بقلم : عبد الغني سلامه ... 17.09.2011
المرأة في المجتمعات الشرقية خصوصا تكابد وتعاني من إشكالية تاريخية وتتعرض لظلم مركب، وهذا لا يعني أن المرأة في المجتمعات الغربية بأحسن حال،
والمرأة كنتاج للمجتمع العربي المأزوم، تعتبر جزءا أساسيا من أزمته، ونتاجا لها وضحية من ضحاياها، تدفع الثمن غاليا من حريتها وكرامتها ومستقبلها المهدور على عتبة القهر الاجتماعي، وطالما بقي المجتمع غارقا في أزماته العديدة ستبقى المرأة تعاني وتكابد.
والوضع المزري الذي وصلت إليه المرأة نتج عن تداخل ثلاث عوامل وهي :
الأول : نظرة المرأة لنفسها وعدم إيمانها بدورها وحقوقها.
والثاني : نظرة المجتمع الذكوري للمرأة نظرة دونية سلبية.
والثالث: مجموعة القوانين التشريعات المتخلفة السائدة حاليا في معظم الأقطار العربية.
ولعل اضطهاد المرأة كان أول اضطهاد في التاريخ، أي قبل الاضطهاد الطبقي واضطهاد الشعوب لبعضها، فبعد أن حظيت بالمكانة المرموقة في المراحل الأولى من تاريخ الإنسانية، حدث الانقلاب الدرامي في تعامل الرجل مع المرأة، ومن ثم نظرة المرأة الى نفسها، تلك النظرة السلبية المنطلقة من الضعف والمتأثرة بالظلم الاجتماعي.
ففي وقتنا الحاضر، نرى نساء يتحيزن للرجل، ويتنكرن لحقوقهن ومطالب جنسهن تحت تأثير دعاوى غيبية وأيديولوجية، أو بسبب الموروثات الثقافية.
والتناقض ما بين طموح المرأة والخطاب الذكوري المخصص لقهرها، ولّدَ لديها صراعا نفسيا مريرا، جعلها تنكفئ على ذاتها وتتقوقع في بوتقة خاصة على مقاس الرجل، زج فيها كل مفاهيمه الأنانية والمتخلفة عن الأنوثة والأمومة وطبيعة المرأة وواجبات الزوجة .. حتى أُستُلِبت فكريا وتأقلمت مع هذه المفاهيم، فقنعت بأن تكون متاعا أو سلعة تُعرض في الدعايات التجارية ودور الأزياء وأحيانا في سوق النخاسة، أو أن تبقى تابعة للرجل متنازلة عن حقوقها الطبيعية، وتقبع في الدرجات السفلى للسلم الاجتماعي، راضية بما اقتنع به عقلها المستلب وانسجم مع تفكيرها السطحي، بأن أنوثتها لا تكتمل إلا من خلال تبعيتها للرجل، ونسيت كليةً أن عليها واجبات وطنية وسياسية واجتماعية تماما مثل الرجل.
وحقيقة الأمر أن نظرة الطبقات الاجتماعية تجاه المرأة لا تختلف فيما بينها إلا من حيث الكم والشكل فقط، أما الجوهر فهو سيان.
فالمرأة عند الطبقات البرجوازية ما هي إلا ديكوراً وشكلا جمالياً تتباهى به العائلات الثرية وتوليه اهتماما خاصا.
والمرأة عند العشائر والقبائل قربانا يذبح على عتبة المشهد القبائلي المتخلف، فتُهدى لابن شيخ القبيلة؛ من أجل عقد صلح ما، أو تُطلَّق من زوجها كإعلان حرب، وهكذا.
والمرأة عند الطبقات المتوسطة والمتعلمة هي أفضل قليلا، وإن كان ما يزال ينظر إليها على أنها مجرد حاضنة وولود وخادمة في البيت، أسيرة للتقاليد والأعراف.
والمرأة عند الطبقات المسحوقة والفلاحين على أسوأ حال؛ فهي إلى جانب كل هذا الظلم مطالبة بالعمل في الحقل أو المصنع أو البيت، حتى لا تجد في النهاية صدرا يحتضنها، أو أذنا تسمع شكواها.
إذا فجميع الطبقات الاجتماعية، على اختلاف مستوياتها الاقتصادية والثقافية عاملت المرأة على أنها شيء، أو قطعة أثاث، أو مجرد خادمة، وفوق هذا العسف والإرهاق النفسي كانت المرأة تتحمل أعباء الأولاد والبيت والزوج واحتياجاته التي لا تنتهي، وهي مطالبة بأن تتكيف مع مزاجية الرجل وأنانيته، وان توفر له الراحة والمتعة دون أن تشتكي.
والجميع نسي وتناسى أن المرأة انسانة لها كافة حقوق الرجل، وعليها واجبات معينة، ولها شخصيتها الاعتبارية ورغباتها وتطلعاتها وآلامها، وأنها ليست مجرد جسد بلا روح.
