بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 22.12.2011
منذ عقود مضت والشعب الفلسطيني يعاني الويلات من الاحتلال والاستعمار الاستيطاني الصهيوني ومنذ عقود ايضا لم يترك الشعب الفلسطيني ارض الميدان وطنا ومهجرا, حيث قارع المُحتَّل بشتى الوسائل والامكانيات وبشتى اشكال المقاومه سواء السلميه او السياسيه او المسلحه والتي اندرجت جميعها تحت مظلة الكفاح الوطني الفلسطيني من اجل استعادة الحقوق المسلوبه والارض المنهوبه والوطن السليب اللتي تأمرت عليه الامبرياليه والصهيونيه تحت مقولة " ارض بلا شعب لشعب بلا ارض" وهي المقوله الصهيونيه الامبرياليه التي انكرت وجود الشعب الفلسطيني في حين كانت فلسطين عامره باهلها وبشعبها وبقراها وبمدنها وبهويتها الوطنيه الفلسطينيه لا بل ان فلسطين اللتي انكرت وجود شعبها الصهيونيه والامبرياليه كانت موجوده ومذكوره في الكتب التاريخيه والسماويه قبل وجود الحركه الصهيونيه بقرون كثيره والكثير من المدن الفلسطينيه عمرها من عمر التاريخ البشري ومع هذا وبكل بساطه انكر الغرب والصهيونيه وجود فلسطين والشعب الفلسطيني حتى يومنا هذا...في زمن وعد بلفور وانعقاد المؤتمر الصهيوني الاول في بازل عام 1896 كانت المدن الفلسطينيه التاريخيه تملا فلسطين وكانت القدس موجوده ويافا وحيفا والناصره وعكا وبيت لحم والرمله والمئات من القرى والمواقع الفلسطينيه الاخرى التي كانت تعج بالحياه ومع كل هذا كانت الحركه الصهيونيه في ثلاثينات واربعينات القرن الماضي تُصور فلسطين في افلام دعائيه صامته موجهه للراي العام الغربي بانها صحراء قاحله وتعرض صورة المستوطن اليهودي الكادح الذي يحول الصحراء الى واحه خضراء بينما في خلفية الصوره يظهر العربي بلباس رث يجُر جمل وغير ابه بالارض والمكان...صورة المستوطن اليهودي المتطور والحضاري وصورة العربي المتخلف..صورة الحق اليهودي وصورة الباطل العربي..صورة اليهودي الضحيه والعربي المعتدي والقاتل.. صورة ما زالت قائمه في الفكر الصهيوني والامبريالي حتى يومنا هذا بالرغم من ان عدد الشعب الفلسطيني وطنا ومهجرا تجاوز عدد ال11 مليون نسمه وبالرغم من ان مقولة " ارض بلا شعب.." كانت وما زالت اكذوبه تاريخيه ضحدتها وتضحدها حقيقة وجود الشعب الفلسطيني ووجود حضارته المعماريه والزراعيه والتجاريه على طول وعرض فلسطين قبل وبعد وجود الحركه الصهيونيه اللتي كانت وما زالت جزء لا يتجزأ من الاستعمار والاستكبار الغربي ومن منطلق هذا الفكر طبقت احد ابشع اشكال الاستعمار وهو الاستعمار الاستيطاني الاحلالي الذي يعتمد على مبدأ استيطان الارض وطرد سكانها الاصليين واحلال المستوطنين مكانهم كواقع مفروض..!
