بقلم : سهيل كيوان ... 15.11.2012
الديمقراطية هي الحسناء المشتهاة لدى المواطن العربي، وقبل أن يتذوّقها بدأت القوى القمعية الآفلة أو تلك التي اعتادت الحياة في ظل القمع بذمّها و'الحط في عرضها' والتشكيك بصلاحيتها للجنس العربي.الديمقراطية ليست وجهًا واحدًا بل هي عدة وجوه، إنها لك وعليك، وهي تنتقد نفسها بنفسها كي تحسّن أداءها قبل أن ينتقدها مدمنو القمع والدكتاتورية.
في عملية التصويت الديمقراطي الحرّ يتساوى صوت الحشّاش والسّكير والملعون والعربيد والأمّي والملحد مع صوت البطل الرياضي وعالم الفضاء وعالم الدين وابن الأكرمين.
للديمقراطية قوانين لا تلائم الثقافة والتربية الذكورية، من يصفع زوجته بإمكانها أن ترميه في السجن باتصال هاتفي بسيط، فالديمقراطية منحازة تمامًا للنساء، ولن يكون بإمكان حضرتك أن تقول لزوجتكباحملي ملابسك وانقلعي إلى بيت أهلكبلأنها كانت تطهو، تغسل، تجلي، تكوي تمسح، وتعد بيتا مريحًا للأسرة عندما كنت تعمل وتجمع المال، ولهذا فهي لا تعتبر عاطلة عن العمل، حتى لو لم يكن عملها رسميًا وبراتب معروف، لأن ما تقوم به في البيت هو عمل من المفروض أن يقوم به شخص ما، وفي حالات كثيرة تستطيع إبعادك عن البيت عشرات الأميال بقرار محكمة، إذا هددتها أو هددت أطفالها.
للديمقراطية عدة وجوه وحتى داخل التنظيمات الديمقراطية التي تنتخب مرشحيها للبرلمان أو رئاسة الحكومات والمناصب، في داخل الأحزاب يوجد قوى ضغط و(لوبيهات) وأثناء التصويت الداخلي يوجد (بلوكات) أي توجد كتل متماسكة متفقة على مرشح ما تتبادل مع كتل أخرى الأصوات الداخلية، يعني أنت تدعم مرشحي للمكان الأول وأنا أدعم مرشحك للمكان الثاني أو الثالث وهكذا تداس الديمقراطية بالأقدام.
نعم على هذه الحسناء مآخذ كثيرة وقد يتسلق الحكم بواسطتها أسفل الناس، ولكن ممكن استبدالهم ومعاقبتهم بسلاح الديمقراطية نفسه، وتبقى الكتل (البلوكات) داخل الأحزاب أفضل بما لا يقاس من نظم توريث الأبناء ومعاقبة الخصوم وتهميشهم وتهشيمهم وحتى اغتيالهم المعنوي والمادي والجسدي، أن ترمي امرأة بك في السجن أفضل بكثير من ذبحها واتهامها بشرفها، أما الشتائم والألفاظ النابية التي تفرزها الديمقراطية فهي تبقى أمرًا جميلا قياسًا بقمع حرية التعبير وسجن وحتى إخفاء معارضي الحاكم وشلته.
صحيح أن ثمن الحرية باهظ جدا، ولكنه ثمن تفرضه الأنظمة الآفلة التي تأبى أن ترحل إلا بأنهار من الدماء، ولكن يبقى ثمن الحرية مهما كان غاليا أرحم من استمرار واقع الدكتاتورية والإرهاب المنظم. ربيع العرب جميل وهو ربيع حقيقي، وهناك من يحاول اغتياله أو شلّه قبل أن يشتد عوده، وهذا ليس ذنب الربيع، صحيح كنا نريد للربيع أن يزهر ثم يثمر بدون ضحايا أو بعدد أقل من الضحايا ولكن ما العمل حين ينقض على الربيع وحوش أدمنت السلطة ولو بشرب الدم، الربيع هذا المولود الطاهر ليس ضعيفا ولا يمكن لأحد أن يقضي عليه، لن ينجح رجال الماضي بجعلنا نكرهه أونتمنى اختفاءه أو نشكك به، العكس صحيح فقدوم الربيع أظهر لنا بوضوح شديد بشاعة النتن الذي كنا وما زلنا نغرق فيه.
في يوم ما كانت لنا أحلام كبيرة عن وحدة العرب وتحرير كل شبر محتل من أرضهم، ولكن الأحلام الكبيرة لا يمكن أن تتحقق بتجاوز الأحلام الصغيرة.
قبل أسبوعين رأينا كيف يحقق الرجل الأسود المولود في بيت من القش في كينيا حلمه، ويصير رئيسا لأعظم دولة في العالم للمرة الثانية، سياسته تجاهنا منحطة وحقيرة، ولكن له فيها شركاء عرب كثيرون، ولكن سياسته الممقوتة ليست سببًا لنكران فضائل الديمقراطية والحرية الشخصية والإمكانيات التي أتاحت لشاب كهذا أن يصبح زعيمًا عالميًا، لو نظرنا إلى حال العربي الذي يأتي ليعيش في بلد عربي آخر لعرفنا الفرق.هل تتصورون أن يصبح فتى وُلد في السودان رئيسا لسورية! مجرد التفكير يعتبر 'وقاحة'، أنا أكتفي بأن نرى مواطنًا سوريًا رئيسا لسورية بشكل حر وبإرادة الشعب وليس بإرادة حزب واحد تسيطر عليه الشللية المركزية، وطبعا لن أجرأ على الحلم بأن يصبح رئيس الوزراء اللبناني من اصل فلسطيني مثلا فهذا تطاول وتجاوز لحدود الأدب.
ولهذا فإن أحلامي صغيرة.
أحلم بانتخابات بلدية نزيهة يعترف المهزوم فيها بهزيمته ويبارك للمنتصر ويعلن استعداده للتعاون معه.
أحلم بأن لا يحرّض المهزوم أبناء عشيرته أو عائلته للانتقام من المنتصر وأتباعه وممتلكاته والممتلكات العامة.
أحلم بأن لا يقوم جماعة المنتصر بإلقاء زجاجات حارقة أو مفرقعات أمام بيوت مؤيدي المرشح المنافس الذي خسر الجولة تشفيًا وانتقامًا واستفزازًا.
أحلم برئيس مجلس بلدي صغير يُنتخب ولا ينتقم من الموظفين الذين كانوا من أنصار منافسه.
أحلم برجل يدخل السلطة فقيرًا أومتوسط الحال ويخرج منها بنفس رصيده البنكي، أو بزيادة طفيفة فقط، لا أن يصبح مليونيرا.
أحلم بأن أرى رئيسًا عربيًا مسجونًا بتهمة التحرش الجنسي بموظفاته.
أحلم بانخفاض نسبة المدخنين العرب نتيجة وعي صحي كبير بأن صحة المواطن تعني صحة الوطن.
أحلم بنساء الوطن العربي يمارسن الرياضة بانتظام، لأن صحة وجمال ولياقة المرأة مصلحة عليا للوطن والأمة.
أحلم بإلقاء النفايات في مكانها الطبيعي وأن لا تكون كل أرض الوطن مكبًا لها، من الزجاجات الفارغة حتى الزبالة النووية.
أحلم بانخفاض أعداد المتسولين العرب حتى اختفاءهم.
أحلم بانخفاض أعداد مرضى السكري العرب.
أحلم بانخفاض نسبة الأميين العرب.
أحلم بازدهار مبادرات العمل التطوعي.
أحلم بأن يحصل العامل والموظف المفصول من عمله على حقوقه كافة بدون مشاكل وبالتراضي.
أحلم برؤية فرق السائحين في كل حي وشارع وقرية ومدينة عربية. أحلم بمراحيض عامة نظيفة ليس فقط في فنادق الخمس نجوم، بل في كل شارع ومقهى ومطعم ومحطة وقود عربية، وفيها كل أسباب الراحة.
أحلم بمحاسبة قانونية وتأديب لمن يعتدون على القطط والكلاب والحمير وغيرها من البهائم.
أحلم بعدم استعمال أبواق السيارات المزعجة إلا للضرورة فعلا.
أحلم بمقاعد غير محطمة في الحدائق ومحطات القطار والحافلات وعلى الشواطئ والأمكنة العامة.
أحلم بأن تكون المصابيح في الطرقات العامة مضاءة غير منقوصة.
أحلم بأن أرى مقالات ونصوصًا أدبية وكاريكاتيرات في الصحف والكتب العربية تناقش أكثر المواضيع حساسية دون تعرض مبدعيها لتهم التحريض الجاهزة، فهل هذا كثير!