بقلم : رشاد أبوشاور ... 15.02.2012
الملك عبد الله، ملك السعودية، أبدى أسفه على حال الأمم المتحدة بعد الفيتو المزدوج، الروسي والصيني، إذ قال: الثقة بالأمم المتحدة اهتزت بعد الفيتو الروسي والصيني!
هذا يعني أن الثقة بالأمم المتحدة كانت راسخة ووطيدة، للدور الذي تقوم به عالميا في فض النزاعات، ونشر السلام بين الأمم، وإنصاف الشعوب المضطهدة، ومساندتها في نيل حريتها من ظالميها وناهبي خيراتها.
قبل الفيتو المزدوج الروسي والصيني كان العالم مبهجا، مفرحا، ورديا، كان يوتوبيا، كان جمهورية أفلاطون، كان منسجما، جميلاً، والعلاقات نبيلة، وسمنا على عسل، والبرهان على هذا كله يتجلّى لكل ذي عينين: في فلسطين..في بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، أي ما حول كل فلسطين، وقيل في التفسير أن الأكناف تمتد حتى تشمل الأردن، وسورية، ولبنان، ومصر، وليس تخوم العراق حسب، وإنما أقصى حدود العراق الذي والحمد لله يرفل بثياب العز، وينعم بخيراته التي تدر عليه المليارات..وانظروا إلى الفرح في شوارع مدنه، وأريافه، وناسه!. هل يمكن إنكار لحظة التحوّل التاريخية الفارقة التي اجتاحت العراق منذ رُفع العلم الأمريكي في ساحة الفردوس، لتبدأ حقبة نشر الديمقراطية في العراق الجديد، الذي يوصف بفضل الاحتلال الأمريكي الثلاثيني الدولي بأنه ثاني الدول فسادا في العالم بعد الصومال.. فهل هذا الإنجاز الأمريكي في العراق قليل الشأن؟ تحويل بلد من سابع بلد صحيا، بلد احتفل بتعليم آخر أُمي..إلى ثاني بلد عالميا فسادا، وفقرا، وموتا..لا : في الموت المجاني اليومي هو الأول ..فهو يتفوّق حتى على أفغانستان التي نشرت فيها أمريكا وقوات التحالف الموت الديمقراطي الحضاري لاجتثاث الإرهاب!
حقا: الثقة بالأمم المتحدة اهتزت بعد الفيتو الروسي والصيني..فهذا الفيتو تحديدا هزّ الثقة..أرعشها، رنحها، بدد هيبتها، قلل من موضوعيتها.. والعرب هم المتضررون ..ولكن أي عرب..أو ( عربان) أشد نفاقا؟!
بحسب معلوماتي فإن روسيا والصين لم تتخذا سابقا، وفي زمن الاتحاد السوفييتي قرار الفيتو ضد العرب..أقصد عرب الحقبة الناصرية ، فالفيتو كان يلوّح به دائما في وجه أمريكا، ودول الغرب الاستعماري التي كانت، وما زالت سبب كل بلاء وقع على العرب، ولا أقصد عرب النفط والتبعية والتآمر على المشروع القومي في عز مجده أيام جمال عبد الناصر..أيام كانت مصر قائدة الأمة..قبل أن يهدم مجدها السادات وتابعه مبارك..وبرعاية نفطية، وتتبيع مصر أمريكيا بعد صفقة كامب ديفد التي أخرجت مصر عن مسارها..حتى جاءت ثورة 25 يناير التي تتعرض للتآمر الأمريكي والنفطي بدعم الفلول، والأجهزة المخربة التي نخرها الفساد في زمن مبارك، والتي ما زالت تعيث فسادا وتخريبا في مصر الثورة.
لم تتخذ الصين يوما موقفا تآمريا على العرب..ورغم فقرها قبل عقود دعمت العرب المحتاجين لدعمها، وشقت الطرق في اليمن، وأسست المستشفيات، وساهمت في التنقيب عن النفط في السودان دون استغلال على الطريقة الأمريكية، والبريطانية، والفرنسية. فهل الصين عدو لإشهارها الفيتو مع روسيا لصّد الهجمة الأمريكية التي تستهدف أبعد من سورية بكثير؟
متى نشبت حرب شاركت فيها الصين، أو روسيا، على وطننا العربي..وفي أي عصر من العصور تحالفت أي من الدولتين مع أعداء العرب؟!
الصين رعت الثورة الفلسطينية مبكرا، واعترفت بمنظمة التحرير، وزودت الفلسطينيين بالأسلحة، ودربتهم على حرب العصابات لتحرير فلسطين، واستقبلت مؤسس المنظمة الأستاذ أحمد الشقيري الذي التقى بالقائد العظيم ماوتسي تونغ الذي فاجأ الشقيري بأنه يعرف تفاصيل تطور القضية الفلسطينية..وهنا أضيف: أكثر بكثير من ملوك ورؤساء وشيوخ العرب الذين تآمروا على فلسطين وشعبها.
