بقلم : سمر الاغبر ... 20.07.2011
بادىء ذي بدء اود التاكيد ومن وجهة نظرنا، ان قضايا المراة تكاد تكون متشابهه على مستوى العالم برغم الخصوصية التي تميز وضع النساء في دولها من حيث الثقافة السائدة والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحيطه بها ,وتكاد تكون متقاربه الى حد كبير على مستوى العالم العربي، بسبب الواقع المتشابه في هذه البلدان .
ولا نستطيع ان نناقش هذه حقوق ومساواة المرأة في مجتمعنا الفلسطيني، بمعزل عن الاوضاع السياسيه والداخليه التي تعصف بنا, والتي تؤثر بشكل او بآخر على المطالبه بالحقوق الاجتماعيه عامه وحقوق المرأة على وجه الخصوص, هذه الظروف التي يجب ان لا تُعتبر الشماعة التي تُبرر على أساسها الانتهاكات التي تطال الحقوق، ولا كذلك حجم التمييز الصارخ بحق المراة وقضاياها .
فمن الناحية السياسية يؤثر واقع الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس على حال المراة الفلسطينية، فالى جانب ما تعانيه من اضطهاد اجتماعي وطبقي واقتصادي وقانوني...الخ، فانها تعاني واقع الاحتلال الاسرائيلي بكل ما يعنيه هذا الواقع المرير من ماسي، حيث ممارساته التعسفية من استيطان ونهب للارض وبناء لجدار الفصل العنصري ومصادرة المياه والحواجز العسكرية والاعتقال والقمع بمختلف اشكاله.
والى جانب ذلك يرخي الواقع الفلسطيني بظلاله السلبية على واقع المراة الفلسطينية ليزيد معاناتها وآلامها، حيث يؤثر واقع الانقسام الداخلي على حياتها الطبيعية، فعدى عن التاثيرات السياسية الضارة لذلك، فان واقع الانقسام وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وسعيها "لحمسنة" المجتمع الفلسطيني من خلال فرض القوانين والاجراءات التي تتنافى مع القانون الفلسطيني الأساسي، وتحد من الحريات الشخصية والعامة، اثر بشكل مباشر على مجموع المكتسبات التي حققتها المرأة خلال الفتره الماضيه، وقطع عليها التسلسل الطبيعي لتطور واقعها وتحقيقها للمزيد من الانتصارات على جبهة انتزاع حقوقها العادلة، كما ان واقع الانقسام الذي لم يلمس أي تغير فيه برغم توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة، اوجد حالة من الاحباط والقلق والخوف في اوساط نساء شعبنا، حيث بات الجميع مهدد بسبب حالة الاحتراب الداخلي، ابتداء من المس بالكرامة الشخصية، مرورا بلقمة الخبر التي اضحت مغمسة بالدم والمهانة، وصولا لازهاق الارواح دون مبرر .
وعندما نتكلم عن حقوق المرأة فانني اعتقد اننا لا نلوم الرجل وهو ليس بالخصم الاساس والمنتقص لهذه الحقوق ,وانما هي الثقافه المجتمعيه الذكوريه والتفسيرات الدينيه ومجموعة القيم والعادات والتقاليد المتأصله في مجتمع كمجتمعنا، والتي تحكم تفاعلاته العامة, والتي تذهب ضحيتها المرأة والرجل في آن واحد مع القناعه الاكيده ان المرأة هي الاكثر تضررا بحكم الواقع الذي اوجدها كطرف اضعف من الناحية القانونية والاقتصادية والثقافية، وفي هذا السياق اقول بصراحة، ان اكثر ما يشكل خطرا على هذه الحقوق والنجاح في معركة انتزاعها هي المراة ذاتها، حيث نجد الكثير من نساء بلادنا تعشش في عقولهن الكثير من المفاهيم المتخلفة، واصبح ذلك يشكل قناعة لديهن، حتى بات القناعة بواقع الاضطهاد وكأنه سُنة الحياه، او ان الوضع الطبيعي للمراة هو هكذا، بمعني الرضوخ او الرضى لواقع المهانه في بيتها او بانها مكسورة الجناح ولا حول ولا قوة لها، او القبول بان لا يكون راي لها، او في سلبها الحق في التعليم واختبار الزوج ..الخ من مظاهر الاضطهاد والتخلف، وهذا راجع بالاساس الى ثقافة المجتمع ووضعهن الاجتماعي والاقتصادي..., وما تعانيه النساء من قمع واضطهاد وغياب للمعرفه ,فاذا كان حال غالبية نساء بلادنا على هذه الشاكله، الى جانب ان الكتير منهن واللواتي يدركن واقع الاضطهاد ويرفضنه نظريا دون استعداد للتفاعل الحي مع متطلبات تغيره من خلال المشاركة وتعزيز جبهة النضال المشترك لقهر واقع الذل والاضطهاد الذي تعانيه نساء بلادنا سواء كان ذلك على المستوى الخاص او العام المشترك، اذا كان هذا هو حال الغالبية فكيف يمكننا نحن النساء ان ننتصر على جبهة نضالنا من اجل انتزاع حقوقنا امام قوى متعددة الاطراف تسعى لسحق المراة في كافة المجالات ؟
