أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
ثورات بدون نساء!!

بقلم : الهام ملهبي  ... 22.06.2011

يوم رحيل مبارك ،ووسط تلك الفرحة التاريخية التي غمرت الشعب المصري و كل الشعوب الأخرى معه ، كان أكثر شيء أثار انتباهي و شدني هو الزغرودة التي أطلقتها نوارة نجم في اتصال لها على قناة الجزيرة ، نوارة نجم ابنة الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم التي لمع نجمها أيام الثورة في أحاديثها على القنوات الفضائية بحماسها الشديد و حديثها المشتعل عن الحرية ، هذه النوارة الجميلة لم تجد في تلك اللحظة التاريخية غير الزغرودة تعبيرا عن الفرح .
لقد ظلت الزغاريد عبر التاريخ تعبيرا نسائيا محضا عن الفرح ( الفرح الجماعي طبعا) لم تتوانى النساء يوما عن إطلاق أصواتهن لتصدح بفرح الجماعة ، مزينة الفضاء بنغمة منفردة للجمال الأنثوي.
لكن أين زغرودات فرحنا الشخصي وسط كل هذا ، هل سنظل نعض على الجرح المؤنث بداخلنا و نغني لفرح يركننا على الهامش الى أجل غير مسمى.
هذه الثورات التي تشهدها المنطقة العربية ، و التي جاءت محملة بوعد الحرية لشعوب لم تعرف سوى الهزائم على مدى عقود طويلة، كان يجب أن تحمل الفرح للنساء و الرجال على حد سواء. لكن للأسف ما كان منذ البداية هو الغياب النهائي لمطالب النساء ، انهم يعملون بمنطق الأولويات ، و يؤجلون قضية النساء "الثانوية" الى ما بعد تحقيق الأهداف" الكبيرة" و الأساسية . لكني هنا أقول إن الثورة يجب أن تكون ليس مجرد مطالب محددة ، إنما عقد اجتماعي جديد يقطع مع كل الأفكار القديمة و يؤسس لعهد جديد مبني على مبادئ لا يمكن أن تنفصل أبدا : الحرية، المساواة و العدالة الاجتماعية .لا يمكن أن نفصل مبدأ المساواة عن كل هذا، لأن الحرية لا تتجزأ ، لا يمكن أن نقتطع منها حرية النساء و نسميها حرية .
لقد شاركت نساء مصر في النضال من أجل الاطاحة بمبارك ، خرجن للشارع بشجاعة تماما كما فعلت جداتهن في ثورة 1919، غير مباليات بالأفكار البالية التي تقيدهن ، و كن سيدات قويات في الشوارع و الميادين ، معتقدات أنهن بهذا يقطعن مع عهد قديم ، و أن هذه أول خطوة في طريقهن نحو التحرر. لكن ما سيحصل هو العكس.
بعد شهر من سقوط نظام مبارك ، سيخرجن للشارع بنفس الثقة ، لكن هذه المرة من أجل إسماع صوتهن الأنثوي ، احتفالا باليوم العالمي للمرأة ، فكانت المفاجأة هي أن يجدن انفسهن فريسة للتحرش من قبل أشخاص يحاولون افشال مسيرتهن بالقوة و التخريب .
ثم و بعد ذلك ، يوم 9 مارس ستعتقلهن قوات الجيش ليتعرضن لتعذيب مهين ، و يخضعن لاختبار كشف العذرية، الذي يعتبر أكثر أشكال إهانة المرأة و استصغارها ، إلى متى سيبقى شرف المرأة أداة تستخدم لقمعها و تحجيم دورها في المجتمع ؟ هل جزاء الشابات اللواتي حملن راية الحرية و حملن مبادئ مشرقة معهن و خرجن للشارع من أجل أن يصنعن المستقبل إلى جانب الرجال، هل جزاؤهن هو أن يتم الحط من قيمتهن و اذلالهن بهذا الشكل ؟ و قد برر أحد اللواءات في المجلس الأعلى للقوات المسلحة هذا التصرف قائلا إنهم فعلوا هذا حتى لا تتهم المعتقلات أعضاء الجيش المصري باغتصابهن .. عذر أقبح من ذنب.
هذا فقط مثال و الأمثلة الأخرى لا تحصى ، ليس أقلها هولا ما حكته الصحفية الأمريكية لارا لوجان عن الاعتداء الجنسي الشنيع الذي تعرضت له في ميدان التحرير يوم الاحتفال برحيل مبارك ، و الفنانة شيريهان التي تعرضت للتحرش في الميدان في جمعة الغضب الثانية ، و ما خفي أعظم.
