أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الفلسطينيون يستعدون للمواجهة بمزيد من الفرقة!!

بقلم : نقولا ناصر* ... 03.11.2012

(بالرغم من تحذير قطبي الانقسام الوطني الفلسطيني من "مواجهة" مرتقبة مع دولة الاحتلال وراعيها الأمريكي، فإن الانقسام يستفحل وتتسع الشقة بين قطبيه)
تحدق المخاطر بالفلسطينيين من كل حدب وصوب، لكنهم يستعدون لمواجهتها بمزيد من الفرقة، وهذا الحال الفلسطيني يستدعي بقوة قوله تعالى "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ"، وقوله في قرآنه الكريم "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا".
فهو حال ربما يلخصه رسم كاريكاتيري نشرته صحيفة "غولف نيوز" الإماراتية باللغة الانكليزية في الثالث والعشرين من تشرين الأول / أكتوبر الماضي يظهر فيه زورق يدور في دوامة تعصف به وعلى متنه عربيان كل منهما ظهره للآخر ويجدف بعكس اتجاه الآخر، ومع أن الزورق كتب عليه اسم "الكويت" إلا أن اسم "فلسطين" ينطبق عليه أكثر.
فرئيس المكتب الاعلامي للحكومة في غزة، ايهاب الغصين، يحذر من أن التصعيد العسكري الأخير ضد القطاع المحاصر "يؤكد" بأن دولة الاحتلال الإسرائيلي "تبيت النية لدفع القطاع نحو مواجهة جديدة قبيل الانتخابات الإسرائيلية" في الثاني والعشرين من كانون الثاني / يناير المقبل.
وكبير مفاوضي منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله، صائب عريقات، يحذر من أن عرض مشروع قرار رفع مستوى تمثيل المنظمة إلى دولة غير عضو في الأمم المتحدة على الجمعية العامة الأممية - - ربما في 15 أو في 29 الشهر الجاري على ذمة وزير الخارجية برام الله رياض المالكي - - "قد يعني المواجهة مع أمريكا وإسرائيل" و"انهيارا فعليا" لسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية.
وبالرغم من تحذير قطبي الانقسام الوطني الفلسطيني من "مواجهة" مرتقبة مع دولة الاحتلال وراعيها الأمريكي، فإن الانقسام يستفحل وتتسع الشقة بين قطبيه، ولا يزال كل قطب منهما يدير ظهره للآخر ويجدف في اتجاه معاكس للآخر، لا بل إنهما يجيزان لهذا القيادي أو ذاك من صفوفهما بالتحريض على "الثورة" على القطب الآخر، بعيدا تماما عن الاحتلال !
وفي الوقت الذي تؤكد منظمة التحرير عزمها طلب الاعتراف بدولة فلسطينية غير عضو في الأمم المتحدة خلال الشهر الجاري، يكشف رئيس دائرتها السياسية فاروق القدومي عن وجود اقتراح جديد "بعودة الضفة الغربية للأردن" ضمن "كونفدرالية أو فدرالية أردنية فلسطينية"، لينفي عريقات أن تكون دولة الاحتلال قدمت عرضا كهذا، دون أن ينفي أن العرض جاء من غيرها.
وبينما تنفي الرئاسة الفلسطينية خبرا عن استقالة رئيس وزرائها سلام فياض، يدور جدل ساخن داخل حركة فتح التي تقود منظمة التحرير إثر الانتخابات البلدية الأخيرة التي تنافست فيها القوائم الرسمية للحركة مع قوائم لفتح متمردة عليها وسط مقاطعة لها حالت دون مشاركة حوالي نصف من يحق لهم الانتخاب فيها، وسط أزمة مالية واقتصادية تقود إلى موجة احتجاجات واضرابات متسعة ومتصاعدة.
والمفاوض الفلسطيني السابق حسن عصفور فسر النفي الرئاسي لخبر استقالة فياض بأنه مجرد "محاولة وقف أي تداعيات" للخبر، وفسر تقديم فياض لاستقالته بأنه "ضربة استباقية" تخير الرئاسة بين "رحيل"حكومته وبين "الدعم الكامل" لها "ولا حل وسط بينهما" مستثمرا الأداء الضعيف لفتح وفصائل المنظمة في الانتخابات المحلية الأخيرة.
وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي يعتبر القيادة "غير مؤهلة" ويقول إن الحركة تدرس عقد "مؤتمر استثنائي" لها ك"مطلب ملح" يكفل انتخاب قيادة جديدة يتطلبها الوضع التنظيمي للحركة "والوضع الفلسطيني" بعامة.
