أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
فلسطين: في حضرة لوعة الانتظار!!

بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 05.01.2012

في انتظار الانتظار وفي انتظار القادم والان في انتظار انقضاء عام وقدوم عام اخر وهكذا تواليك..عام يطارد عام وعقد يطارد عقد وقرن يطارد قرن ونحن نقف في محطات الزمن وننتقل من محطه الى اخرى على الطريق التي امتدت من فلسطين وحتى اخر الدنيا..نسير على الطريق ونحمل فلسطين على ظهورنا وفي قلوبنا ونحط بها اينما حطينا الرحال على طول وعرض الكرة المستديره....نصول ونجول جيل بعد جيل ونعيش ولا نعيش ونموت ولا نعيش وننتقل من حدث الى حدث ومن زمن الى زمن ومن قرن الى اخر ونحن نسير نحو الحلم الهارب نسقيه بالامل ونرويه بالدم ونقول ان الفجر قادم وان الليل زائل ونهتف جيل بعد جيل..شلت يدي ان نسيتكي يا فلسطين..ويا جبل ما هزك ريح.. اقعُد واستريح.. واصل مشوارك...سر نحو الامام ولا تمارس مقولة مكانك عد..سر وطالب بهذا الحق واهتف بمقولة.. ما ضاع حق ووراءه مطالب...مطالب واحد وما بالك ان كانوا بالملايين...يهتفون بهتاف الشعب يريد العوده الى فلسطين...مفارقة ان يكون الشعب خارج وطنه ووطنه بداخله...مفارقة ان يطالب شعب كامل بالعودة الى وطنه..مفارقه ان يُطرد شعب كامل من دياره.. مفارقة ان يكون للشعب وطن ولا يكون.. وطن تحت الاقدام نسير عليه ونلمس ترابه ووطن على مرمى حجر وعلى مرمى نظر.. ولا وطن..كيف يستقيم هذا المنطق مع هذا العَّوج الصارخ...كيف يستقيم هذا الحق الساطع مع هذا الباطل الفارع والمتفرع في مسافات الافق والطرق بين الجليل والنقب وغزة الخليل ويافا وحيفا وعسقلان وصفد وربوع ربوع الوطن المنسي.. الوطن الحاضر الغائب.. وطن غابت شمسه ولم تغيب...وطن على ضفة وشعبi على الضفة الاخرى...في حضرة الانتظار..في انتظار قوارب العوده..في انتظار قطار العوده.. في انتظار طلة خيلنا وعودتها الى مرابطها ..في انتظارعودة سفننا المبحره منذ عقود الى مراسيها...اما ان لها ان ترسي على شواطئ الوطن وموانئ حيفا وعكا ويافا.. اما ان لها ان تدخل مياهها وبلادها دون تأشيره ودون تصريح..مفارقة ان يطلب الانسان تأشيرة لدخول بيته وتصريح للعيش في وطنه!!
ثلاثة اعوام منذ ان حاول المغتصبون اسكات صوت نورس غزه وفتكوا بشيوخها واطفالها ونساءها وشبابها وشيبها وبيوتها..ثلاثة اعوام ضمن قرن من العدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني..تواريخ تلاحق تواريخ..النكبة.. النكسه..المخيمات...حروب تلاحق حروب. وعدوان يتذيل بعدوان اخر وتحت عنوان اخر..عناقيد الغضب.. السور الواقي.. الرصاص المصبوب..مجزرة تطارد مجزره ..من دير ياسين ومرورا بجنين وحتى غزه.. وعن ما بينهما من مجازر وتواريخ.. حدث بلا حرج.. وما زلنا في مرمى النيران وفي انتظار وابل من القنابل.. وما زلنا في مرمى اسنان الجرافات التي تجرف بيوتنا وتاريخنا وحضارتنا على طول وعرض الوطن السليب...حتى المقابر لم تسلَّم...حتى عظامنا وعظام موتانا.. الى هذا الحد..لا يريدوننا لا احياءا ولا امواتا..يجرفوننا احياءا وامواتا تحت لافتة طابو كذبة الالفي عام...باطل على باطل وجبال من الباطل هذا الجاري والحاصل في فلسطين وحوضها..فلسطين وطوقها.. فلسطين وشعبها.. وطنا ومهجرا وارضا وجوا وبحرا...كلها مجتمعه في مرمى الاحتلال والاختلال..نعم الاحتلال والاختلال الى حد منع صوت الاذان في المساجد ومنع اجراس الكنائس.. كل شئ صار جائز في هذا الزمن المقلوب.. القادم من سيبيريا واخر بقاع الدنيا صار يتحكم بالبلاد والعباد.. اهل البلاد صاروا الغرباء والغرباء صاروا اصحاب حق..نعم بكل هذه الوقاحه يقولون " بلادنا" بالرغم من ان جداول شيخوخة مُحيا ام علي وابوعلي تشير الى المنبت وتقطع الشك باليقين انهما من فلسطين وليست من سيبيريا او بروكلين!!
