بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 25.06.2012
لم تستطع الدول الغربية أن تخفي وقاحتها بخصوص إسقاط الطائرة التركية من قبل القوات السورية، ووصفت سوريا بأبشع الأوصاف، وهددتها بالعديد من العبارات، وما زالت في طور البحث عن الرد المناسب لما حصل. أما تركيا فلا تأتي على ذكر تدخلها المباشر بالشؤون الداخلية السورية، وتواصل الهجوم الإعلامي والديبلوماسي على سوريا على اعتبار أنها قامت بعدوان سافر على طائرة تركية.
إذا تركنا الصراع الدائر بين النظام السوري ومعارضيه جانبا، فإنه لا يمكن القبول بالتدخل الخارجي بالشؤون السورية سواء من قبل الدول المؤيدة له أو المعادية. وهذا مبدأ دولي تقبله الدول نظريا على الأقل، وتقبله الدول الغربية وتردده على مسامع العالم. وكم من الضجة أقامتها الدول الغربية وعلى مدى سنوات طويلة ضد الوجود السوري العسكري في لبنان. إذا كان هناك اعتراف بما يسمى بالشرعية الدولية فإن على كل المؤمنين بها الالتزام بقواعدها وبخاصة عدم التدخل بشؤون الآخرين. ومن الأجدى للولايات المتحدة بصورة خاصة أن تتعلم كيف تلتزم بما تنادي به دائما.
تركيا تتدخل بالشؤون السورية الداخلية، كما تتدخل دول عربية وأجنبية وذلك من خلال فتح الحدود وتهريب السلاح والأموال وتقديم المعلومات الاستخبارية والأمنية، وبتدخلها هذا أطالت أمد الأزمة في سوريا. فبدل أن يكون هناك انتقال تدريجي نحو نظام سياسي حر، تشهد سوريا الآن تدميرا متواصلا يدفع ثمنه كل السوريين، ويفرح له الصهاينة ومن دان لهم بالتحالف والولاء من عرب وفرنجة ومسلمين. وبالرغم من هذا التدخل المدمر والمستمر، لم يرتفع صوت غربي واحد يدعو إلى ترك السوريين يقتتلون أو يتصالحون فيما بينهم كيفما يرون مناسبا دون تدخل. فكيف لا يكون التدخل السافر عدوانا بينما يكون إسقاط طائرة اخترقت المجال الجوي السوري عدوانا؟
يقول وزير خارجية تركيا إن الطائرة أُسقطت في المجال الجوي الدولي وليس داخل المجال الجوي السوري. ويقول إن الطائرة كانت تطير على بعد 13 ميلا بحريا من الشواطئ السورية، بينما سقط حطامها على بعد ثمانية أميال من الشواطئ. وهذا استهتار بعقول السامعين. الطائرة من نوع F4 وهي من النوع الثقيل. إنها ليست طائرة ورقية أو هوائية او منطادا، وإنما من النوع المقوى الذي لا تذروه الرياح بسهولة. والطائرة حربية وليست استطلاعية، لكن ربما لم تكن تحمل معدات قتالية.
كانت تطير الطائرة على ارتفاع منخفض، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنقلها الرياح من بعد 13 ميلا إلى بعد ثمانية اميال ضمن الارتفاع المنخفض، بخاصة أن أجزاء الطائرة ثقيلة وتهوي بسرعة بفعل الجاذبية. وهذا أمر متروك للفيزيائيين ليحكموا علميا على الادعاء التركي. يعترف الجانب التركي أن الطائرة دخلت المجال الجوي السوري لمدة قصيرة، لكنه يقول إن هذا لا يشكل مبررا لإسقاط الطائرة. لكن من المهم أن يتذكر الجانب التركي أنه وجه تحذيرات عدة لسوريا لأن بعض الرصاص السوري سقط في الأراضي التركية نتيجة الاشتباكات الداخلية في سوريا. أيهما أخطر، انتهاك طائرة للمجال الجوي، أم اختراق رصاصات للحدود؟
تقديري أن الطائرة كانت تقوم بعملية جس نبض لرد الفعل السوري لدخولها المجال الجوي، ولم يكن هذا عملا تركيا محضا وإنما كان بتنسيق مع قيادة حلف الأطلسي. حتى الآن لم يستطع الأطلسي التدخل بسبب تخوفه من القدرات الدفاعية الجوية السورية، وربما أراد أن يتأكد عمليا ليساعده ذلك في اتخاذ قرار بشأن التدخل العسكري. والقول التركي بأن الطائرة كانت تطير ضمن عملية اختبارية لرادارات تركية لا تؤيده المتطلبات العلمية إذ أن فحص الرادار لا يتطلب مثل هذه المسافة العميقة في البحر الأبيض المتوسط وبالقرب من الشواطئ السورية. البحر الأبيض واسع جدا وعميق، والمجال رحب أمام الفحوصات في المجالات الجوية الدولية التي لا تترك ثغرة للشك.
وما يدحض الادعاء التركي بصورة قاطعة أن تركيا تسلمت الحطام من سوريا بمحضر رسمي.
كعرب، نحن نختلف حول الوضع في سوريا، لكن علينا ألا نختلف بشأن التدخل الخارجي بالشؤون السورية.