ويؤكد عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي نافذ عزام أن "الواقع الفلسطيني الداخلي لا يبشر بخير" ويمنح دولة الاحتلال "الجرأة" على التصعيد العسكري ضد قطاع غزة والاستمرار في استعمارها الاستيطاني للضفة الغربية.
وفي غزة يترافق تصعيد دولة الاحتلال لعدوانها العسكري مع قصف فلسطيني وعربي سياسي يركز على العصب الحساس للتوازن الدقيق الصعب لحركة حماس بين ثنائية الحكم والمقاومة، وبين الدفاع السلبي وبين المقاومة الايجابية، وبين أولوياتها الاقتصادية الانسانية وبين أولياتها السياسية، وبين استحقاقات العمل كحركة تحرر وطني وبين استحقاقات الانتماء الايديولوجي، وسط اتهامات لها بالانحياز في الانقسام العربي حول العلاقات مع الولايات المتحدة وهي التي كانت حريصة دائما على الحياد بين الأشقاء العرب والمسلمين وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية.
ولا يحسد أي من قطبي الانقسام الفلسطيني على الوضع الراهن الحرج الذي يجد نفسه فيه، لكن استمرار الانقسام يفقد الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وفي المنافي والمهاجر بوصلته الوطنية، فيفتقد وجود قيادة واحدة موحدة له، ويزداد انشقاقا وتشظيا في وقت هو في أمس الحاجة الملحة والعاجلة لتوحيد صفوفه وقياداته، في الأقل استجابة لغريزة البقاء في "مواجهة" مرتقبة يحذر قطبا الانقسام كلاهما منها.
وفقدان البوصلة الوطنية يتضح جليا في الموقف من الأزمة السورية الدموية، حيث يعلن فصيل عضو في منظمة التحرير انضمامه إلى الحكم في القتال، ويعلن المعارضون للحكم عن فصيل فلسطيني يقاتل إلى جانبهم ضد الفصيل الأول، ليصبح مخيم اليرموك الأكبر في سورية ساحة للاقتتال الفلسطيني، بينما القتال ضد الاحتلال ودولته محرم في رام الله ومؤجل أو تقيده "الهدنة" في غزة، ليسفك الدم الفلسطيني في معركة ليست فلسطينية خارج الوطن المحتل بينما يستمر سفكه من جانب إسرائيلي واحد في الساحة الوحيدة التي يجب أن يسفك فيها داخل الوطن المحتل.
ومع ذلك لا يجد الجميع أي حرج في الشكوى العلنية من "تهميش" القضية الفلسطينية عربيا وعالميا، ويحملون المسؤولية عن هذا "التهميش" للشرق والغرب والشمال والجنوب، ولل"ربيع" والصيف والخريف والشتاء، من دون أي نقد ذاتي يحمل المسؤولية المركزية عنه للحال الفلسطيني السائد والمسؤولين عنه.
وهذا الحال الفلسطيني الذي يتشظى من الداخل فيفشل في التفاوض ويعجز عن المقاومة ليس مؤهلا بالتأكيد لأية مواجهة سياسية أو عسكرية، وهو بحاجة ملحة عاجلة إلى خلاص وطني ينقذه من الوضع الراهن الذي يؤهله فقط للانتحار الذاتي، في الأقل ردا على وضع نقيض له في دولة الاحتلال يعزز جبهتها الداخلية استعدادا لأي تصعيد متوقع وأي مواجهة مرتقبة، وضع ينذر بأربع سنوات أخرى لحكم بنيامين نتنياهو الذي أخذ على عاتقه منذ ولايته الأولى عام 1996، التي تولاها على جثة اسحق رابين الأب المؤسس لاتفاقيات أوسلو، إجهاض تلك الاتفاقيات بإفراغها من أي مضمون لها على الأرض.
وإذا كان "الانتظار" والمناورة في الوقت الضائع للمفاوضات هو الاستراتيجية التي لجأت الرئاسة الفلسطينية إليها خلال ولاية نتنياهو الثانية، فإن المزيد من "الانتظار" ليس بالتأكيد هو الاستراتيجية الناجعة لمواجهة نتنياهو في ولايته الثالثة المنظورة التي يأتلف فيها مع المستوطن المتطرف أفيغدور ليبرمان، في ائتلاف بين "مجرمي الحرب" ينذر بالحرب على الشعب الفلسطيني كما حذرت "حماس".
إنه حال فلسطيني خطير لا يترك للشعب الذي يكتوي بناره أولا وآخرا سوى الاستعاذة والتعوذ بالله من شره المستطير على القضية الوطنية ويستدعي بقوة حقا قوله تعالى "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ"، وقوله في قرآنه الكريم "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا".