل الحدود.
لكن هذا الخيار هو ما كان هذا المعسكر ينتظره كي يتخذ منه ذريعة للتدخل العسكري الأجنبي من دون أي تفويض من الأمم المتحدة وخارج إطارها في تكرار لسيناريو حرب حلف الناتو على صربيا عام 1999.
ومن الواضح أن معسكر "تغيير النظام" في سورية بكل الوسائل المتاحة قد نجح أيضا في احباط كل الجهود الروسية والصينية لحل الأزمة سياسيا وسلميا، ومنها "خطة أنان" التي تبلورت كعنوان لهذه الجهود، ومن المرجح أن يحبط هذا المعسكر كذلك فكرة عقد مؤتمر دولي لأعضاء مجلس الأمن الدائمين ودول الجوار التي اقترحتها موسكو لإنقاذ خطة أنان أو تطويرها، مما يحاصر "الحل السلمي" ودعاته في موسكو وبيجين ويضعهم في موقف حرج.
ومن الواضح كذلك أن أي قرار سوري بالحسم العسكري سوف يزيد في حراجة الموقف الروسي والصيني، اللهم إلا إذا حظي بدعم العاصمتين لتبديد اي أمل متبق لدى المعسكر الآخر في أن تكون حظوظه مع العنف والإرهاب أفضل من حظوظه مع التدخل العسكري المباشر بتفويض او دون تفويض من الأمم المتحدة.
ولأن المصالح الاستراتيجية الروسية والصينية الكامنة وراء دعم حل سلمي للأزمة في سورية أضخم من أن تسمح للعاصمتين بالفشل في جهودهما، وأكبر من أن تسمح لهما بالتسليم لفشل كهذا والانسحاب بهدوء، ولأن المصالح الاستراتيجية للمعسكر الآخر لن تسمح له بذلك أيضا، يظل التصعيد العسكري هو الاحتمال الأرجح.
إن وصف الوضع الراهن بأنه "حرب بالوكالة" بين المعسكرين أو بأنه "حرب أهلية" فيه الكثير من الخلط والتضليل الإعلامي الذي يساوي بين المعسكرين، كي لا يتم التمييز بأن أحدهما يجهد منذ بدء الأزمة من أجل عسكرة الاحتجاجات السلمية والتدخل العسكري الأجنبي وبين الآخر الذي يجهد في الاتجاه المضاد، وبين المعسكر الذي يحرض على العنف ويسلحه ويموله ويمده بالتسهيلات اللوجستية وبين المعسكر الآخر الذي يعمل من أجل الحوار الوطني كمعبر إلى تسوية وطنية سياسية.
وهو وصف يستهدف التصعيد العسكري من أجل إنهاك الدولة السورية وإرباكها تمهيدا لوصفها ب"دولة فاشلة" عاجزة عن أداء وظيفة اساسية لها في توفير الأمن والأمان لمواطنيها ولتصويرها بأنها مجرد طرف في "حرب أهلية" أو مجرد "وكيل" لقوى أجنبية لاستثمار الادعاء بأنها دولة فاشلة واستثمار ما يرافق التصعيد العسكري من عنف وخسائر مدنية في الأرواح كذرائع لاستدعاء التدخل العسكري الأجنبي ووضع سورية تحت وصاية الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة أو تحت أي غطاء دولي آخر.
إن دعوة وزير الخارجية الفرنسي "الاشتراكي" الجديد لوران فابيوس علانية وصراحة إلى فرض مثل هذه الوصاية التي تطالب بها الولايات المتحدة وجامعة الدول العربية منذ زمن، وقول نظيره البريطاني وليام هيغ "المحافظ" إنه "لا يستطيع" ان يستبعد "إرسال قوات إلى سورية"، و"تأكيد" مسؤولين بوزارة الدفاع الأميركية لشبكة "سي ان ان" بأن البنتاغون قد "أنهى إجراءات تلخص كيف يمكن لقوات أميركية أن تحارب قريبا حكومة سورية التي تمزقها الحرب لتنخرط رسميا في الانتفاضة الدموية في تلك الدولة" وبأن الجيش الأميركي بات بانتظار "أوامر بشن هجوم" في سياق ما وصفه وزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف ب"محاولات الاطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد وتغيير النظام" كجزء من "لعبة جيوسياسية أوسع في المنطقة "تستهدف إيران"، ثم الاعتراف الأميركي والفرنسي بتزويد العصابات المسلحة في سورية بأجهزة اتصال ومناظير ليلية حربية متطورة، إنما هي وغيرها مؤشرات إلى أن سورية تتجه نحو الحسم العسكري.
وفي السياق ذاته تأتي الزيارة التي قام الأسبوع الماضي بها إلى العاصمة الأميركية "وفد رفيع" مما يسمى "الجيش السوري الحر"، على ذمة "ذى سيدني مورنينغ هيرالد" في السابع عشر من الشهر الجاري، حيث التقى السفير الأميركي "غير المرغوب فيه" في دمشق، روبرت فورد، والمنسق الخاص للشرق الأوسط بوزارة الخارجية، فريدريك هوف، ثم "أعضاء كبار" من مجلس الأمن القومي الأميركي تم إطلاعهم على "قائمة" أسلحة يريدون الحصول عليها. واختتمت الصحيفة الاسترالية تقريرها بالقول إن "التدخل" الأميركي في سورية "سوف يحدث .. والسؤال هو متى".
وهذه الزيارة، إن تأكدت، تؤكد بأن التمويل والتسليح "العربي" لما يسمى المعارضة المسلحة في سورية ليسا سوى أدوات للقيادة الأميركية التي تقودها.