في لوعة هذا الواقع المر الذي يعيشه الفلسطيني وطنا ومهجرا وهذا الانتظار واللعب في طيات وساحات الوقت الضائع على اوتار الوطن المقطَّع لابد ان تكون هناك مساحة او فسحة فكريه تأمليه تتامل صلابة وقسوة هذا الواقع ألاخذ في الغرق في طيات الاستيطان والاحتلال والتيه و فقدان الامل والاخذ بالانشطار جغرافيا وديموغرافيا, والاخذ بالابتعاد عن الشاطئ نحو اعماق البحار والامواج العاتيه لابل الاخذ بالابتعاد عن قلب وجوهر فلسطين الوطن وفلسطين الحلم وفلسطين الالم وفلسطين اللوعه وفلسطين الصمود وفلسطين التي تحمل في جوف ارضها احشاء وطن اراده الاعداء ان يكون اشلاء وطن..اشلاء امل.. اشلاء انتظار...اشلاء قهر الفلسطيني في عقر بيته.. في وطنه...اشلاء اطلال يافا وحيفا واسدود والرمله واللد وصفد والقائمه الطويله من نقاط جغرافيه في وطن مهدور دمه وحجره ومكانه وتاريخه وحضارته.. ونحن ما زلنا في انتظار القادم.. القادم المجهول والقاسي... الى ان صارت القضيه مجرد راتب يقبضه موظف في رام الله او غزه...او مجرد كذبة وطن وعضو عربي في كنيست اسرائيل...يخفون حقيقته بتسمية " النائب"...او مجرد فصائل وحمائل...فصائل من كل قطر اغنيه وكل يغني على وطناه في ليلاه!.. الى ان او كاد ان نغرق في مساحة ما بين البحر والنهر وفي تفاصيل برامج الفصائل....بالمناسبه.. بالامس مرت ذكرى 15 عاما على منع مواد البناء من دخول المخيمات الفلسطينيه في لبنان وما ادراكم عن حال المخيمات المكتظه في مساحة علب سردين...مخيم بمساحة علبة سردين وممنوع من التوسع وحتى من ترميم البيوت...في انتظار الموت وسط الحياه...في انتظار الطوب والاسمنت واخر في انتظار الراتب..عالمان لا يلتقيان لابل متناقضان.. واقع رام الله وواقع مخيم عين الحلوه..عفوا واقع مخيمات برج البراجنه والرشيدية والبص والبرج الشمالي والمية ومية ...في انتظار الاعمار ..وفي انتظار العوده الى الوطن!!
في محطة الانتظار القسري...بوش..اوباما.. المحافظون الجدد..الكذابون الجدد.. هيئة امم... مفاوضات .. ثورات عربيه..عباس ..هنيه..لنكرر ونعود لتكرار المكرَّر..لا هيئة امم ولا سلطة غزه ولا سلطة رام الله ستُحرر شبرا واحدا من فلسطين او ستعيد لاجئا فلسطينيا واحدا الى دياره...انفصام وطني فلسطيني.. نعم اننا كشعب وقياده منفصمين انفصاما حادا وهنالك هوَّه كبيره بين تطلعات الشعب الفلسطيني وبين برامج ومخططات الفصائل الفلسطينيه وهنالك امر اغرب من الغريب وهو ان السُلطتين الفلسطينيتين[رام الله وغزه] المزعومتين يزعمان بانهما[ كل على حده] يمثلان تطلعات الشعب الفلسطيني... لا ..لا .. السلطتين دمَّرا الجغرافيا والتاريخ الفلسطيني جنبا الى جنب مع الاحتلال الاسرائيلي والامبرياليه الامريكيه. الواقع الفلسطيني الراهن يفرض علينا التحلي بالشجاعه والاعتراف بان.. النزاع الدائر بين الفصائل الفلسطينيه يدور على فتات وطن وليست على وطن..وماهو موجود داخل جغرافيا فلسطين اليوم هو ببساطه: فتات ارض وفتات شعب[ تفتيت وتشتيت الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينيه]... عباس يُغني في رام الله وهنيه يغني في غزه.. اعراس فصائليه على جغرافيا وديموغرافيا مفتته ومشتتهّ داخل فلسطين المحتله....في انتظار عرس الوطن بمشاركة الشعب...أتراح وافراح..عرس ومأتم..مأتم في زمن الربيع العربي..شعب الثورات والانتفاضات لايشارك في الثورات!!
