بقلم : هيثم محمد أبوالغزلان ... 16.11.2012
بين تسمية الكيان الإسرائيلي عمليته العدوانية ضد قطاع غزة بـ "عامود سحاب"، وتسميتها من قبل كتائب القسام بـ "حجارة سجيل"، وتسميتها من قبل سرايا القدس بـ "سماء زرقاء" تبقى سماء فلسطين ممراً للصواريخ والطائرات والردود الفلسطينية على عملية اغتيال إسرائيل لنائب القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، الشهيد أحمد الجعبري، وترافُق ذلك مع تصعيد في العدوان، وردٍّ عنيفٍ ونوعي من المقاومة الفلسطينية تمثّل بقصف العمق الإسرائيلي، واستخدام أسلحة تُستخدَم لأول مرة. وهذا أجبر رئيس وزراء اسرئيل، بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب، ايهود باراك، ومتحدث الجيش الإسرائيلي يوآف (بولي) مردخاي على الاعتراف: أن أياماً قاسية تنتظر إسرائيل.
هنا يكمن مغزى الصواريخ الفلسطينية التي أصابت تل أبيب وعسقلان وربما ستصل إلى أماكن أخرى، مغزى الرسالة أن الأمن ممنوع على المستوطنين، وأن المعادلة قد قلبتها المقاومة، وأن ما تُخفيه المقاومة من مفاجآت سيُغير ليس فقط المعادلات الموجودة، وإنما الأمور تشير إلى إصرار حقيقي على عملية التحرير وأن المسألة مسألة وقت.. فهذه الصواريخ الفلسطينية استطاعت التغلب على القبة الحديدية الإسرائيلية، ومن المشكوك فيه أن تحقق إسرائيل أرباحاً مالية تقدرها بالملايين من مُشتري القبة الحديدية، بعد فشلها في اعتراض الصواريخ الفلسطينية المنهمرة على العمق الإسرائيلي.
إذاً لم يعد أمام نتنياهو والذي يُواجه واقعاً صعبا، إلا أن يتوعد و"بخوف مستتر وظاهر بين ثنايا الكلمات" من توسيع الحرب، والقيام بالمزيد من عمليات القتل ضد أهل القطاع، متناسياً في الوقت نفسه أن عدوان 2008- 2009، والذي قاده ايهود اولمرت وتسيبي ليفني لم يحقق أهدافه وخرجت المقاومة منتصرة بإفشالها أهداف العدوان. وظلّت الصواريخ الفلسطينية تنهمر على المستوطنات، وعملت المقاومة على تطوير الصواريخ والحصول على ما تستطيع الحصول عليه إعداداً للمعركة التي بات المستوطنون يرون بعضاً من نتائجها.
وحدد إيهود باراك أهداف عدوان "عامود سحاب"، بـ : (1) تعزيز قوة الردع؛ (2) وإصابة الصواريخ الفلسطينية؛ (3) وتسديد ضربات قوية لحركة "حماس"، و(4) تقليص المساس بالجبهة الداخلية الإسرائيلية.
وكتب دان مرغليت في (إسرائيل اليوم): "لا شك في أن "عامود سحاب" قد انطلقت في طريقها بخطوة صحيحة، لكن من المفهوم أن النهاية ستكون قاسية بصورة مميزة".
ويضيف مرغليت: "حددت الحكومة سقف أهداف واقعياً بل انه رمادي مفهوم من تلقاء ذاته عن إدراك أن هذه العمليات لا تحل المشكلة حلاً كاملاً لأنه لا يعقبها اتفاق سلام ولا هدنة أيضاً بل يتم إحراز ردع لبضع سنوات، وهو وفقط هو يمنح سكان البلدات في الجنوب هدوءا نسبيا".
أما أوري مسغاف فقد كتب في (هآرتس): "سيدفع مواطنو إسرائيل الثمن في الأيام القريبة. ويجدر ألا ننساق وراء ردود ابتهاج كثيرين منهم في مواقع الانترنت والشبكات الاجتماعية وألا نتأثر كثيرا أيضاً بالدعم الآلي من قبل أكثر الجهاز السياسي (حتى من المتقاعدة السياسية تسيبي لفني التي لم يستقر رأيها بعد على الترشح في الانتخابات، لكن استقر رأيها على دعم العملية، بسرعة الصوت)".