وللإجابة مباشرة على السؤال المطروح، اقول، هناك العديد من المكتسبات التي حققتها المرأة رغم ما مرت به في مراحل النضال الاولى وما قبل دخول السلطه من تغليب للهم الوطني على قضاياهن المباشره الحقوقيه والمطلبيه,فمعالم الحركة النسويه في ذلك الوقت لم تكن قد تبلورت بعد,وخصوصا لدى مجموع النساء المنضوي تحت راية ولواء احزاب وفصائل العمل الوطني باستثناء بعض القضايا المطلبيه التي تبنتها بعض اطر اليسار الفلسطيني، والتي لم تتناولها كقضايا مركزيه لتحدث حاله من التراكم للبناء عليها كالمطالبه بجعل الثامن من آذار عطله مدفوعة الأجر مثلا .
وبعد نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية، وانتخاب المجلس التشريعي الاول، اصبحت الارضيه خصبه لاعلاء صوت المطالب النسويه لقطف ثمار نضالاتها الوطنيه من خلال التشريعات والقوانين ومدى موائمتها لحقوق الانسان وعدم تمييزهاومساواتها مع الرجل والتي تمثلت بوثيقة الاستقلال والقانون الاساسي ، حيث فرض الواقع الجديد تداخلا جدليا بين واقع النضال الوطني والنضال الاجتماعي، فقد أصبح من الموضوعي تاثير كل منهما في الاخر، وبما ان الاساس ان تكون الاحزاب السياسية الطليعة الوطنية والاجتماعية في مجتمعنا، وهي الاقدر على حمل قضايا المرأة ، لكنها لم تستطيع إحداث قفزة نوعية لتقليص مساحة الاضطهاد والتمييز الذي تعانيه نساء بلادنا وكان لها الدور الاضعف في عملية التغيير بالمفاهيم المجتمعيه , فالحركات والاحزاب السياسيه وخصوصا اليساريه منها كانت ملزمه بأن تضع قضية المرأة في محور اهتمامها مادامت تسعى الى احداث تغييرات اجتماعيه وسياسيه عميقه يستحيل انجازها دون اشراك مكونات المجتمع كافة بما فيها مؤسسات المجتمع المدني.
إن مشاركة النساء في مواقع صنع القرار بشكل عام، وفي الاحزاب السياسيه بشكل خاص، هي الطريقه الافضل لاحداث عملية التغيير الجوهريه في شكل ومضمون الحزب السياسي وفي شكل ومضمون الاهداف والقضايا التي يحملها اي حزب سياسي، بل ان ذلك اصبح احد المعايير الاساسية لقياس مدى تقدمية ويسارية أي حزب سياسي، كما ان مشاركة المراة الواسعة في أي حزب سياسي يعطيه قوة نابعه ومستنده الى اساس ان المرأة شريك، وهي مساوية وتنافس الرجل في كافة التفاصيل، الامر الذي يعزز من مصداقية هذا الحزب لدى شرائح كبيره بالمجتمع ومن اهمها النساء, لا سيما في ضوء ما نعانيه كشعب من احباط وعدم ثقه تتزايد بغالبية الاحزاب السياسيه، بسبب ضعف نضالها في ميدان الكفاح الاجتماعي، وبخاصة فيما يتعلق بقضايا المراة وما تواجهه من الاف القضايا التي تزاحم الاجندة اليومية للنساء ،مما ادى الى هجرة من الاحزاب بشكل عام وخاصة من الكادر النسوي بسبب عدم وضوح مواقف هذه الاحزاب تجاه القضايا الحقوقيه المجتمعيه الاكثر الحاحا كقضية التمييز ضد المرأة,في حين تحولت هذه القضايا الى مسؤوليه مؤسسات المجتمع المدني المرتبطه مباشره بالمنح والتمويل الاجنبي العنوان الاساس لمعظم من هجرن احزابهن ,ولما يمكن ان توفره هذه المؤسسات من اغراءات ماديه لهن,اضافه الى ان تلك الاحزاب وبالذات اليساريه لم تقدم سوى شعارات فضفاضه خاليه من مضامينها حول قضايا العدل والمساواة مقابل خطاب ديني غيبي استطاع بالترغيب والترهيب في بعض الاحيان ان يقدم اجابات عن الهموم والقضايا الحياتيه.
