بقلم : لينا جزراوي ... 29.05.2011
جملة ختمنا بها جلستنا الحوارية ، التي تناولت انعكاس وتأثير، تنشئة وتربية المرأة العربية على قدرتها على التعبير عن رغباتها أحاسيسها وعواطفها ، لنصل الى حقيقة تقول ، بأن المرأة العربية تفشل دائما في اطلاق العنان لمشاعرها ورغباتها ، حتى وهي تقوم بدورها الزواجي ، أي داخل مملكتها الخاصة ، كما يوهمها به المجتمع ، فهي داخل هذا الحصن الخاص ، تعقلن رغباتها وعواطفها وتوجهها الى حيث يرتضيه المجتمع بعاداته وموروثاته ، فتتحفظ في التعبير عن مشاعرها ورغباتها ، حتى وهي زوجة وتعيش داخل الاطار الذي يقبله المجتمع للشراكة ،وتبقى أسيرة العقل الذي تم تعيينه حارسا على باب قلبها.
تبدأ عملية تطويق المشاعر والتحكم بها واخفاءها منذ الطفولة المبكرة ، فتنساب العقلنة الى مسام حياتها وتشكل خيوطا ونسيجا يلفها من رأسها حتى قدميها ، فيتعامل معها أفراد العائلة على أنها الكائن العاقل ، الحكيم ، و تتحول العقلنة الى قيمة تسبغها على كل تجربة تعيشها ، وكل رغبة تطرق باب أفكارها ، وتبدأ بالتصرف حسب ما يتوقعه الآخرون منها لأنهم مجهزون لاستقبال هذا النمط السلوكي من الأنثى وليس غيره ،وتصبح هذه المعايير شرط من شروط تحقيق قبولها الاجتماعي، بينما ينشأ الذكر نشأة تدفعه لانتهاج الفردية كسلوك والتركيز على رغباته الشخصية المباشرة ، الأمر الذي يجعله أحيانا في حالة من الانكار لمشاعر و احتياجات الآخر ، وتعتمد أحكام الذكور الأخلاقية على مبادىء مجردة مثل الحرية والعدالة ، بينما تعتمد الأحكام الأخلاقية لدى الاناث على الاهتمام بالآخرين ومراعاة مشاعر ومتطلبات البيئة المحيطة وتجاهل الاحتياجات والرغبات الشخصية أحيانا ، وهو ما وصفته هنا بالعقلنة.
وعندما نتحدث عن الفروقات بين الجنسين في طريقة التعاطي مع أخلاقيات الحياة ، ونبحث في أسبابها ، يقودنا البحث في هذه الفروقات الى طريقة التنشئة الاجتماعية بين الجنسين ، فالاناث بسبب هذه التنشئة المقيدة والمحافظة ، يتوجهن نحو العلاقات والرعاية والاهتمام بالآخرين وكبت الرغبات الذاتية وتجاهلها ، بينما يتوجه الذكور في تنشئتهم ليكونوا مستقلين أحرار، لا ضير عليهم من التعبير عن الرغبات ، حتى ولو كانت بعيدة عن العقلانية ، لديهم فضاء واسع كي تنمو وتكبر فيها أهوائهم كما يشاؤون، فلا حدود لحركتهم ، مقابل تقييد حدود الأنثى حتى داخل جدران منزلها.
فالأنثى في مجتمعاتنا ، تتجرع الحكمة ، والعقلنة ، ممن سبقنها من اناث العائلة وتبدأ بالتصرف بناء على ما يتوقعه الآخرون منها ، لتتحول هذه القيمة الى وصمة على جبينها ، وتنتقل معها الى بيت شريكها ، تعقلن عواطفها ، رغباتها ، و سلوكها ، وتقاوم فكرة التصرف بحرية داخل اطار الزواج ، واذا نجحت في التغلب على عقلانيتها وقررت أن تتجاوزها ، فان أول من يرفضها هو الشريك ، يرفض أن تخرج عن عقلانيتها ، في علاقة يفترض أن تكون فيها ، نفسها ، بدون قيود أو موانع.
وبعد كل هذا ، تقصى المرأة من ادارة المواقع الحساسة والادارية ، بحجة أنها ، عاطفية ،لا عقلانية، وينمط حضورها، وتواجدها ، ودورها ، لأنها ضعيفة ، تقودها عواطفها ولا تتناسب والمهمات الصعبة ، والقرارات المصيرية.
فالانثى في مجتمعاتنا محرومة من مصادقة ذاتها ، حتى في أخص خصوصيات حياتها ،لا لأنها لا تجيد لعبة الحرية ، ولا لأنها لا تتقن فن الانطلاق والتعبير عن الرغبات والمشاعر، بل لأنها توجه منذ الصغر لهذا السلوك ، فيصبح جزءا من شخصيتها ، تركز كامل طاقاتها واهتماماتها على ماذا يريد الآخر ، مجتمعا ، فردا ، وعقيدة ، وتهمل سماع صوت نفسها ، وينطلي عليها المفهوم القدري للحياة بما يحمله من معاني التفاني والتضحية والنصيب ، ووهم ارادة الله ، وهي ليست في الحقيقة الا ارادة المجتمع والتقاليد.
لقد فشلت المرأة العربية في الاشتراك في الذات الفاعلة والمؤثرة في المجتمع ، في العواطف وفي التعبير عن الرغبات ، وفي السلوك اليومي ، وحتى في السلوك العملي بحجة المحافظة على الأخلاق ، والتمسك بالعقلانية ، فلم يعد في مجتمعاتنا وجود الا لذات فاعلة واحدة ، هي ذات الرجل ، فالنساء لا روح لهن ، و لسن فاعلات، و حتى عندما يغدق عليها المجتمع بالمديح والاطراء و الكلام الأنيق فهو يمتدح جمال المرأة ، و يكرس فكرة أن الجمال هو ميزة النساء فيما الفكر والادراك هما ميزة الرجال ، وتقاد المرأة في عواطفها ورغباتها من قبل الذات الفاعلة (الشريك)، فالمرأة العربية لم تعد تدرك ذاتها الا من خلال انعكاسها في عالم – ما فوق بشري – أي عالم المقدس والالهي .
لقد آن الأوان للمرأة العربية أن تعي حقيقة الفخ الذي نصب لها ، والسجن الذي ساهمت ببنائه فاستسلمت لعملية العقلنة لكل رغباتها وحياتها ، لتخدم المجتمع البطرياركي الأبوي ، وتحط من شأن نفسها ، دون أن تدرك ذلك، وتدخل في حالة الوعي الزائف.
لقد آن الأوان لأن تبدأ المرأة فعلا بالدفاع عن نفسها ، ليس بالعصيان والثورة ، بل بعملية وعي منظمة ، آن الأوان لأن تصبح النساء فاعلات في خلق ثقافة جديدة ، نسوية ، فيها من العقلانية .........لكن الارادة الذاتية فيها حاضرة وليست مغيبة.