أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
رموز الأزمة الفلسطينية لا تحلها!!

بقلم :  نقولا ناصر* ... 15.09.2012

**(القيادات المحتكرة للقرار الفلسطيني منذ حوالي عقدين من الزمن هي المسؤولة عن الأزمة الراهنة مسؤولية تجعل من الصعب جدا عدم شخصنتها: فهذه القيادات بأشخاصها معمرة ومخضرمة وعمر الأزمة الوطنية من أعمار أصحابها)
كان المقرر أن يرأس الرئيس الفلسطيني محمود عباس برام الله في الضفة الغربية المحتلة اليوم السبت اجتماعا قياديا يضم أعضاء اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة فتح والأمناء العامين للفصائل الأعضاء في المنظمة وشخصيات وطنية لبحث الأزمة الوطنية السياسية والاقتصادية الراهنة، وليس من المتوقع أن يتمخض الاجتماع عن أي جديد نوعي يقود إلى تغيير جذري في الوضع الراهن سواء من الناحية السياسية أم من الناحية الاقتصادية يلبي الحد الأدنى من مطالب الحراك الشعبي، الذي يتوقع إضافات إلى الإجراءات التي اتخذها رئيس حكومة تسيير الأعمال د. سلام فياض ووصفها الحراك الشعبي وقيادات مشاركة في الاجتماع بأنها كانت "غير كافية".
وهذه القيادات هي المحتكرة للقرار الفلسطيني منذ حوالي عقدين من الزمن، مستقوية ب"شركائها" في "عملية السلام"، وبالتالي فإنها هي المسؤولة عن الأزمة الراهنة مسؤولية تجعل من الصعب جدا عدم شخصنتها: فهذه القيادات بأشخاصها معمرة ومخضرمة وعمر الأزمة الوطنية من أعمار أصحابها الذين لا يبدو في المدى المنظور ما يشير إلى قرب تغييرهم لتجديد شباب القيادة واستراتيجيتها وأساليبها في العمل الوطني.
لذلك لا يكون من التجني الاستنتاج بأن أشخاص هذه القيادات قد تحولوا فعلا، أفرادا وجماعة، إلى رموز للأزمة الوطنية وجزء من أسبابها، لا جزءا من حلها، ولهذا السبب على وجه التحديد ليس من المتوقع من اجتماع السبت أو من اي اجتماع لاحق لهم أن يتمخض عن أي جديد نوعي يقود إلى تغيير جذري في الوضع الراهن.
وبقدر ما هي الأزمة المالية – الاقتصادية الحالية دليل على فشل المشروع الاقتصادي لفياض وحكوماته المتعاقبة، فإنها دليل على فشل المانحين الأجانب والعرب الذين تبنوه وحكوماته في الوفاء بتعهداتهم لإنجاح مشروعه، تماما بقدر ما هو إصرار عباس وقيادييه على التوجه إلى الأمم المتحدة بالرغم من الضغوط الأميركية والعربية لثنيه عن ذلك دليل فشل لمشروعهم "الوطني" السياسي ل"حل الدولتين" في إطار الرعاية الأميركية للاتفاق عليه مع دولة الاحتلال الإسرائيل ودليل فشل الولايات المتحدة في وعودها وجهودها لإنجاح هذا المشروع.
إنه فشل استراتيجي موضوعي وشخصي، فردي وجماعي، لكل أطراف ما سمي "عملية السلام".
لذلك فإن تركيز كل الأضواء على شخص سلام فياض كعنوان للأزمة، ورمز لكل هذا الفشل، والمطالبة برحيله دون غيره، فيه الكثير من التجني الشخصي الذي يكاد يحوله إلى "كبش فداء" من المؤكد أن التضحية به لن تحل الأزمة الوطنية المزمنة المركبة ولن يوقف رحيله الفشل الاستراتيجي متعدد الأطراف.
صحيح أن فياض كان منذ حوالي تسع سنوات عنوانا لتطبيق اتفاقيات أوسلو من جانب فلسطيني واحد، لكن فياض في نهاية المطاف كان مجرد أداة لتطبيق اتفاقيات لم يكن هو الذي وقعها، فهو جزء أضيف لاحقا إلى منظومة كاملة من أجل تحسين أدائها من وجهة نظر رعاتها ومانحيها، وجزء من المشكلة لكنه ليس كل المشكلة، وكما قال عباس فإن "فياض جزء لا يتجزأ من السلطة، وأنا أول من يتحمل المسؤولية".
وفي هذا السياق ليست سرا المناورات السياسية التي تستهدف تنصل قيادات المنظمة وفتح من أي مسؤولية عما آل إليه الوضع الفلسطيني بتحميلها لفياض وحده، وكما قال رجل الأعمال الفلسطيني – الأميركي سام بحور فإن قوى أمن السلطة لم تتبع إجراءاتها المعتادة بتفريق المظاهرات المطالبة برحيله بل سمحت لها بالاستمرار، أو كما قالت المستشارة السابقة لدائرة المفاوضات بمنظمة التحرير ديانا بطو: "فجأة، سمح لنا بالخروج إلى الشوارع".