وهنا تجدر الاشارة ومن باب الانصاف الموضوعي بان هناك احزابا سعت لان يكون للمراة موقعا متميزا في هيئاتها القيادية من خلال تخصيص كوتة تمثيلية لها ،الا ان الوصول للمواقع المتقدمه كانت وفي اغلب الاحيان تتم بشروط الرجل حيث تتأقلم معظم النساء الحزبيات مع الذهنيه الذكوريه للوصول والحفاظ على مواقعهن. حيث يتم بالاغلب توزيع المهام داخل الهيئات على اساس الادوار التقليديه النمطيه,. اضافه الى عدم تملك بعض كوادر وكادرات هذه الاحزاب للوعي والفكر التقدمي اليساري الذي يمكنهمن من مواجهة الفكر الذكوري داخل الحزب وفي الحياة العامة.
وهنا أشير الى ضرورة ان تقرن كافة الاحزاب التي ترفع شعار الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية قولها بفعلها على الأرض، لا أن تبقى هذه الشعارات مجرد ديكورات لتلميع صفحة هذا الحزب او ذاك . كما ان بعض الاحزاب لم تستطع ان تتعامل مع من تبقى لها من قاعده نسويه فلا هي استطاعت ان تستعيض بهن عن خسارتها ولا هي كانت قادره على انتاج فكر وتبني قضايا لاستقطاب حالات مميزه.
وفي محاوله للخروج من هذه الازمات التي تعاني منها النساء عموما والمرأة الحزبيه بشكل خاص أري الأتي :
1- توسيع مدي وقوة وتأثير عمليات الضغط على صناع القرار الرسمي سواء كان ذلك على مستوى الحكومة او المجلس التشريعي، للسعي من اجل اقرار التشريعات والقوانيين التي تحمي المرأة وتساعدها على تحقيق مبدأ المساواة التي تناضل من اجله .
2- اعتماد الاحزاب لقضايا المرأة والمساواة من خلال اشراك حقيقي وفاعل لكوادره النسويه تتناغم وتتلائم مع فكره القائم على العدل والمساواة.
3- تبني الاحزاب للقضايا النسويه المتعلقه باضطهاد المراة بالمجتمع كقضايا القتل على خلفية ما يسمى "بالشرف"...الخ
4- تعبئة قواعد وكوادر الاحزاب لتعزيز مفهوم مشاركة المرأة السياسيه,واعطاء الفرص لتمكين عضوات واعضاء التنظيم فكريا ونسويا.
5- توحيد المرجعيات الفكريه والسلوكيه لدى اعضاء وعضوات التنظيم.
6- تعديل في البرامج الداخليه لاحزاب اليسار لتضمين الرؤى النسويه في برامجها ومعاقبة كل السلوكيات ومنهجيات العمل التي تتناقض وتتنافى مع الفكر التقدمي الحر في الحياة العامه والخاصه لان سلوكيات افراد التنظيم هي مؤشر مهم لنظرة الحزب للقضايا الحساسه بالمجتمع.
7- محاربة تسرب ثقافة الاستكساب التي تسربت للجزء الاكبر لوعي وسلوك نساؤنا، حيث باتت مشاركة غالبية النساء في الدفاع عن قضاياهن المطلبية ترتبط بمدي استفادتهن المباشرة من هذه المشاركة .
8- إعادة النظر في البرامج النسوية التي تعمل عليها مؤسسات المجتمع المدني التي تختص في المجال النسوي، بهدف تقيم المرحلة السابقة، وفحص إذا ما حققت برامج عمل هذه المؤسسات قفزة نوعية في وعي وسلوك المرأة، وفي مدي انتمائها لقضاياها، ووضع الخطط المشتركة بأفق استراتيجي تنموي بعيدا عن سياسة الخضوع لسياسة واعتبارات جهات التمويل .
تحياتي للجميع .. والى الأمام من اجل واقع أفضل لكافة نساء بلادنا