بقلم : ياسمينة حسيبي ... 18.03.2012
وما زال نَجْــمُنا يزدادُ ابتعاداً..،
والجُـرح فينَا يغور عمقًا ويكبرُ امتدادًا..،
ما زلنا نعشقُ الإستنادَ إلى حائطٍ آيل للسقوط..،
نعتقد بأننا وصلنا وجيوبنا ما زالت مكدّسةٌ بحقائب السفر !!!!
نجوبُ النّهار بحثـًا عن وُجوهنا، ندخلُ في الأرض ونخرج منها بحثا عن جُــدُورِنا...،
أصواتنُا خرساء في ضجِيجها، مسيراتنا الحاشدة انكسار فادح في أرواحنا والجروح تنبعث فينا يـَقينًا معتّمَ الهواء.
ما زِلْـنا نستيقظ كلّ صباحٍ على أصوات الانفجارات هنا وهناك فننهضُ بتَـثـاقل ونحن نتمتم :
[ اللّهـم إِنَّا نَـسْأَلُـكَ خيرَ هذا اليوم، وخير ما بعده..]
نفتحُ الراديو ونتابع آخر مستجدّات [هزائمنا] وحصيلة القتلى ونحن نرتشفُ القهوة المعطّرة بالهيل ثمّ ما نلبثُ أن نغيّر المحطّة لِيتناهى إلى أسماعنا -وبكل العذوبة- صوت فيروز يتغنى بملحمتنا الأزلية : [ القدس لنا والأرض لنا....].
نُغادر إلى الشغل....
وفي الباص، نتوجّـسُ خيفةً من شاب غريب المظهر، إنه [ ينظر ] حوله بسكينة مُميتة..
أيلبسُ حزامًا ناسفـًا ؟
أسكونُه هذا تضرّع وصلاةُ من أجل الشهادة ؟
نختارُ أقربَ مكانٍ لباب الباص حتى نكون أولّ من ينجو بنفسه (هروبا) إن حدث ذلك الانفجار(المحتمل)..،
وطوال الرحلة، تظل شفاهنا تدعو في خشوع :
[ اللّهم إنّـا لا نسألك ردّ القضاء ولكن نسألك اللّطف فيه] ..
ولسان الحال -كالعادة- يقول : إعاقة مستديمة أهون من الموت أشلاءًا...،
فنحن نعشق الإعاقات المستديمة منذ الأزل !
ما زلنا نشتري ملابس العيد للأطفال ونفرح بالفوانيس الرمضانية وكأن أيامنا عيد وحقولنا ربيع أخضر.
ما زلنا نشتهي الفواكه في غير مواسمها ونستميت كي لا يكون العسل مغشوشا على موائدنا نتفاخر بجوْدته في أفراحنا وأتْراحِنا..،
نتباهي بالولائم وعدد [الخرفان] المذبوحة فيها.
أما وحدتنا العربية، فلا بأس إن أصابها الغش وأصبحت بلا طعم..،
لا بأس من اغترابنا في أوطاننا حتى النخاع الشوكي..،
لا بأس إن ذبَحْـنا بعضنا البعض باسم الطائفية أو الحرية أو الديمقراطية أو.. أو..
لا بأس إن بايَعنـَا وصَـفَـعْـنَا بنفس الكف...،
لا بأسَ إن أضَرمْـنَـا النّار في أرواحنا.. لكي نحْـيـــا، فتلكَ أرقى مَـراتب الحريّة !
ننتظر بفارغ الصبر بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 والتي ستقام بدويلة قطر، نتحرى عنها الأخبار وكأنها ستَبعثُ فينَا عهد النبوة !
أجل، مستعدّون نحن لانتظار مباريات في كرة القدم لآخر العمر..،
أصبحنا نعشقها أكثر بعد أحداث بورسعيد، إنها طريق الهدى لنيل "الشهادة" والخلود في الجنة، أفـلاَ تفْـقَـهُون ؟
لم نفهم بعدُ أن هذا العالم المتعطش [لنكباتنا] يتحرّكُ بقانون [على من الدّور الآن؟ ]..،
يَضربُنا ببعضنا البعض حتى تسيل دمائنا ثمّ يشربها نبيذًا معتّقا.
ما عُـدْنا نعرفُ من مَعَنا ومن علينا، تشابهت علينا الوجوه فانْدَلَـقْـنا في حفرة الذاكرة التي أصبحتْ بحجْم ثقب الأوزون.
حتى الياسمين في حدائقنا أصبحَ يحملُ مسدّسا في يده، يُشْهِـرهُ في وُجوهنَا كـلّما حـاولْـنا دخول التاريخ ونحنُ نبْتسم لبياضه.
وحمامة السّلام، تلك الصغيرة التي طارت يومًا وتاهت [في بلادهم]، ما زلنا ننتظرها ونحن نعرف أن دمها تخثّر في [قفص حرياتهم].
ما زلنا نعتقد بأن الشمس تمشّط شعرها الأصفر [طوال الليل] من أجل عيوننا، ونردّدُ دون هوادة بأننا عائدون .. عائدون..،
[وأين تعودون بعد أن خرجتم من أنفسكم ؟]
نعتقد بالبعث في الحياة وساعة الحائط تدق الموت دون انقطاع في بيوتنا..
يالسذاجتنا..!
أوطاننا تبحث عن تاريخها منذ أن دكّ "هولاكو" نصف حضارتنا بمجانيقه وتحتَ حوافر خيوله..،
وما زال البحث جارياً..عن النصف الآخر !
نعتقد بأن قصائدنا، بوح أزلي للمدينة الأفلاطونية، لكننا لا نكلّف أنفسنا عناءَ قراءتها..،
نكتفي بالتّصفيق والتطبيل والتهليل دون أن نفهم حروفها ومعانيها ..،
دون أن نَعِيَ بأنّها تَـنْعـينَــا ..
أجل..قصائدُنا تَــنْـعِـينَــا...
يا نحنُ....
يا خيرَ أمّـة أُخرجتْ للناس !