بقلم : رشاد أبوشاور ... 1.11.07
نبدأ بما يضحككم، ويدخل بعض السرور إلي نفوسكم المثقلة بكّل ما يغّم البال من الأخبار السيئة اليوميّة، والتي هي قتل في غزّة، وقتل واعتقالات في الضفّة.
كبير المفاوضين الفلسطينيين ـ هذا اللقب ليس منّي أنا، ولا منكم، ولكن الفضائيات تردده حتي بات جزءا أصيلاً من اسم صاحبه ـ الدكتور صائب عريقات، التقي في (البيرة)، ملبيّا دعوة (هيئة التوجيه السياسي)، وقد بشّر في ذلك اللقاء مستمعيه، وشعبنا الفلسطيني، بما يثلج الصدور. بشارته: دائرة شؤون المفاوضات التي يترأسها أعدّت نفسها خلال السنوات الأربع الماضية بشكل يعتز به، وبشكل (مدرسة تفاوضيّة) هي الافضل في الشرق الوسط من حيث القدرات، والإمكانات التي يتمتّع بها الكادر العامل فيها: لدينا 36 شابا وشابة فلسطينيون من أصحاب الخبرات، والقدرات، ومن مختلف أنحاء العالم. هل سرّكم هذا الكلام، وأبهجكم، بحيث إنكم ستنامون قريري العيون أيها الفلسطينيون حيثما كنتم في العالم..علي نتائج المفاوضات القادمة في (أنابوليس) ؟! الفريق المعد بجهود وخبرات المفاوض المخضرم ـ المعزّز بنتائج (أوسلو) و(طابا) و(القاهرة)، وتحويل مدينة الخليل أشلاءً ـ هو من أشرف علي اعداد منتخب الشباب والشابات الذي يستعّد لخوض منازلات جولة مؤتمر الخريف في واشنطن، بحلّته الجديدة، وبرعاية مدربّه الخبير، والذي سيدوّخ مفاوضيه الأميركان والصهاينة بليونته، وسرعة تحرّكه، واستجابته لمتطلبات جولات التفاوض.
كبير المفاوضين فخور بمنتخب الشباب والشابات، والذين جمعهم من تجمعات الفلسطينيين في كّل أنحاء العالم، ولكن هذا لا يعني (تجميع) أهلهم علي أرضهم وفقا لحّق العودة! لست أدري إذا كانت أكاديميّة التفاوض التي يديرها كبير المفاوضين ستنجح في استقطاب (متدربين) من الشرق الأوسط. انظروا كيف يدير جيراننا الأتراك مفاوضاتهم مع (كّل) الأطراف في أزمتهم مع (حزب العمال)، وكيف يفاوض الإيرانيون في معركة امتلاكهم للتقنيات النووية. الدكتور صائب يبشّرنا بمنتخبه (الأولمبي) الجديد، والذي، من كلامه، يبدو وكأنه منتخب كرة سلّة، أو كرة يدّ، وليس منتخب كرة قدم. كيف استنتجت هذا الأمر ؟!
إذا ما تأملتم خارطة انتشار المستعمرات الصهيونيّة في الضفّة، والتي تفشّت بعد (أوسلو) أي بعد مسيرة السلام، لن تحتاجوا لوقت طويل حتي تقولوا لأنفسكم : وعلي ماذا سيتفاوض الشباب والشابات الفلسطينيون، في حين لم يبق من الأرض ما يكفي لإنشاء ملعب كرة قدم بالمقاييس الدوليّة للفيفا ؟! الخبرات (النظريّة) التي تلقنها الشباب والشابات يسقطها الواقع، فهم إن توجهوا من رام الله إلي القدس، ستصدمهم الكتّل الاستيطانيّة، وتكفيهم نظرة سريعة عن بعد إلي (معاليه أدوميم) التي باتت مدينة تخنق القدس ببركات مفاوضي الأكاديميّة الفلسطينيّة المفخرة في الشرق الوسط الجديد!.. وماذا إذا اتجهوا إلي نابلس، وجنين، وطولكرم و..يا عيني إذا فكّروا في الذهاب إلي بيت لحم!. ضعوا أماكم الخارطة، واستنتجوا : هل المفاوضون الشباب والشابات سيتوصلون مع المفاوض الأمريكي الصهيوني إلي فكفكة المستوطنات التي زرعت علي أراضي الـ67، أم سيّتم التنازل انطلاقا من (الواقعيّة) والقبول بأراض قاحلة علي حدود صحراء سيناء ؟! هل الشباب والشابات، الذين يتقنون لغات أجنبيّة، أهمها الإنكليزيّة ـ الأمريكيّة، لزوم التحادث مع المفاوضين الأمريكان والصهاينة، سيفحمون مفاوضيهم بحججهم المنطقيّة العقلانيّة، ويدفعونهم للاعتراف بحقوق شعبنا، والجنوح للسلام ؟! المفاوض الفلسطيني ما ذهب للتفاوض إلاّ وعاد وقد نقصت الأرض الفلسطينيّة، وازداد عدد الشهداء، والجرحي، والأسري، والبيوت المهدّمة، لأن التفاوض ليس (طّق حنك)، وشطارة في الكلام وسوق الحجج.
