بقلم : د. مهند العزاوي* ... 10.09.2011
تؤكد الحقائق ان غزو العراق خطيئة استراتيجية كبرى ارتكبها بوش وادارته الشركاتية, وقد اسهم في انزلاق العالم الى الفوضى السياسية المسلحة والانهيار الاقتصادي المتعدد الازمات , وتشهد دول العالم ردود افعال شعبية رافضة وساخطة على حكومات شكلية فارغة (مدرسة شيكاغو) مهامها الاساسية تحويل المال العام الى الشركات وترك الشعوب في محطات البؤس والمجاعة والفاقة والتهجير, ولعل العراقأنموذجا لهذه المدرسة الجشعة الفاشلة , وكي لا يستمر التضليل الاعلامي والارهاب الفكري من قبل ممارسي "العملية السياسية فوبيا"لابد للشعب العراقي ان يعلم انالعملية السياسية ((وسيلة وليست غاية)) يقتل من اجلها نصف الشعب العراقي قربان لأشخاص وعوائل وشركات, وان العمل السياسي هو ترجمة فكرية وتنفيذية تؤطر بنظريات سياسية وقوانينلتلبيارادة الشعب وتطلعاته.
تؤكد النظريات الحربية السياسية ان كل عمل عسكري هو فرض ارادة سياسية بالقوة, وعندها يتفق القادة السياسيين والعسكرين على تامين الغاية النهائية من الحرب وتحقيق"السيطرة الثابتة المستقرة", ويتم ذلك عبر احتلال بقوات عسكرية كصفحة اولى وتغيير البنى السياسية واستبدالها بأدوات سياسية جاهلة بالتزامن مع انشاء منظومة قوانين وافدة وغير متجانسة تشرعن من خلالها ارهاب القوة(استخدام القوة اللاشرعي) والارهاب السياسي(بطش السلطة) لتحقيق صدمة المجتمع, والتي من خلالها يجري تمرير المخططات الرامية لتفكيك البلد وزرع الفتنة والاحتراب , وتحويل الحرب بين المحتل والشعب الى الحرب بين السلطة والشعب , وهذا ما يطلق عليه السيطرة الثابتة والتي تؤمن القيادة الذكية او الوجود الذكي كما اسماها "كريستوفر هيل" السفير الامريكي السابق اثناء شهادته في الكونغرس الامريكيواسماه "الوجود الامريكي الذكي" اي التحكم عن بعد بالمشهد العراقي.
يعاني العراق اليوم انهيار سياسي شامل وارتداد ايديولوجي متشظي يطال جميع نواحي الحياة , ويلقي بظلاله على حرية المجتمع ومؤسساته المدنية , وقد اسس لدولة فاشلة فاسدة وسلطة مليشياوية تمارس الارهاب السياسي ضد شعبها , وتنتهك الصكوك الدولية والقوانين الوطنية, ناهيك عن مافياالفساد والفوضى المسلحة التي تعم العراق داخل المؤسسات الحكومية وخارجها , واضحى العراق كيان ممزق تنهش به دول عابثة تمارس التجريف الجيوبوليتيكي لتحرم العراق مكانته وقدرته الكامنة سعيا لتفكيك العراق وازالته من خارطة التأثير السياسي ضمن ما نطلق عليه "حروب الازاحة العربية" والتي تمارس ضد المحاور الجيوسياسية العربية اليوم لتفكيك خارطة الصراع العربي الاسرائيلي واعادة رسمها عن بعد وبشكل متصدع وهش في ظل تعاظم القدرة الاقليمية التي تمارس الوصاية على الدول العربية عبر مسميات مختلفة.
يعاني العراق من رواسب سياسية مختلفة وقد فشلت الاحزاب التاريخية في تطبيق نظرياتها وبرامجها السياسية , وقد شهدنا تجارب الضباط الاحرار والشيوعيين والبعثين والدعوة والصدرين والاحزاب الكردية جميعها وقفت في محطة السلطة والمغانم الفردية والمناصب والثراء الغير شرعي , وذهبت حواشيهم لتعظيم الفرد على حساب الشعب والدولة ,وسرعان ما تكون نظرية المؤامرة حاضرة والتخوين جاهز لكل فكر وارادة وطنية ترفض منهجيتهم,وبذلك تعددت الالقاب والتسميات وتحولت من الاحزاب الثورية الى الاحزاب العائلية, ونحرتبرامجها ونظرياتها السياسية, وهذا ما يحصل اليوم في العراق حيث تحتكر السلطة وتمارس الارهاب السياسي , وتشرعن الفساد ونهب المال العام بل وتنتهك بشكل صارخ حقوق الانسان عبر القتل خارج القانون واسترخاص الدماء العراقية , مما يدل عن انحراف ايديولوجي وارتداد فكري يؤكد ان ما انتجه الاحتلال من ركائز طائفية وعرقية سياسية اودت بالعراق الى الهاوية وجميع الحقائق تشير الى ذلك.
لابد ان يفهم ممارسي التكفير السياسي والطائفي والمهني ان الارتداد الأيديولوجي هو منصة متقدمة لتفكيك العراق وتمزيق لحمة شعبه والغاء هويته الجامعة , وان الارهاب السياسي والفكري الذي تمارسه السلطة والمليشيات التنظيمات المسلحة مجسداباغتيال الصحفيين والشخصيات والنخب والكفاءات الوطنية وقمع الارادة الشعبية لا يثني ارادة الشعب وتطلعاته نحو مستقبل افضل,وهناك سؤال يطرح نفسه ما هي القيم الوطنية التي ارستها احزاب العملية السياسية وماهي النتائج التي حققتها لوحدة وسلامة العراق ورخاء شعبه وارتقاء مكانته السياسية الدولية والاقليمية وشعب العراق يرزح تحت نظام الغاب وتجسد بالتهجير المليوني والقتل خارج لقانون والاعتقالات الكيدية الطائفية وتسيس القضاء وانتشار الجوع والبطالة والفاقة والعوز والامن المفقود والاستئثار العائلي بالسلطةوالفساد, لن يطول البؤس السياسي الذي يشهده العراق فان ارادة التغيير قادمة لاستعادة الكيان العراقي , كون الوعي الشعبي والنخبي قد تحرر من رواسب الماضي وقد غادر منصة الارهاب السياسي والفكري ويتجه الى دولة المواطنة العراقية وليس هذا ببعيد فان الصبح قريب بأذن الله .