ويضيف مسغاف: "شاهدنا هذا الفيلم مرات كثيرة. وتميل النشوة إلى الخفوت مع سقوط أول صاروخ خارج المحيط المعتاد لخط المواجهة العسكرية"..
ويخلص اليكس فيشمان في مقال في "معاريف" أن "بانتظار سكان الجنوب عدة أيام من الآلام- وبالطبع توجد دوماً إمكانية أن تتعقد هذه الحملة في اتجاهات غير مرغوب فيها".
وتحت عنوان (حرب بلا نهاية) كتب ايتان هابر في صحيفة (يديعوت) "العملية التي بدأت كانت واجبة الوقوع تقريبا. رئيس الوزراء، وزير الجيش، رئيس الأركان، وزراء الحكومة ورجالات الحكم واعون لصورة الوضع البشعة: فقد عرضت حماس دولة إسرائيل والجيش الإسرائيلي العظيم عاريين، عديمي الوسيلة، يجدان صعوبة في الرد ويفقدان على نحو شبه تام قدرتهما على الردع. لا يمكن لأي دولة أن تسمح لنفسها بوضع كهذا، رغم أن رئيس الوزراء ووزير الجيش، وبالتأكيد عشية الانتخابات، غير قادرين على أن يتصورا أن يُعرضا كواهنين وعديمي الحيلة".
ويضيف هابر "في هذه اللحظة لا نعرف كيف ستنتهي حملة 'عامود سحاب' إذا كانت الحملة ستستمر لبضع ساعات أخرى فقط، لبضعة أيام أخرى أم ربما أكثر من ذلك. وبالتأكيد يحتمل أن يضطرون إلى توسيعها إلى عملية برية، ويحتمل أيضا أن نشهد عمليات مضادة. في كل الأحوال، فإنه ليس 'عامود سحاب' ولا 'عامود نار' ولا الحملات العسكرية هي التي ستحل المشكلة الصعبة التي تسمى قطاع غزة ومنظمات الإرهاب التي وجدت وتجد لها فيه مأوى. لم يكن، لا يوجد ولن يكون حل عسكري للدمل الذي يسمى قطاع غزة"....
وأشارت أسرة تحرير صحيفة (هآرتس) إلى أن "تصفية الجعبري في التوقيت الحالي، عشية الانتخابات، من شأنها أن تتضح كخطأ استراتيجي. فالعنف المتصاعد بين إسرائيل وحماس، من شأنه أن يدهور المنطقة بأسرها.
وتضيف (هآرتس) إن "منظومة العلاقات الهشة على أي حال بين إسرائيل ومصر، والتي تتضمن عدم ثقة ظاهر بين زعماء الدولتين، من شأنها أن تتدهور بسرعة وتتحول إلى مواجهة حقيقية. بيان وزارة الخارجية المصرية والذي جاء فيه أن "للتصعيد الإسرائيلي سيكون تأثير على أمن واستقرار المنطقة بأسرها"، ومطالبة بعض كبار القيادة المصرية إعادة النظر في اتفاق السلام مع إسرائيل هي إشارات مقلقة".
وكتب تسفي برئيل في صحيفة (هآرتس) عن الدور المصري في الأزمة متحدثاً عن إعادة السفير المصري من إسرائيل بسبب تصفية الجعبري لا بسبب أزمة سياسية. فقد أعادت سفيرها وليست إعادة السفير للمشاورة قطعا للعلاقات لكنها تعبر عن تضاؤل مجال الرد الدبلوماسي المصري، بحسب الصحيفة.
ويضيف برئيل إذا استمرت العملية العسكرية وإذا تبيّن أنها توقع قتلى كثيرين من السكان المدنيين في غزة فسيتضاءل احتياطي الردود المصرية لتزيد من تدهور العلاقات، مما قد يعني قطيعة حقيقية.
في العموم استمرار المقاومة في المواجهة، وقدرة الشعب الفلسطيني في القطاع على الصمود، وحالة الوحدة والتضامن البارزة فلسطينيا، وإلى حد ما عربيا، سيكون له مفاعيل كبيرة في تحقيق نصر جديد، ليس للفلسطينيين وحدهم، بل ربما يحرف كل البوصلات الضائعة إلى اتجاه القدس لتحديد ساعة الصفر لبدء عملية التحرير.