بقلم : سهيل كيوان ... 29.03.2012
حدث هذا يوم أمس، وقف كاتب في المكتبة العامة في إحدى قرى الجليل أمام الطلاب ليحكي لهم قصة، كان ذلك في أسبوع الكتاب الذي نظّمته المدرسة بالتعاون مع 'المكتبة العامة'، وهي غرفة كبيرة مستأجرة على جانب الطريق العام مع ملحقاتها مكتب ومرحاض، بعد أن حيّا الطلاب وردوا عليه ردا جماعيا ذكره بمقاعد الدراسة الأولى، عرّفهم على نفسه، ثمّ طلب منهم الهدوء والاستماع إلى قصّته، ثم بدأ يحكي وما أن قال:ّ كان يا ما كان في قديم الزمان'... حتى قاطعته طائرة حربية بصوتها القوي المخيف، فلم يعد الطلاب يسمعون كلام الكاتب ولا بعضهم البعض ولا الاصوات القادمة من الشارع العام، فصمت الكاتب وانتظر لحظات حتى ابتعدت الطائرة بضجيجها الرهيب، ثم عاد ليحكي لهم من جديد فقال: 'كان ياما كان في قديم الزمان.. ومرة أخرى قاطعته الطائرة بضجيجها الرهيب بوووووووووووم.. ولم يعد الأولاد يسمعون الكاتب ولا بعضهم البعض.. فصمت الكاتب مرة أخرى إلى أن ابتعدت الطائرة وساد صمت وسُمع صوت السيارات والضجة القادمة من خارج المكتبة 'هل تريدون سماع القصة...
- فصاح الأولاد: نعم إحكها من الأول!
- حسنًا سوف أحكي لكم القصة من جديد.. كان ياما كان في قديم الزمان أراد كاتبٌ أن يحكي قصّة للأطفال... 'حينئذ قاطعه بائع الدجاج الذي مرّ بالقرب من المكتبة بسيارته وصار ينادي بمكبر الصوت.. 'معانا دجاج خمسة كيلو بمئة شيكل، الدجاج الخمسة كيلو بمئة شيكل يا بلاش'...فاضطر الكاتب أن ينتظر حتى ابتعد بائع الدجاج، ثم قال: حسنًا لقد اشترينا دجاجا.. سأحكي لكم القصة من جديد..
- هيا لقد شوقتنا.. قال الأولاد...
فقال - كان ياما كان في قديم الزمان أراد كاتب أن يحكي للطلاب قصة في المكتبة العامة وكان هذا بمناسبة أسبوع الكتاب وعندما بدأ الكاتب يحكي.. 'حينئذ مرّت سيارة الإسعاف بزعيق صفارتها القوي وي وي وي وي فقال الكتاب: 'يبدو أن في الحارة مريضًا أو مصابًا وقد استدعوا له سيارة الإسعاف، ندعو الله أن يشفيَه'.. انتظر الكاتب حتى ابتعدت سيارة الإسعاف، وسأل الأولاد: هل تريدون سماع القصة من جديد؟
فقالوا - هيا هيا إحك من جديد...
ثم بدأ الكاتب يحكي قصته من جديد: كان ياما كان في قديم الزمان أراد كاتب أن يحكي قصة للأطفال بمناسبة أسبوع الكتاب وكان ذلك في المكتبة العامة، وعندما بدأ الكاتب يحكي قصته مرت طائرة حربية بضجيجها الرهيب...
- ذهبت إلى سورية قال أحد الأولاد.. توجد حرب هناك
- لا لا توجد حرب هناك.. هذه طائرة تتدرب فوق قريتكم لأنها تشبه قرى سورية ولبنان...
- ولكن في سورية يوجد حرب...أصرّ أحد الأولاد...
- ولكنها ليست مع اسرائيل.. قال الكاتب 'ها قد حرّروا حي بابا عمرو في حمص والرئيس يقوم بزيارة الحي'... هل تريدون أن أحكي لكم القصة من جديد...
- إحك إحك...
وقبل أن يستأنف، قاطعه رنين الهاتف الذي نسيته المعلمة مفتوحًا في جيبها، كانت هذه تقاسيم اغنية موطني على العود.. فأقفلته واعتذرت للكاتب والطلاب.. ابتسم الكاتب ثم أعاد من جديد.. كان ياما كان، في قديم الزمان أراد كاتب أن يحكي قصة للأولاد بمناسبة أسبوع الكتاب... حينئذ مر بجانب المكتبة شاب بسيارته وقد رفع صوت موسيقى صاخبة بأقوى ما يمكن، فغضب الكاتب واستاءت المعلمة حتى ابتعد الشاب مع أغنيته الصاخبة، ثم قال الكاتب للطلاب وهو غاضب: كان يا ما كان في قديم الزمان أراد كاتب أن يحكي قصة للأطفال بمناسبة أسبوع الكتاب... حينئذ سُمع ضجيج قويٌ وإذا بجبالة باطون تمر من جانب المكتبة.. وقال أحد الأولاد ...
ـ هذا الباطون لدار عمي فهد....
مرة أخرى توقف الكاتب حتى ابتعدت جبّالة الباطون وقد بدأ الطلاب يتأففون ويتذمرون وصار الكاتب يمسح عرقه بمنديل ورقي عن جبينه وقال من جديد: كان ياما كان في قديم الزمان أراد كاتب أن يحكي قصة للأولاد في المكتبة العامة، كان ذلك بمناسبة أسبوع الكتاب الذي تنظمه المدرسة بالتنسيق مع المكتبة العامة، وحينئذ قاطعه صوت رجل ينادي بمكبر الصوت... يا أهالي قريتنا الكرام تفضلوا الليلة عند (علي أبو عبد الله عتمة) إلى زفة العريس وغدًا إلى قراءة المولد النبوي الشريف بعد صلاة العصر ودامت الأفراح في دياركم العامرة... يئس الكاتب ونفخ مغتاظًا... ماذا قلتم هل تريدون أن أحكي القصة!...إحك... إحك.. وحينئذ ساد صمت في المكتبة وصمت الطلاب ولم يعد يُسمع سوى ما يصل من الشارع، فقال له الطلاب: ها قد ساد صمت، نحن نسمعك الآن جيدًا.. إحك لنا القصة... فتنفس الصعداء، وانتظر لحظات، وما أن فتح فمه حتى سمع نداءً في مكبر للصوت: 'باسم جمعية بلدنا الثقافية ندعوكم في الساعة السادسة مساء لحضور الندوة السياسية تحت عنوان 'الربيع العربي الى أين، بمشاركة عدد من الأساتذة والمختصين نأمل تشريفكم'.
- أما زلتم راغبين بسماع القصة...
- نعم نريد سماعها..
- هذه هي القصة لقد حكيتها لكم....