استيطان واحتلال واحلال..مبدأ طبقته الصهيونيه منذعام 1948 وحتى يومنا هذا وكانت بدايته طرد الشعب الفلسطيني عام 1948 من مدنه وقراه واحلال " المهاجرين" والمستوطنين اليهود واسكانهم في بيوت الفلسطينيون المهجرون قسرا: حيفا.. عكا..صفد .يافا.. الرمله.. اللد..عسقلان.. اسدود وغيرهن الكثير من المدن والقرى الفلسطينيه الذي استولت عليها قطعان المهاجرين والمفارقه ان اسرائيل تطلق اليوم واطلقت على هذه المدن تسمية المدن المختلطه الذي تحوَّل فيها الوجود العربي الى جيتوات صغيره في بحر من البناء والاستيطان اليهودي المدعوم اقتصاديا وسياسيا بينما يُحظر على العرب ترميم بيوتهم التي استولت عليها شركة " عميدار" الصهيونيه وهي الشركه التي اخذت على عاتقها تدمير صورة وهوية المدن الفلسطينيه من خلال اهمال البيوت العربيه وعدم السماح بترميمها وبالتالي سقوطها وفي الوقت نفسه بناء نسخه معماريه يهوديه يطلق عليها اسم المدينه العربيه المعبرن..عكا..عكو..يافا..يافو..بئر السبع.. بير شيبع.. الخ.. لاحظوا معنا : ان ما لم تستطيع اسرائيل احتلاله واستيطانه من مدن عربيه قامت بتطويقها جغرافيا وديموغرافيا من خلال الاستيطان وسرقة اسم المكان والمدينه العربيه وللمثال انشأت اسرائيل في منتصف الخمسينات من القرن الماضي مدينة " نتسيرت عيليت" الناصره العليا بجانب وفوق مدينة الناصره العربيه الجليليه العريقه والهدف هو محاصرة الناصره العربيه جغرافيا وديموغرافيا واستيلاء مستوطنة نتسيرت عيليت على اراضي الناصره والقرى العربيه المجاوره وهذا ماجرى عبر السنين وحتى يومنا هذا...بحبوحة "نتسيرت عيليت" واستيلاءها على مسطح واسع وشاسع من الاراضي بينما الناصره تعاني من الحصار الجغرافي والاكتظاظ الديموغرافي.. والامر نفسه حدث مع مستوطنة روش هعاين وكفر قاسم.. وهذه الامثله المعممه على كامل فلسطين هي احد عناصر واشكال السيطره الصهيونيه على حيز الجغرافيا الفلسطينيه ومناطق التواجد الفلسطيني سواء في الجليل او النقب او الضفه او القدس او في المثلث او مناطق الساحل الفلسطيني.. كامل فلسطين!
الاستراتيجيه الاستيطانيه الاحلاليه الصهيونيه تنتهج نفس الاساليب في جميع مناطق فلسطين التاريخيه لابل نفس الحجج: حجة بناء بنيه تحتيه وشوارع تابعه لدولة الاحتلال..حجة بناء غير مرخص..حجة اعمار وتطوير وتحضير..حجة ومزاعم اراضي دوله واراضي ما يسمى بدائرة اراضي اسرائيل[دائرة سرقة الاراضي العربيه]..كل هذه الحجج تُوظَّف لهدم بيوت الفلسطينيون والاستيلاء على اراضيهم بهدف دعم المشروع الاستيطاني والاحلالي الصهيوني...حصر الفلسطينيون على اصغر قطعه جغرافيه ممكنه في فلسطين ومد الوجود الصهيوني على اكبر مساحه جغرافيه ممكنه..مشروع تهويد الجليل والنقب واللتي تمول جزء كبير منه امريكا والصهيونيه العالميه يهدف الى السيطره الصهيونيه على ما تبقى من جيوب جغرافيه وديموغرافيه فلسطينيه في الجليل والنقب من خلال محاصرة الوجود العربي بالمستوطنات والمستوطنين وهذا مايجري على قدم وساق في الجليل وفي النقب...تهويد الجليل ووادي عاره والمثلث الشمالي والجنوبي الفلسطيني من خلال زرع المستوطنات اليهوديه حول ووسط التجمعات الفلسطينيه...في النقب من خلال مخطط برافر التهويدي ومخطط توطين بدو النقب قسريا الجاري منذ بداية السبعينات من القرن الماضي, حيث نجحت اسرائيل بتوطين نصف عدد عرب النقب في عدة نقاط توطين واليوم تحاول من خلال برافر ترحيل وتوطين النصف الاخر المتبقى في دياره في القرى ال45 التي لاتعترف بوجودها اسرائيل..في النقب يجري مثال صارخ لاستراتيجية الاستيطان والاحلال الصهيوني, حيث تستولي اسرائيل على اراضي عرب النقب وتمنحها لمستوطني مستوطنات الافراد الصهاينه الذين يستولون على مساحات شاسعه من النقب بدعم من الدوله الاستيطانيه الاسرائيليه.. قرى عرب النقب تعيش في ظروف القرون الوسطى بينما مستوطنات الافراد تحظى ببنيه تحتيه ودعم صهيوني غير محدود... البدوي العربي النقباوي ينام في ارضه الذي يقطنها منذ مئات السنين وقبل وجود اسرائيل ليصحو في الصباح ليجد لافته كُتب عليها " ارض تابعه لاسرائيل" واشعار بان عليه ان يترك المكان ويرحل..عربده في وضح النهار..!!
