بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 02.02.2012
حسب العرفين القومي العربي والإسلامي الملتزم بوسطية الإسلام، اللعنة السياسية تحل على كل جهة أو شخص يتلقى ثناء أو مديحا أو دعما من أي نوع كان من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أو/و إسرائيل أو/و الأنظمة العربية. فما بالك إذا اجتمعت هذه الأطراف معا على مديح جهة معينة ودعمها؟ قال جمال عبد الناصر ذات يوم إنه يسير في الطريق الصحيح إذا انتقدته أمريكا، ويعرف إنه يسير في الطريق الخاطئ إذا امتدحته. وبالأمس قال السيد حسن نصر الله إنه مرتاح ومطمئن لأن الأمين العام للأمم المتحدة الذي ينطق وفق الإرادة الأمريكية قلق بشأن وجود سلاح تنظيمات في لبنان.
لا تنطبق القاعدة أعلاه بالمطلق، لكنها موجودة وحية في عقول وقلوب القوميين والإسلاميين، وإجمالا في قلوب وعقول عامة الناس. وقد خبر الناس في الوطن العربي أن أمريكا وإسرائيل لا تمتدحان إلا من يخدم مصالحهما والتي تتناقض مع مصالح الأمة العربية. إسرائيل وأمريكا تمتدحان الأنظمة العربية التي تنفذ سياسات الغرب، وتأتمر بأمر الدول الغربية، لكنهما تعملان على خنق الأنظمة التي لا تسير في الثلم حتى لو كانت استبدادية. وفي كل الأحوال، دعمت الدولتان الاستبداد العربي سواء من قبل الأنظمة المطيعة أو العاصية، ودعمتا تبديد الأموال العربية لأن في ذلك ضعف الأمة وهوانها وبقاءها تحت سطوة الآخرين.
مديح الأنظمة العربية الاستبدادية يأتي أيضا على الجهة أو الشخص بالمغيبة والذم، ويكفي أن يصبح المرء وزيرا أو صاحب منصب رفيع لدى أي نظام عربي لتتشوه صورته. انقسمت الأنظمة العربية إلى قسمين بهذا الخصوص: قسم والى أمريكا وإسرائيل، وآخر تمرد على أمريكا وإسرائيل ولو لفظيا. لكن كل الأنظمة بقيت عبارة عن أوكار سوء بالنسبة للعربي بسبب القمع والاستبداد والظلم ونهب الثروات. لا فرق بين نظام يوالي إسرائيل وحلفاءها وآخر لا يواليها إلا لدى فئة صغيرة متحزبة ومستفيدة من النظام. وحسب تقديري، يمكن أن تصل هذه الفئة إلى حوالي 10%، معتمدا في ذلك على مجمل استطلاعات تقوم بها قنوات فضائية عدة حول عدد من القضايا. لاحظت أن نسبة الذين يقفون مع الأنظمة سواء كانت من جماعة إسرائيل أو من غير جماعة إسرائيل يقاربون هذه النسبة.
لم تُعْف النظرة هذه تجاه من ترضى عنهم أمريكا وإسرائيل والأنظمة العربية الأنظمة العربية في طور التبلور. فمثلا يحتاج النظام الليبي الجديد إلى سنوات لكي تتضح صورته حيث أن نسبة لا بأس بها من العرب تنظر إليه على أنه نظام أمريكي أطلسي، وسينتهي به الأمر إلى دعم إسرائيل، وهم ينظرون إليه على أنه صنيعة حلف شمال الأطلسي بقيادة أمريكا. أما الإسلاميون في مصر فيتعرضون الآن للكثير من اللغط بسبب تجاوبهم مع الغزل الأمريكي، وبسبب تصريحات حول قبولهم باتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل.
المعارضة السورية
منذ البدء، تعرضت المعارضة السورية، أو حركة الشارع السوري إلى الكثير من الأذى والإساءة بسبب سرعة أمريكا ومن والاها في تأييدها وحشد الدعم العربي والعالمي لها. كانت أمريكا متعقلة جدا في تصريحاتها بالنسبة لتونس ومصر، وتساوقت مع حركة التاريخ، لكنها لم تكن متعقلة بتاتا بخصوص سوريا، وكأنها كانت متعطشة لثورة ما في سوريا تأتي بنظام جديد يمكن أن يتعاطى مع سياساتها بخصوص إسرائيل، وإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة العربية الإسلامية. أكثرت أمريكا من التصريحات ضد النظام السوري، ودعته مرارا إلى حل نفسه، وبشرت كثيرا بقرب سقوطه، ووجهت وسائل إعلام كثيرة للتركيز على حركة التغيير السورية، الخ. لكن إسرائيل التزمت بالتوصية المستمرة منذ الهجوم على العراق عام 2003، والتي تدعوها إلى النأي بنفسها من الناحية الرسمية عن ذم أنظمة عربية حتى لا تتحسن صور هذه الأنظمة أمام العرب.
