بقلم : رشاد أبو شاور ... 22.02.2012
قبل شهرين لم نكن نسمع بالشيخ خضر عدنان. من كانوا يعرفونه قلّة، يتقدمهم أفراد أُسرته، والده الذي رأيناه على الفضائيات وهو يشرح قضية ابنه، ويناشد (الجامعة العربيّة) أن تتدخل لتنقذ حياة خضر ـ رغم أنها مشغولة جدا على (الجبهة) السورية! ـ وأمه التي جلست بحزنها الوقور وهي تدعو له، وترضى عليه، وتعلن فخرها ببطولة ابنها الذي يريد الحرية له ولإخوانه الأسرى، ولمحنا وجه ابنته المتلهفة لرؤية والدها والجلوس في حضنه آمنة مطمئنة، وقرأنا بعض ما قالته زوجته الشجاعة الصابرة.
الشيخ خضر اليوم ملء السمع والبصر، لا كبطل فرد، ولكن كمعبّر عن روح شعب، وعدالة قضية، وبطولة ألوف الأسرى الفلسطينيين الصامدين في سجون الاحتلال.
الآن بات الشيخ خضر عدنان اسما يضيء في سماء فلسطين، هو الذي بجسده الواهن مقيّد في سرير بمستشفى (زيف) بمدينة صفد الفلسطينية العريقة، والمضرب عن الطعام حتى اليوم الأربعاء، منذ 67 يوما...
الشيخ خضر عدنان خبّاز فلسطيني، يعني فرّان، و..انتبهوا، فهو كما عرفت طالب دراسات عليا!..وهكذا فهو يعمل ليعيل أسرته..ينضج للناس خبزهم كفاف يومهم، مع يقينه بأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، كما قال السيد المسيح، ويتقدم في جني العلم والمعرفة لينفع نفسه، وشعبه، و..من الفرن، لو لم يعتقل، ربما كان سينتقل بعد وقت لا يطول للتعليم في إحدى الجامعات الفلسطينية، ومع ذلك فها هو يؤسس جامعته التي تشع في سماء فلسطين، والوطن العربي الكبير، ويصل ضوؤها إلى كل ذي ضمير في العالم..تلكم هي مدرسة الإرادة والكرامة والمقاومة بالجسد!
هو إذا مزيج من التواضع، والطموح..الإرادة والإيمان، لذا ليس صدفةً أن يضرب عن الطعام بعد اعتقاله، وإخضاعه للتعذيب، وتأبيه على قبول الإهانات التي وجهها له (محققون) مجرمون حاولوا انتزاع اعترافات منه، ليسهل على (محكمة عسكرية) إصدار الحكم الذي يريحها على هذا الفلسطيني العنيد.
محكمة (عوفر) العسكرية أصدرت حكما بالسجن الإداري على خضر دون تحديد التهمة، والسجن الإداري قابل للتجديد بحسب ما تقرر المحكمة المرتبطة بأجهزة أمن الاحتلال.
آن هاريسون، نائبة مدير برنامج الشرق الوسط في منظمة العفو الدولية، صرحت حول السجن الإداري، وقضية خضر: إن (إسرائيل) تستخدم منذ سنوات طويلة الاعتقال الإداري لحبس الفلسطينيين دون تهمة أو محاكمة، بشكل متكرر لاحتجاز المعتقلين لأجل غير مسمّى. وأضافت: يتعين على سلطات الاحتلال الإفراج عن خضر عدنان، وغيره من الفلسطينيين المحتجزين بأوامر الاعتقال الإداري ('القدس العربي' 7 فبراير 2012).
السيدة هاريسون فضحت ماهية السجن الإداري..ولولا خضر ما سمعنا بهذا الموقف، فهو بجهاده البدني والنفسي وإرادته ووعيه بما يجترحه من فعل يشبه المعجـــــزة رفع قضـــية السجناء الفلسطينيــين، الإداريين، وغير الإداريين، أمام محكمة الضمير الإنساني الذي يتحداه الكيان الصهيوني، بمحاكمه العسكرية، وبالملفات الأمنية المفبركة باتفاق بين (قضاة) الاحتلال والجلادين (المحققين) و..حتى (الأطباء) الذين يبررون كل أشكال التعذيــــب، بل ويشرفون على (جرعات) التعذيب لانتزاع الاعــــترافات التي غالبا ما يعجز عن استلالها المحققون المجرمون من أفــــواه الفلسـطينيين والفلسطينيات. (يجب أن لا ننسى الأطفال الذين يكابدون أهوال التعذيب البدني والنفسي من عدو عنصري منحط فكرا وأخلاقا وسلوكا).