يخطأ من يظن ان مشاريع التهويد والاستيطان الاحلالي التي استهدفت بالتحديد ماتبقى من جيوب واماكن جغرافيه يقطنها الفلسطينيون قد بدأت بالامس القريب والحقيقه ان هذه المشاريع شكلت مرحله وخطوه من خطوات الاستيلاء على كامل فلسطين[ خطوات : النكبه وتهجير اكثرية الشعب الفلسطيني,حرب عام 1967 وتهجير قسم اخر, الاستيطان في مناطق الضفه وتهويد القدس الخ] ولذلك طرحت اسرائيل منذ سبعينات القرن الماضي مشاريع تهويد الجليل والنقب وتوطين البدو في النقب قسريا والاستيلاء على اراضيهم, وطرحت اسرائيل ايضا في بداية تسعينات القرن الماضي خطة النجوم السبعه لتهويد المثلث العربي ومحو ما يسمى بالخط الاخضر وجلبت لهذا الغرض المزيد من المهاجرين اليهود, ولا ننسى ان اسرائيل طرحت ايضا خطط تهويد المدن الفلسطينيه المحتله منذعام 1948 وللمثال لا للحصر طرحت بلدية تل ابيب في تسعينات القرن الماضي خطة تهويد يافا ومحاصرة الوجود العربي في هذه المدينه الفلسطينيه الاصل وهذه الخطه طبقت وتطبق في جميع المدن الفلسطينيه الذي يطلق عليها زورا اليوم اسم " المدن المختلطه"..يافا.. حيفا.. عكا.. الرمله.. اللد.. الخ وبالتالي ماهو جاري اليوم هو استمراريه لمشاريع صهيونيه احلاليه جاريه على الارض الفلسطينيه منذ عقود وبالمناسبه ماهو جاري في القدس المحتله يأخذ نمط ماجرى في حيفا وعكا ويافا.. القدس ليست في مرمى الاحلال والاستيطان فحسب لابل في عين عاصفة التهويد القسري ومحو هوية المدينه العربيه... الضفه الفلسطينيه تسير في ركب المخطط الصهيوني : استيطان واحلال وتغيير جغرافي وديموغرافي...سيطره اسرائيليه جغرافيه وديموغرافيه على المناطق الفلسطينيه من خلال الاحتلال والاستيطان والاحلال على طول وعرض فلسطين التاريخيه بما فيها جمهورية الموز العباسيه في رام الله المحتله..!!
الجاري منذ عقود هو ان اسرائيل تفرض او تحاول فرض سيطرتها على كامل مناحي الحياه والجغرافيه الفلسطينيه من خلال السيطره الجغرافيه والسيطره الديموغرافيه والسيطره الاقتصاديه والسيطره السياسيه وحتى السيطره الثقافيه والحضاريه على الشعب الفلسطيني اينما كان وتواجد وطنا ومهجرا الى حد ان اسرائيل شرعت بعبرَّنة وتغيير اسماء المواقع الفلسطينيه في فلسطين لابل ان اسرائيل استبدلت الى حد بعيد الايادي الفلسطينيه العامله[ العمال] الذين يعملون في المصانع الاسرائيليه بعمال اجانب...اسرائيل تفرض اصعب اشكال السيطره على الشعب الفلسطيني بما فيها السيطره الاقتصاديه التي تسمح لاسرائيل بمحاصرة قطاع غزه وتجويع شعبها لابل تسمح لاسرائيل بالزج ب ستون بالمئه من المقدسيين الى مربع واتون الفقر..ناهيك عن سهولة حصار الضفه اقتصاديا عبر اغلاق المعابر ومنع العمال الفلسطيينيين من التوجه للعمل...الامر نفسه ينطبق على مناطق فلسطيني الداخل المرتبطين بسوق العمل الاسرائيلي بشكل شبه كامل في غياب وجود بنيه تحتيه اقتصاديه حقيقيه في قرى ومدن الداخل الفلسطيني ويكفي ان تغلق اسرائيل هذه المدن والقرى في ظرف طارئ او اخر لتشل كامل حياة سكان هذه القرى والمدن العربيه التي تستهلك بنسبه كبيره البضائع الاسرائيليه والمنتجات الغذائيه وغيرها التي تصنَّع في المصانع اليهوديه.. سيطره اقتصاديه يصبح فيها العربي قسريا مستهلك للبضائع الاسرائيليه وحياته مرتبطه بهذه البضائع.. كثير او بالاحرى الاكثريه الساحقه من المصانع التي تستوعب الايادي العربيه العامله القادمه من القرى والمدن العربيه في الداخل موجوده في المدن والقرى اليهوديه الاسرائيليه والسبب هو : ربط العربي بسوق العمل الاسرائيلي والسيطره عليه اقتصاديا والحيلوله دون استقلال العرب اقتصاديا وبنيويا في قراهم ومدنهم .. وهذا هو الجاري اليوم وهذا هو الواقع: سيطره من خلال ربط فرص العمل والاستهلاك العربي بسوق العمل والانتاج الاسرائيلي ..!!