هذا بحد ذاته كان عاملا أساسيا في جلب الدعم النظام وإضعاف المقاومة. شكلت الهجمة الغربية بقيادة الولايات المتحدة والهجمة الإعلامية الإسرائيلية نوعا من القوة العكسية ضد المعارضة السورية من حيث أن عددا من السوريين المعارضين للنظام فضلوا الصمت على تغيير سياسي يلبي التطلعات الأجنبية. هم ليسوا مع النظام، ويرغبون بتغيير النظام، لكنهم يترددون، ومن المممكن أن ينقلبوا، إذا كان التغيير لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.
هذا صحيح أيضا بالنسبة لساحة المثقفين والمفكرين العرب الذين يؤثرون بصورة فعالة في المشهد السوري، وأي مشهد عربي آخر. الغالبية الساحقة من مثقفي العرب ومفكريهم مع التغيير، ومع حرية المواطن العربي، ووحدة العرب وتقدمهم في مختلف المجالات، لكن العديد منهم ليس لديه الاستعداد لتبني تغيير قد تستفيد منه الولايات المتحدة وإسرائيل. ولهؤلاء درس واضح في العراق الذي نزف دما مدرارا بسبب تدخل الولايات المتحدة ومحاولاتها السيطرة على العراق وتحويلها إلى مستعمرة. وكما قال لي أحدهم: "إذا كان في تغيير النظام السوري فائدة لأمريكا، فأنا لا أريد التغيير. فكل ما يفيد أمريكا يضرني، وكل ما يضر أمريكا يفيدني." ربما في هذا مغالاة، لكنه يعبر عن آراء العديد من المثقفين العرب.
وصل التأييد الغربي بخاصة الفرنساوي والأمريكي حد الهوس والجنون، ولم تتخلف تركيا عن المغالاة في الضغط الإعلامي والتهديد والوعيد. ولم تكن واشنطون حذرة بتاتا عندما دعت إلى حمل السلاح في وجه النظام السوري.
قوة النظام وتطلعات المعارضة
يتمتع النظام السوري بعدد من نقاط القوة لم تأخذها المعارضة كما يبدو بالحسبان، ويمكن إجمالها فيما يلي:
1- يمتلك النظام قوة عسكرية ضخمة، ومن ضمنها أسلحة هجومية فتاكة سواء على مستوى بر-بر، أو بر-جو، أو بر-بحر. هذه أسلحة كفيلة بدفع الدول إلى التفكير مرارا قبل مهاجمة سوريا، وهي تعي تماما أن القوة العسكرية المطلوبة ضد النظام السوري تختلف عن تلك التي تم حشدها ضد القذافي.
2- حقق النظام السوري اكتفاء ذاتيا في العديد من المتطلبات الغذائية وعلى رأسها القمح، وهو يستطيع تدبير الأمور المعيشية للناس بشكل أو بآخر بأقل الأضرار الممكنة الناجمة عن الحصار.
3- يتمتع النظام بقاعدة شعبية أفضل مما تتمتع بعه أنظمة عربية مشابهة لسببين: هناك بعد مذهبي وآخر قومي.
4- للنظام السوري مؤيدون كثر على الساحة الدولية بخاصة روسيا والصين وإيران، وهي دول لا يبدو أنها ترغب في مهادنة طلبات الدول الغربية أو الخضوع لضغوطها. ويبدو أن النظام غير مكترث بالأعباء المالية المترتبة على طول أمد الأزمة لأن هذه الدول أو بعضها تمد له يد العون.
ولهذا لاحظنا التالي:
أ- خففت تركيا من حدة صوتها ضد سوريا، ولا يظهر أنها باتت متحمسة لإنشاء منطقة عسكرية عازلة.
ب- أعلن حلف الأطلسي أنه لم يخطط للهجوم على سوريا.
ت- لم تندفع الولايات المتحدة للتلويح بضربات عسكرية، واكتفت بتحريض الذين يحملون السلاح على استخدامه.
ث- اكتفت الدول الغربية وإسرائيل بتمويل بعض الجهات المسلحة السورية وتهريب بعض الأسلحة لها من خلال الحدود الافتراضية بين سوريا وكل من تركيا والأردن ولبنان والعراق. ووفق التقارير، تنشط فئات لبنانية على خصام مع النظام السوري في تهريب السلاح.
الناحية العسكرية
يصعب لأي دولة أن تتبنى المعارضة السورية عسكريا لسببين وهما:
1- يستطيع الجيش السوري إلحاق خسائر فادحة في أي قوة عسكرية تتدخل مباشرة.
2- إيران ستتدخل إذا شعرت أن النظام السوري على وشك السقوط.
3- من المحتمل خلق أزمة كبيرة على مستوى المنطقة إذا تمت مهاجمة إسرائيل من قبل إيران وحزب الله.
أقصى ما يمكن تقديمه من الناحية العسكرية للمعارضة السورية يتمثل في تدريب أفراد وتنظيمهم وتسليحهم وتمويلهم، وتركهم وشأنهم في مواجهة النظام السوري. تستطيع دول عديدة تهريب السلاح إلى سوريا، وإقامة معسكرات تدريب وتنظيم. ومثل هذا الوضع لا يعمل لصالح المعارضة على المدى الطويل بسبب قوة النظام العسكرية والإمداد الذي يمكن أن يحصل عليه من روسيا وإيران. هذا إلا إذا حصلت انشقاقات كبيرة في الجيش على مستوى فرق أو ألوية مؤللة.
الجامعة العربية
لا تشكل الجامعة العربية ملجأ لأحد، فهذه ليست جامعة الشعوب، وإنما جامعة الأنظمة. الجامعة العربية عبارة عن جسم شبه ميت، وهي أعجز من أن تحل أي مشكلة عربية مهما صغرت. أنظمة الجامعة العربية لها روزنامات متباينة ولا علاقة لها بمصالح المواطن العربي وكرامته وحريته إلا بقدر ما لها علاقة بمصالح الأنظمة. ولولا أن الغرب قد ضغط على أنظمة العرب لما استطاعت الجامعة صناعة برنامج أو بروتوكول لمواجهة الأزمة في سوريا. وبالرغم من ذلك، لن تحقق الجامعة العربية شيئا، وسيثبت هذا للسوريين كما ثبت للفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين والسودانيين، الخ. ولهذا تهدر المعارضة السورية وقتها في التعامل مع هذه الجامعة.
مجلس الأمن
ليس من المتوقع أن يتخذ مجلس الأمن قرارا صارما في مواجهة النظام السوري. أما إن اتخذ فإنه لن يقوم بخوض حرب ضد النظام بالنيابة عن الشعب السوري. ودول المجموعة الغربية بقيادة أمريكا ستستخدم القرار لاستنزاف الشعب السوري والنظام على حد سواء. وهنا أذكر بإحدى الدراسات الاستراتيجية الإسرائيلية التي قالت إن الشعب السوري يشكل أكبر خطر مستقبلي على إسرائيل. المعنى أن إسرائيل ومن معها لا يمكن أن يكونوا إلى جانب الشعب السوري، وإنما يستخدمون الأحداث لإنهاك سوريا.
المحصلة
هناك من المعارضة السورية من ظن أن أمريكا ستلقي له حبل الخلاص، فتورط. أمريكا ليست هي الدولة التي يتم الاستنجاد بها لصالح شعب عربي، وربما بات واضحا للدكتور برهان غليون أن عليه ألا يضحي بالمقاومة العربية من أجل استدرار العطف الأمريكي. لقد دفع الشعب السوري حتى الآن ثمنا كبيرا جدا بسبب التدخل الخارجي وبسبب سوء تصرف كل الأطراف الداخلية وعلى رأسها النظام نفسه، ومن المجدي أن تعيد كل الأطراف حساباتها وتبحث عن حلول داخلية بدل هذا السجال القتالي الدامي. ففي النهاية الخاسر هو الوطن والشعب. وكما نشاهد، القتل والدمار في سوريا يتصاعدان يوما بعد يوم. لا النظام لديه الاستعداد للاستسلام، ولديه من يدعمه، ولا المعارضة لديها استعداد لإلقاء السلاح ولديها من يدعمها. وغدا سننظر إلى سوريا لتنهمر دموعنا على ما سنراه من خراب.
أتفق مع أحد المفكرين العرب الذي دعا الأطراف السورية للاحتكام إلى مجموعة من المثقفين والمفكرين العرب للبحث عن حل يحقق للشعب السوري الحرية والعدالة. وأقترح الرئيس أحمد بن بيلا، والدكتور عبد الله القبيسي، والدكتور نبيل البشناق، والشيخ الدكتور حسن الترابي، والدكتور منذر سليمان، والأستاذ سليم الحص، والدكتور محمد سعيد إدريس، والدكتور محمد المسفر.