الانتظار ومن ثم الانتظار...نحن ما زلنا في انتظار اعمار قطاع غزه المدمر منذ العام 2008..في انتظار اعمار الاف البيوت التي دمرها العدوان الاسرائيلي..الانتظار..ويا لها من مفارقه حزينه.. وهي ان مخيمات لبنان ايضا في انتظار الاعمار.. في انتظار الطوب والاسمنت والحجاره في قطاع غزه وفي مخيمات لبنان.. في انتظار رفع الظلم عن القدس والاقصى..في انتظار وقف الاستيطان في الضفه..في انتظار وقف التهويد في الجليل والنقب..في انتظار رفع الحصار عن قطاع غزه... والسخريه المبكيه اننا في انتظار دولة عباس الكرتونيه..دوله على ورق من هيئة الامم...في انتظار الادانات والشجب.. نشجب وندين والجرافات الاسرائيليه تواصل غرس اسنانها في لحمنا الجغرافي والديموغرافي..جرافات تجرفنا وطائرات تقصفنا... والانتظار يطارد الانتظار.. لوعة الانتظار الطويل!!
مع كل هذا ورغم طيل لوعة الانتظار واستمرار نزيف الجرح الفلسطيني انسانيا ووطنيا, الا انه من واجبنا الوطني والاخلاقي ان نزرع الامل على ضفاف وشواطئ الجرح الفلسطيني في كل قرية ومدينه ومخيم وفي وجدان كل طفل فلسطيني..طال الزمن ام قصر.. بنى الاحتلال الاسرائيلي ابراجا ام لم يبني.. الشعب الفلسطيني شعب باقي وسيبقى حيا وعُود نار حي وباقي طال الاحتلال ام قصر.. طال وجود سلطات اوسلو ام قصر وعليه ترتب القول:: كل عام وانتم بالف خير ومن زائد الى زائد في العدد والعده..سلام عليك وعليكي وعليكم جميعا في الوطن والمهجر والقدس والمخيم والقريه والمدينه,,,,سلام عليكم في السهل والجبل والساحل والصحراء..سلام عليكم اينما كنتم وتواجدتم وطنا ومهجرا في زمن الشدة الشديده وزمن فقدنا او كدنا نفقد فيه بوصلة اتجاه الوطن والوطنيه الفلسطينيه, وزمن نسينا فيه اعداءنا وجلادينا واستدرنا الى الجسد الفلسطيني نجلده وننهشه في ام المعارك الفصائليه والعبثيه وزمن العدمية الفلسطينيه..هذه الغيوم العابره ستنجلي من خلال وعبر الصبر الفلسطيني ,والكمْش على الحق حتى لو كان كمشا على الجمر هو مفتاح الفرج والنصر.. فلسطين : في حضرة لوعة الانتظار الطويل...لكن هذا الانتظار ليس اخر المسار.. والحكايه لها نهايه..نهاية هذا الانتظار الطويل..في العام 1966 كتب الشاعر الفلسطيني المرحوم توفيق زياد قصيدة السُكَرُ المُر.. قال فيها:
أجيبيني !!
أنادي جرحك المملوء ملحاً يا فلسطيني !
أناديه وأصرخُ :
ذوِّبيني فيه .. صبّيني
أنا ابنك ! خلّفتني ها هنا المأساةُ ،
عنقاً تحت سكين .
أعيش على حفيف الشوقِ ..
في غابات زيتوني .
وأكتب للصعاليك القصائد سكّراً مُرّاً ،
وأكتب للمساكين .
وأغمس ريشتي ، في قلب قلبي ،
في شراييني .
وآكل حائط الفولاذ ..
أشرب ريح تشرين .
وأدمي وجه مغتصبي
بشعرٍ كالسكاكين .
وإن كسر الردى ظهري ،
وضعت مكانه صوّانة ،
من صخر حطين .. !!