أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
من حقك أن تذبحنا...!!

بقلم : سهيل كيوان  ... 08.03.2012

من حقك أن تذبحنا، وأن تستخدم كل مكرك وأسلحتك البيضاء والسوداء والحمراء، فهي مُعدة أصلا لرقابنا، من حقك أن تدافع عن نفسك فهذا حق مشروع للإنسان والحيوان حتى الزواحف والهوام، هل رأيت الصرصار كيف يدافع عن نفسه!هل انتبهت كيف ينقلب على ظهره ويتظاهر بالموت ليكسب الحياة، وما هي حياة الصرصار مقارنة بحياتك العظيمة!هل رأيت الحشرات التي تبث روائح كريهة، والنحلة التي تدافع عن نفسها بعمل انتحاري، هل رأيت حرذونًا وهو يحمل بين فكيه خشبة بالعرض كي يحرم الأفعى من ابتلاعه! من حقك أن تقتلنا، ثم تدّعي أن القتلى كانوا مسلحين وكانوا ينوون شرًا باستقرار البلاد والعباد، كانوا يقطعون الطرق ويعتدون على أعراض الناس، وقد وصلت توجّهات كثيرة من بسطاء الشعب إليك كي تتدخل، وبعد مشاورات وضغوط كبيرة اتخذتَ القرار الأصعب وأرسلت جيشك الرحيم ليعمل بسرعة على إنقاذ المسالمين من قبضة الأشرار، من حقك أن تعتقل وتحقق مع عشرات الآلاف، لتفصل بين الخبيث والطيب، من حقك أن تكافئ الأخيار وتعاقب الأشرار، والعقاب قد يكون سجنًا إداريًا لعدة أشهر أو سنوات، أو محاكمة ميدانية وحتى إعدامًا، والإعدام الميداني هو أفضل وأقصر الطرق لأنه الأسلم والأقل وجع راس، يدّعي أحد ضباطك الميدانيين أن القتيل كان مسلحًا ورفض الانصياع للأوامر، وبعد تحذيره مرات، تم تبادل إطلاق النار معه فلقي حتفه، والجنود الرحماء سمحوا لوالديه ولعدد من أقاربه أن يلمّوا جثمانه ليلا وأن يدفنوه كما يليق بجثة ميت حتى لو كان عدوّا.
من حقك أن تحاصر مدينة أو مخيمًا أو قرية أو حيًا قبل اقتحامه بدباباتك، كي لا يتعرّض جنودك الأبرياء للخطر، الحصار قبل الهجوم يهدف إلى حقن الدماء، فهو يستنزف معنويات المحاصرين ومواردهم وطاقاتهم، ويسبب ضغطًا معنويًا وماديًا هائلا عليهم، يستمر الحصار حتى نفاد الوقود والغذاء والماء والدواء، وحتى يشعر المحاصرون أنه لا نصير لهم، ولن يستطيع أحد أن يقدّم لهم يد العون، فليبدعوا بالدعاء إلى ربّهم كما يشاؤون، ولكن لا وقود ولا غذاء ولا سلاح إلا بيدك، حتى الماء لولا هطول الأمطار والثلوج. للحصار فوائد سياسية وعسكرية جمة، فهو يعطي فكرة للعالم إذا كان يهمه الأمر أن المحاصرين قوة عسكرية كبيرة، ولهذا السبب فإن قواتك النظامية التي تعتبر من أقوى جيوش المنطقة تقف عاجزة عن اقتحام الحي، وهذا يخفف من التعاطف مع المحاصرين إلى حد كبير، بل وستجد من يقول 'اذبحوهم'، ثم إن ردود الفعل تضعف عندما يطول الحصار، الناس يعتادون الأمر وينتقل الخبر من الرأس إلى قاع نشرات الأخبار، بل إن كثيرًا من وكالات الأنباء سوف تتناساه لأنه لم يعد جاذبًا للمستمعين أو القراء والمشاهدين سريعي الملل، قد يضيفون جملة واحدة عابرة خلال النشرة' هذا ومن جهة أخرى فما زالت قوات ال(.......) تحاصر المنطقة التي لجأ إليها عشرات 'المسلحين' منذ أسابيع.
لا أحد من الناس خارج هذا الحصار مهما كان متعاطفًا سيعيش معاناة المحاصرين ويقدّرها، فأنت في يوم عادي بدون حصار ولاحرب وفي نظام طبي متقدم تحتاج للوقوف ساعات لإجراء فحص طبي بسيط وعادي، فإذا احتجت لما هو أكثر من الفحص البسيط، صورة لكليتك أو لعمودك الفقري مثلا، قد يستغرق الأمر أياما، فكيف الحال والقصف المدفعي فوق رؤوس أهالي الحي! كيف وهناك جرحى يزدادون في كل ساعة، ولا كهرباء ولا دماء ولا مستشفى، بل لنفرض أن هناك مستشفى، فما هي قدرة استيعابه!وما هو عدد الأطباء والممرضات فيه، وما هو احتياطي الدواء والأوكسجين الذي يملكه!ثم ما المشكلة برميه بعدة قذائف 'بطريق الخطأ'! فالجميع يخطئون.