خضر عدنان لا يريد انتزاع حريته الشخصية بإضرابه المستمر عن الطعام، وبلوغه حد المخاطرة بحياته، فهو أخبر زائريه من قيادات عرب الـ48، الذين تقدمه الدكتور جمال زحالقه (التجمع)، ومحمد بركه (الجبهة): أنا لن أقبل بأن ينتهي إضرابي بإخضاع إرادتي، وإنما بحملة مشددة لوقف الاعتقالات الإدارية ..وإضرابي هو من أجل شعبي، وليس فقط من أجل قضيتي الشخصية، وإنما من أجل شعبي وقضية الأسرى الإداريين. (موقع عرب 48).
ما يجترحه خضر عدنان بجسده، بصيامه، بتحديه للاحتلال، بإحراجه للاحتلال، بفضحه لقوانينه المتوارثة عن الانتداب البريطاني، وما أضافه لها عقل صهيوني مجرم، معني بابتكار كل ما يمكن أن يدمر إرادة الإنسان الفلسطيني، ضاربا عرض الحائط بالقوانين الدولية في التعامل مع الأسرى، ومع المواطنين تحت الاحتلال، وباتفاقية جنيف الرابعة التي تنظّم حقوق الأسرى..أعاد قضية الأسرى الفلسطينيين لتأخذ مكانها اللائق بها جدية، ومسؤولية، وهما فلسطينيا وعربيّا شعبيا.
أهان الانقسام الفلسطيني شعبنا، وشوه نضاله، ودحر قضيتنا إلى الظل، وشغل شعبنا في البحث عن جواب للسؤال اللغز: يتصالحون..أم لا يتصالحون؟!
محمد البوعزيزي حين أضرم بجسده النار أشعل نار الثورات والانتفاضات والحراكات العربية، والتي لم تنطفئ نارها حتى اليوم...
خضر عدنان بجسده يقاوم الاحتلال، ويحرجه إلى حد أننا سمعنا السيدة (آشتون) تنصح بإطلاق سراحه، وكأن أوربا لا تعلم بجرائم الكيان الصهيوني، وباحتجاز حرية ألوف الفلسطينيين، وبان الضفة الفلسطينية سجن كبير، وقطاع غزة معتقل محاصر من كل الجهات، وتصب عليها طائرات الاحتلال يوميا صواريخها التي تقتل وتجرح العشرات، وتهدم البيوت لتضاعف من خراب غزّة التي لم تعمّر مدارسها، وبيوت ناسها منذ الحرب المسعورة ..حرب الفسفور الأبيض!
هل ستتفجّر الانتفاضة الثالثة الكبرى بفضل جسد خضر عدنان المؤمن بخيار المقاومة، لا المفاوضات، ليتم تجاوز الانقسام شعبيا ميدانيا..وليفتح ملف الاحتلال، وتهويد القدس، وخطر تدمير الأقصى، والأسرى جميعا..وتعود فلسطين لتوحد ملايين العرب، وتجاوز أنظمة التبعية والتخاذل، في مواجهة الكيان الصهيوني ورعاته وفي مقدمتهم: أمريكا؟!
خضر عدنان ..قرع جدران الخزّان..لا لإنقاذ حياته التي يمنحها لفلسطين، ولكن لاستعادة (الوعي)..والطريق..ومغادرة حقبة التيه والضياع وراء سراب السلام المخادع الذي يمكن الاحتلال من نهب أرضنا يوميا، وسجن شعبنا.. في غياب المقاومة الحقيقية، والمواجهة الشاملة مع عدو طابت له (لعبة) المفاوضات التي مكنته من تنفيذ كل أهدافه وبلا خسائر!
خضر عدنان فدائي..والفدائي يفتدي بخيار واع..هذا شأنه هو وكل أخوته الأسرى الذين يوقظوننا من غفلتنا وسباتنا الذي تسببت به قيادات الصراع على الوهم..إنه وهو بين الموت والحياة يجدد فينا روح المقاومة، وينعش الأمل، ويستنهض كبرياء شعب لن ينكسر رغم النكبات والمحن...