النساء يشاركن في التغيير بشجاعة و يهبن عمرهن و يضحين مثلهن مثل الرجال ، و لا يجدن بالمقابل إلا ما يسلبهن انسانيتهن و مكانتهن الحقيقية التي يسعين اليها. لتبقى بالتالي هذه الثورات ، رغم المشاركة المكثفة للنساء فيها ثورات بدون نساء ، مادامت لم تحمل لهن أي وعد بغد أفضل .
و في اليمن ، كم بدا مؤسفا أن نرى نساء جميلات العيون ، رقيقات الأصوات ، يتحدثن بلغة فصيحة بليغة عن الحرية ، دون أن يظهر لنا منهن سوى عيونهن المضيئة بحلم التحرر . و كم بدا صالح مثيرا للشفقة مقارنة معهن في ذلك اليوم حين أعياه الافلاس السياسي و لم يجد أي ورقة رابحة يتكأ عليها، فما كان له سوى أن يصرخ : امنعوا الاختلاط في المظاهرات .. امنعوا الاختلاط في المظاهرات .. ، لكن حفيدات بلقيس كن سيدات الجرأة و لم يترددن في الدفاع عن كرامتهن التي مسها هذا الطاغية في العمق، و خرجن في مظاهرة حاشدة منددة بكلامه و مطالبة برحيله . و كان المشهد اكثر ألما من المشاهد السابقة ، حشود هائلة من نساء يصرخن عاليا مطالبات بالحرية ، لكن السواد يخفي وجوههن و يمنع عن ملامحهن أشعة الشمس و خيوط النور.
و في ليبيا كان مشهد تلك المحامية الجريئة إيمان العبيدي مثيرا للألم و مستفزا للغضب ، و هي تصرخ امام الصحفيين لتفضح ما تعرضت له من اغتصاب شنيع من قبل قوات القذافي. ليظهر من جديد أن المرأة مازالت مختزلة في موضوع جنسي ، و مازال وجودها مرتبطا بالشرف ، لكن هؤلاء الذين اغتصبوها نسوا أنها لييبية مثلهم و أنها لا تفرق شيئا عن أخواتهم و نسائهم و أمهاتهم ، لكن عقولهم المريضة وسوست لهم أنها من نساء العدو الذي يجب أن يلوثوا شرفه انتقاما.
و في المغرب ، مازالت حركة 20فبراير مستمرة في احتجاجاتها دون تراجع ، لكن .. دون أن تنتبه الهيئات الحقوقية و المناضلات المنخرطات في هذا النضال و التيارات المكونة للحركة أن مطالبهم خالية بشكل نهائي من أدنى مطلب نسائي . إلى متى يتم تأجيل مطالب النساء ؟ ان لم تكن جزءا لا يتجزأ من مطالب العدالة الاجتماعية و التحرر أين يمكن أن ندرجها ؟ و ما مصير هؤلاء الشابات المغربيات اللواتي نشاهدهن باستمرار في المسيرات يتعرضن للتعنيف ؟ هل سيكون جزاؤهن مثل اخواتهن المصريات ؟ هل سنحاول أن نقنع انفسنا بذلك التبرير الدائم بأن التغيير الديمقراطي يقود بشكل أوتوماتيكي لتحرر النساء ؟
لا أعتقد أن من يتغافل عن رفع مطالب النساء في نضالات حاسمة و تغييرحتمي بالبلاد ، سيكون قادرا على بلورة مشروع جديد يمنح للمرأة حقوقها الكاملة و الحقيقية.
و في استعراضنا لكل هذه الأحداث في البلدان العربية ، تنطرح الكثير من الأسئلة : الى متى سينظر الينا هذا المجتمع دون أن يرى عقولنا و دون أن يرى سواعدنا العاملة و أيدينا المبدعة و أرواحنا المعطاءة ؟ هل سنظل الى الأبد مختزلات في مجرد موضوع جنسي؟
الجواب الشافي بالنسبة لي هو أننا سنظل موضوع الحياة ، سنظل نبدع و نخلق و ننجب و نصنع الحياة و ننثر المشاعر الايجابية هنا و هناك ونشارك في بناء الحاضر و المستقبل تماما كما أرادت لنا الفطرة و الطبيعة أن نكون ، جزءا لا يتجزأ من الحياة .. عكس ما يدعون أن الفطرة أرادت لنا الظل و الانزواء.. سنظل واقفات في صلب الحياة مهما اختزلونا في مجرد موضوع جنسي ، و سيكون لصوتنا أن يرى النور ، صرختنا خافتة كانت أو قوية ، عنيفة أو رقيقة ستصل حتما الى أبعد الحدود.

المصدر: مركز مساواة المرأه