ليس هذا فقط والامر لا يتعلق فقط بالسيطره على الشعب الفلسطيني المتواجد في فلسطين التاريخيه لابل ان اسرائيل تحاول المستحيل من اجل شطب حق العوده للاجئين والحيلوله دون عودة الشعب الفلسطيني المشرد الى وطنه من خلال دعم المؤسسات الدوليه الامبرياليه لهذا الهدف الاسرائيلي من جهه ومن خلال محو اثار معالم القرى والمدن الفلسطينيه المهجره منذعام 1948 وتهويدها بالكامل وزرعها بالمستوطنات والمستوطنين من جهه ثانيه وبالتالي الجاري هو ان المشروع الصهيوني هو اكثر من اخطبوطي وعنكبوتي الاتجاه في الوقت الذي شُل فيه العمل الفلسطيني السياسي الى حد بعيد والى حد ان تتجرأ اسرائيل على طرح قضية منع الاذان في المساجد الفلسطينيه لابل حرقها من قبل المستوطنين والى حد ان يتجرأ فاشي امريكي بنكران وجود الشعب الفلسطيني والى حد ان تتجرأ دويلة قطر وامير السيليه بطرح خارطه فلسطين مقزمه ومفصله على مقاس امير صغير والى حد ان تستهدف اسرائيل الوجود الفلسطيني في القدس والنقب وفي كل بقعه في فلسطين.. الجاري الان هو المرحله الاخيره من الهجوم على الوجود الفلسطيني في كامل فلسطين التاريخيه.. الشعب الفلسطيني مستهدف وطنا ومهجرا والواقع الوطني الفلسطيني مهلهل وامَّر من المُر والقادم اصعب..
واضح ان اسرائيل تشن المرحله الاخيره من حربها الاستيطانيه والاحلاليه على الوجود الفلسطيني اينما كان وطنا ومهجرا من الجليل شمالا وحتى النقب جنوبا ومن غزه غربا وحتى الضفه شرقا وتستهدف القدس بشكل متسارع لفرض حقائق في غياب الطرف الفلسطيني بشكل شبه تام...حماس وفتح تقاسما النفوذ الجغرافي والسياسي وقسمَّا الوطن والشعب الفلسطيني قسريا وفصَّلاه زورا على مقاس فصائلي انتهازي..كل يريد الاحتفاظ بقسمه الجغرافي والفصائلي وراتبه... والشعب الفلسطيني يعاني كثيرا ويحاول الذود عن ذاته ووجوده في ظل غياب مشروع وطني فلسطيني جامع ..مؤسف كثيرا ونحن اليوم نمُر بالذكرى السنويه ال24 لانتفاضة الحجاره ان يكون حال الفلسطيني.. حال الغائب وطنيا واليتيم سياسيا في زمن الثورات العربيه..ما الت اليه الامور في فلسطين اخطر من خطير.. الفلسطيني يحاصر.. يُطارد.. الارض تضيع.. الشعب في حالة ضياع وتيه.. القدس تهوَّد شبر شبر وحاره حاره وبيت بيت... كل فلسطين مستهدفه وما يجري في القدس والضفه جاري في النقب والجليل..أيها الفلسطينيون: انتُم في مرمى استراتيجية الاحلال و السيطره الصهيونيه والتضليل العربي والفلسطيني.. والقادم اصعب...نحن نعرف ان شعب جمل المحامل سينهض بالحمل حتى ولو كان ثقيلا.. الظلم الصهيوني سيكون زيت السراج الفلسطيني القادم.. اما ان نكون او لا نكون..ظهورنا وصلت الى الحائط الاخير..اسنان الجرافات الصهيونيه تفترس وجودنا.. والسؤال الى متى؟!...قضية وقت.. دق الكوز وكسر الجره!!