لقد وصفت الصحفية عميرة هاس في هآرتس العبرية الحراك الشعبي الأخير بأنه "أكبر عرض لعدم الرضا الشعبي عن السلطة الفلسطينية منذ وجودها قبل 18 عاما"، ووصفه تقرير لوكالة أسوشيتدبرس بأنه "غير مسبوق"، ووصفه قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال نيستان ألون بأنه "بداية ما يشبه الانتفاضة ... على نحو قد يمثل تحديا لنا"، ووصف رئيس تحرير "القدس العربي" عبد الباري عطوان رد فعل حكومة الاحتلال عليه بأنه "يبعث على الخجل" بعد أن راقبت دولة الاحتلال الاحتجاجات الشعبية "بقلق متزايد، خشية أن يتدحرج إحباط الفلسطينيين من قيادتهم مثل كرة الثلج لتتحول إلى انتفاضة عامة ثالثة ضد الاحتلال الإسرائيلي" كما قال تقرير لرويترز، وبعد أن سارع رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى الأمر بتحويل مستحقات السلطة من الضرائب التي تجنيها حكومته قبل موعدها "بصفة سلفة على حساب العائدات الضريبية" ناقصة ديون السلطة من استهلاك الكهرباء، ضمن إجراءات أخرى منها حث المانحين على الوفاء بتعهداتهم المالية للسلطة والمسارعة إلى دعمها لأن تغلبها على أزمتها المالية "مصلحة مشتركة" كما قال.
لذلك سارعت حكومة فياض إلى التراجع اقتصاديا أمام الحراك الشعبي دون أن تتراجع المنظمة وقيادتها سياسيا، في فصل تعسفي بين الاقتصادي وبين السياسي، واستجابت جزئيا فقط لحرق المحتجين لنسخ من اتفاقيات أوسلو بتقديم "طلب للحكومة الإسرائيلية عبر وزارة الدفاع الإسرائيلية" تطلب السلطة فيه "رسميا إعادة فتح اتفاقية باريس الاقتصادية" لسنة 1994 كما قال وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ لوكالة فرانس برس، في التفاف على المطالبة الشعبية بإلغائها لا بإعادة التفاوض عليها حتى لا يكون التفاوض عليها بداية لاستئناف مفاوضات مرفوضة هي واستئنافها شعبيا.
وقد لوحظ حرص عباس وقيادييه على حصر مطالب الحراك الشعبي بمطالب اقتصادية ل"تخفيض الأسعار واستلام الرواتب كاملة" كما قال، وحصروا استجابتهم الجزئية للحراك بدوافعه الاقتصادية، بالرغم من تحذير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) في تقريره لسنة 2012 الجارية من أن "آفاق التنمية الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في المدى الطويل قد ازدادت سوءا" نتيجة لسبب سياسي رئيسي يتمثل في الاحتلال ك"سبب حقيقي مباشر ... لانعدام الأمن الغذائي الذي يؤثر في اثنين من كل ثلاثة فلسطينيين "، وبخاصة في قطاع غزة، ومما "يثير الذعر أيضا معدل الفقر،الذي يقدر ب 78%، في شرقي القدس"، كما جاء في التقرير.
وهذا الفصل التعسفي المدروس بين الاقتصادي وبين السياسي يفسر حرص السلطة وقيادتها على تجاهل المطالب السياسية للحراك الشعبي بإنهاء اتفاقيات أوسلو وما انبثق عنها، ويفسر حرصهم على منع الحراك الشعبي منعا "أمنيا" من "التماس" مع قوات الاحتلال، ويفسر كذلك التوجه الواضح في إعلامهم وتصريحات مسؤوليهم لحرف البوصلة الشعبية بعيدا عن الاحتلال نحو الانقسام وتحميل المسؤولية عنه وعن الأزمة الاقتصادية معا كاملة للطرف الآخر، وحد وصف المحتجين الذين يتجاوزون السلطة وحكومتها ورئيس وزرائها وقيادتها للتوجه مباشرة نحو "التماس" مع الاحتلال كمسؤول أول وأخير عن الأزمة الوطنية بشقيها السياسي والاقتصادي بأنهم "مندسين" و"منفلتين" و"دخلاء" و"عابثين" و"طابور خامس".
غير أن "الشعب لم يعد قادرا على تحمل وضع يخضع فيه للاحتلال لكنه مرغم أيضا على دفع ثمن الاحتلال" بعد أن "فشلت خطة فياض لبناء مؤسسات فلسطينية تحت الاحتلال" كما قال الأمين العام للمبادرة الوطنية د. مصطفى البرغوثي، لذلك من المتوقع أن "يعود الشعب إلى النضال ... وسوف يتحول في نهاية المطاف ضد إسرائيل" كما قال قيادي في السلطة وفتح ومنظمة التحرير مثل د. نبيل شعث.