حتى يومنا هذا فإن الصين تعلّم أبناء الفلسطينيين، وتمنحهم المنح، وتدعم القضية في المؤسسات والهيئات الدولية ..في حين لا تكف أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا عن التآمر على فلسطين وشعبها.
روسيا حتى يومنا هذا، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي ما زالت تمنح الفلسطينيين مئات المنح الدراسية سنويا، ليعود أبناؤنا أطباء، ومهندسين، وخريجين في كل الاختصاصات، ناهيك عن علاج جرحانا في الانتفاضتين، و..الدعم على كل الصعد. فهل روسيا عدو لنا نحن العرب؟!
روسيا صديق حتى اللحظة..ولكنها صديق للعرب غير التابعين لأمريكا..العرب مرتهني الإرادة، العرب البيادق في المخططات المعادية!
الم يلعب هؤلاء العرب أنفسهم بالمال والرجال دورا إجراميا في الحرب على الاتحاد السوفييتي في أفغانستان المتاخمة لحدود الاتحاد السوفييتي..إسهاما منهم في انهيار البلد الصديق، لتتسيّد أمريكا على العالم..أمريكا التي احتلت أفغانستان البلد المسلم الذي لم ترسل السعودية ألوف ( المجاهدين) لطرد الغزاة الأمريكان منه، وتبذل المليارات للإنفاق على حرب تحرير البلد المسلم أسوة بما اقترفته ضد الاتحاد السوفييتي؟!
الفيتو الروسي الصيني هو موقف دفاعي للقوتين العظميين عن نفسيهما، وعن مصالحهما، وهو في ذات الوقت لحظة فاصلة تنهي حقبة هيمنة القطب الواحد على العالم، فأمريكا بعد اليوم لن تستفرد وحدها بتسيير العالم سياسيا واقتصاديا بحسب رغباتها، ومصالحها، ومشيئتها.
جمال عبد الناصر برز كقائد من قادة دول عدم الانحياز مع نهرو وتيتو، واليوم لا قيادة للعرب، ودول النفط تابعة لأمريكا المهيمنة عليهم، التي تطعمهم وتؤمنهم من خوف..ولذا سيلعبون دائما دورا تخريبيا ضد مصالح الأمة.
كيف يمكن نسيان كل التاريخ الإجرامي لأمريكا ودول الغرب في تقسيم بلادنا، واستتباعها واستعمارها، ونهب ثرواتها؟! كيف يمكن القبول بغسل يديها، ومكيجة وجهها القبيح، والترويج بأنها رسولة الديمقراطية الحريصة على ثورات العرب، وشعوب العرب..وّل: وأين فلسطين وعروبتها وإسلاميتها؟ أين قدسها التي هودت برعاية أمريكية؟ أين أقصاها المهدد بالخراب والهدم لبناء (الهيكل)؟ أليست أمريكا هي التي أشهرت الفيتوات المتلاحقة لتعطيل أي قرار لمصلحة فلسطين، أي قرار يدين الاستيطان،والقتل، والاغتيالات ..أتنسون دورها في تغطية حرب الإبادة على غزّة؟!
لا: روسيا والصين ليستا عدوتين..بل هما صديقتان كانتا، وستبقيان حتى مدى بعيد، وفي الصراع بينهما وبين أمريكا ودول الغرب الاستعماري فإن ملايين العرب يميزون بين الصديق والعدو.
أمريكا ودول الغرب الاستعماري هي التي اختارت عداءنا، والتآمر على قضايانا، ونهبت ثرواتنا، ومزقت وطننا العربي إلى دويلات، ومخططاتها تعود من جديد لتقسيم المقسم، وتجزئة المجزّأ..وهذا ما تعيه جماهيرنا العربية الثائرة في كل أقطارها.
روسيا والصين تقفان الآن في وجه الهيمنة الأمريكية..وفي هذا خير عميم للبشرية جمعاء. البشرية التي عانت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فحركات التحرر باتت يتيمة، والشعوب المسكينة وقعت على رأسها الضربات من اليد الأمريكية الثقيلة.
يبدو أن حقبة الاستفراد والهيمنة قد انتهت..وبدأت الحقبة الجديدة بالفيتو المزدوج.. وهذا ما يزعج أمريكا وأتباعها و( أذنابها)!
نحن المؤمنين بعروبة فلسطين، نقيس مواقف الدول، صغرى كانت أم كبرى، على مسطرة فلسطين، التي هي أقدس قضايا الأمة، والتي هي ليست شأنا إقليميا عابرا: من يقف مع فلسطين فهو صديق، وهو مع الحق..والصين وروسيا تقفان مع العدل في فلسطين، ولا تدعمان الكيان الصهيوني بالمال والسلاح، وتغطيانه بالفيتوات المتلاحقة كما تفعل أمريكا وإداراتها المتصهينة ..لذا فهما صديقتان لملايين العرب الذين يثورون في أوطان ساد الفساد والظلم فيها بدعم أمريكا لحكامها الطغاة.