مدرسة التفاوض هذه التي يباهي بها كبير المفاوضين هي مثل مدرسة الأخلاق الحميدة : لم ينجح أحد و..لن ينجح أحد، فالتفاوض ينجح فقط عندما يكون باللهجة الفلسطينيّة، وهي من صلب العربيّة، لا الشرق أوسطيّة، وهي نابعة من الأرض الفلسطينيّة الشقيّة المجرّحة، ومن خبرات شعبنا، وعناده في التشبّث بحقوقه مهما عتّي أعداؤه. مدرسة تفاوضيّة، وبقدرات وإمكانات ؟!
قدرات ماذا، وإمكانات ماذا يا رجل!
مع بوش، وكونداليسا، وأولمرت، وباراك، وليبرمان، ونتنياهو، وبيريس.. وبقيّة القتلة : هل تنفع لغة شاباتنا وشبابنا الإنكليزيّة المتقنة؟ّ! ليس غير اللهجة الفلسطينيّة التي أدهشت العالم بمعجزاتها المبتكرة، والتي هي حتي لا تنسوا : من صلب اللغة العربيّة..لغتنا، ولغة أرضنا: الأرض التي تتوجّع، وتصرخ بالعربيّة. والتي قاوم أهلها بكّل ما ملكته أيديهم.
أنتم تتفاوضون بالإنكليزيّة الفصحي، وكأنكم منتخب هواة مبسوط علي نفسه في تقديم عرض مسرحي علي خشبة ليست له، لجمهور لا يأخذه علي محمّل الجّد..والله يا دكتور : لو أن أبوعبد الله وأم عبد الله ـ أمّد الله في عمريهما ـ فاوضا نيابة عن شعبنا، لما آلت أمورنا إلي ما نحن فيه، لأنهما من مدرسة لا صلة لمدرستكم بها! بمناسبة الذكري الستين للنكبة: تمّ تكليف المفاوض ياسر عبد ربّه بترّؤس لجنة (النكبة)!. كثيرون اعترضوا، لارتباط اسم عبد ربّه بوثيقة (جنيف) التي تمّ التنازل فيها عن (حّق العودة). تري هل يعتبره الدكتور عريقات من أساتذة مدرسة التفاوض، أو إنه يرفض أن يشاركه أحد من زملائه (مجد) المدرسة التفاوضيّة التي هي درّة مدارس التفاوض في الشرق الأوسط ؟!.
الخائفون!
ما أن يعلن عن لقاء بين عدد من الفلسطينيين، حتي يصاب أولئك القوم بالذعر، ويطلقون التصريحات الاتهاميّة لمن يرفعون أصواتهم بشأن قضيتهم.
في بيروت، قبل خمسة أشهر، التقينا في مؤتمر العودة، فتلقينا هجمات صحفية، وبيانات تنديد، بل وكان المخطط أن تندفع حشود من المخيمات ـ تصوروا ؟! ـ إلي الفندق الذي ينعقد فيه المؤتمر في شارع الحمرا..للتنديد بالمتآمرين علي المنظمة، والوحدة الوطنيّة!
من التوجهات التي اتخذها مؤتمرنا: الدعوة للقاء شعبي فلسطيني موسّع يعقد في أي بلد يتيح لشعبنا حرية التعبير عن تطلعاته. المؤتمر الوطني سينعقد في دمشق بين 7 و9 تشرين الثاني، بحضور عشرات الشخصيات الفلسطينيّة المتميّزة، المعروفة بصدقيتها، ونزاهتها، ونظافتها، وبولائها لفلسطيني وعروبتها، يتعرّض لحملة من (الخائفين) الفاشلين الذين سيواصلون رحلتهم الأوسلويّة إلي (أنابوليس).
الذاهبون إلي مؤتمر الخريف في خريفهم، اصفرّت وجوههم هلعا من التحركات الشعبيّة الفلسطينيّة، والمؤتمرات، والكتابات، والنداءات، الرافضة للتنازل عن حّق العودة، الداعية لحوار وطني يشمل الجميع، ويعيد توحيد الصّف، رافضا تواصل الصراع بين المتصارعين علي سلطة الوهم، مع رفض الانحياز لأي طرف لان فلسطين أكبر من كّل الأطراف! الذين سيحضرون يرفضون (أوسلو)، ولن يسمحوا لأي طرف أن يتصدّر المؤتمر، وهم لم يعرف عنهم التبعيّة لأي نظام عربي. تأملوا أسماءهم، وتابعوا نتائج مؤتمرهم واحكموا علي مقرراته وتوجهاته الوطنيّة!