لا أحد خارج الحصار يعرف أو يستطيع أن يعرف ما هو حجم الخراب الذي يسببه القصف، فالإعلام ممنوع من الدخول، فقط أنت الذي توزّع المعلومات، وإذا تجاسر إعلامي ودخل الحصار وعاش مع الناس، فذنبه على جنبه، لأنه يصبح أهم هدف لدى ضبّاطك، طبعًا يقتلونه بالغلط، وهو يتحمل المسؤولية، لأنه دخل بدون إذنك فدفع ثمن مغامرته، ثم تصدر بيانًا توضّح فيـــــه أن قتل الصحافي هو أمر مؤسف ولم يكن مقصودًا، 'لا علم لنا بوجود صحافيين في هذه المواقع الخطرة'. طبعا أنت تعــــرف وتراقب المكالمات الهاتفية الأرضية واللاسلكية وتعرف أن هناك صحافيين وتعرف بالضبط أين يقيمون وتراقب تحركاتهم، بل وتوكل مهمة التخلص منهم لوحدةٍ خاصة.
سيقول الجنود فيما بعد إن الكاميرا التي حملها الصحافي كانت تشبه قذيفة مضادة للدروع فالتبس الأمر عليهم، على كل حال تمضي أسابيع على الحصار، ويقترب الأمر من نهايته، فقد ملّ العالم والناس سماع أخبار الحصار والمحاصرين الذين أنهكوا وصاروا يطلبون الخلاص بأي طريقة كانت، كان بإمكانك السماح للمدنيين أن يخرجوا من الحصار عن طريق منظمات دولية، ولكنك تريد معاقبة المدنيين الذين سمحوا لل'مخربين' بأن يكونوا بينهم، ولكي يكونوا عبرة للآخرين، ثم إن المحاصرين من المدنيين يشكلون عبئًا على المقاومين، لأنهم مسؤولون عن طعامهم وعلاجهم، كل جريح إضافي هو عبء عليهم، وقد ينتج عن هذا خلافات داخلية فيما بينهم، سوف تقول إن هناك مقاومة شرسة جدًا لم تكن متوقعة، وإن المحاصرين يستعملون أسلحة جديدة، لتبرر القصف بدباباتك التي تتقدم ببطء لتسوي الأبنية بالأرض، وتشق طرقًا جديدة في الحي المحاصر حتى إذهال سكانه وكل من سيراه فيما بعد، تهدم وتمشّط وتطلق القذائف، تخرج مجموعة من الناس رجالا ونساء وأطفالا رافعين أيديهم مستسلمين، ضعفاء جوعى، يلعب معهم ضباطك لعبة الشر والخير، يأمرهم ضابط شرير بالاصطفاف على جدار أو في ساحة وتبدأ اللعبة، يتم قتل شابين أو ثلاثة شبان، وحينئذ يتدخل الضابط (الطيب) ويرفض هذا التصرف الهمجي ويحتج بل ويصرخ على الضابط الذي أصدر الأوامر بالقــــتل ويقول إنك أنت شخصيًا ترفض هذا التصرف، فينجو بقية من الناس، بعدها سيذكر الناس أن ضابطًا طيبًا من جيشك أنقذهم من موت محقق، ثم تأخذ واحدًا أو أكثر من الناجين وتستغل جوعه وعطشه وجرحه ومعنوياته الهابطة وأفكاره المشتتة وخوفه على حياته كي يهاجم المسلحين'الغرباء'، ولا بأس من القول إنهم ينتمون للقاعدة، وخرّبوا حياة سكان الحي الذين عاشوا كل عمرهم بأمان وسلام حتى أتى هؤلاء الحاقدون والزعران الذين لا نعرف أصلهم من فصلهم، تجعل الشاهد يبكي على الشاشة وهو يشكر جنودك وضباطك الذين أنقذوه من موت حتمي وحموا أطفاله وعرضه، ثم يناشد كل صاحب ضمير بعدم السماح لهؤلاء 'المخربين'أن يدخلوا في حياة الناس، ويطالب الجيش والشرطة وقوى الأمن كلها بإعادة الأمان والاستقرار المفقودين.
أخيرًاعزيزي القارئ، لك أن تتبنى هذا المشهد في حي بابا عمرو في حمص السورية في هذه الأيام ولك أن تتبناه في مخيم جنين عام 2002 أو في أحد أحياء غزة عام 2009، ولك أن تتبناه في الفلوجة العراقية، وفي مدن عربية كثيرة في أيام وسنوات حبلى قادمة.