ومع أن تعاليم الإسلام تحدثت عن حقوق المرأة وكرامتها، وكذلك فعلت القوانين العصرية، حيث منحت المرأة المساواة مع الرجل وكفلت حقوقها المدنية، إلا أن المجتمع ما زال يحرمها هذه الحقوق ويعرضها للإهانات وسوء المعاملة.
وعند الحديث عن حقوق المرأة يثور الجميع ويرعد ويزمجر، علما أنه لا يحدث شيء من هذا القبيل عند الحديث عن حقوق الرجل !!
وأول من يثور ويعترض هم الإسلامويون، فيتشدقون بعبارات جاهزة وجمل محفوظة، بأن الإسلام قد أعطى المرأة جميع حقوقها، ولا داعي للحديث في هذا الشأن، والمطلوب فقط هو تطبيق الإسلام .. وهذا الكلام الجميل عيبه الوحيد انه غير واقعي وغير عملي.
ونفند هذا الرأي في ثلاث نقاط:
الأولى: صحيح أن الإسلام قد أعلى من شأن المرأة (نظريا) كما لم يفعل أي دين آخر، فاسترد جزء من كرامتها وإنسانيتها وأوصى بأن تعامل احسن معاملة، ولكن النصوص الإسلامية بمجموعها لم تشكل لوائح داخلية كاملة ومفصلة تكفل حقوق المرأة وتنظم أمورها وتحل مشكلاتها، والسبب في ذلك وحسب ما يقوله بعض الإسلاميين التقدميين: أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي في زمن نزول القرآن لم يكن مهيئاً لهذه النقلة النوعية، التي قد تسبب انهيارات كبرى في النسيج الاجتماعي والبناء الاقتصادي، فأراد الإسلام أن يتم هذا التحول على دفعات وبالتدريج ليصل في النهاية إلى الغاية المنشودة من إحقاق وإنصاف للمرأة، وعملية التدريج والمراحل ليست غريبة عن نهج الإسلام، وعلى سبيل المثال فإن عملية تحرير العبيد لم تتم دفعة واحدة، بل على مدار عقود وقرون تلت زمن النبوة.
بمعنى أن الإسلام قد وضع الأسس والمرتكزات والمبادئ العامة لتحرير المرأة وإعلاء شأنها وإنصافها، ثم ترك المجال مفتوحاً للبشر بأن يجتهدوا ويشرّعوا بما يتناسب مع تطوراتهم الاجتماعية، وبما يحقق نفس الغاية، وينطلق من نفس الأسس، على قاعدة ثبات النص وتحرك المحتوى، والحاجة إلى تطوير التشريعات المدنية في كل مرحلة تاريخية، ولهذا السبب بقيت بعض القضايا العالقة والمثيرة للجدل في النصوص الإسلامية مثل الجواري والعبيد والسبايا وما ملكت إيمانكم .. ليتسنى للمسلمين تأويلها وتطبيقها وفق تطور الوعي الاجتماعي. بينما يرى علمانيون يخالفونهم الرأي أن عملية التدريج في تحرير العبيد والمرأة لم تفض إلى النتائج المرجوة، بل على العكس فقد تزايدت أعداد العبيد والجواري في زمن الدولة الإسلامية إلى حد اللامعقول.
الثانية: أن النصوص الإسلامية موجودة كما هي منذ نزولها وتدوينها ولم يطرأ عليها أي تحريف، وهي نصوص اختلف العلماء على تأويل المتشابه منها وتفسير المحكم منها، ولكن الجميع، علماء وعامة، اتفقوا على عدم تطبيق هذه النصوص روحا ومعنى، فالدولة الإسلامية عل امتداد الأربعة عشر قرنا الماضية لم تطبق الإسلام تطبيقا صحيحا، والمجتمع الإسلامي انحرف عن مبادئ هذا الدين، بشكل خاص في القضايا التي تمس مصالح فئات اجتماعية معينة، أو تتعارض مع طبيعة البشر القائمة على الأنانية والخطأ.
بمعنى أن الإسلام أعطى المرأة حقها في الميراث ولكن المجتمع حرمها هذا الحق، والإسلام يقـول "خيركم، خيركم لأهله" والرجل يعربد في بيته ويتعسف بلا رادع، والإسلام يقول "النساء شقائق الرجال" والمجتمع مازال ينظر للمرأة نظرة دونية، والإسلام يقول "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة" والمجتمع يحرم المرأة من حقها في العلم، والإسلام منح المرأة حقها في العمل والخروج والمشاركة والجهاد والسفر والتعليم واستقبال الضيوف واختيار الشريك وطلب العصمة وتنظيم النسل وطلب الطلاق في حالات معينة، وتولي المناصب العامة، وكفل حقها في المهر والنفقة وغيرها، لكن مازال المجتمع يصر على سلبها كل هذه الحقوق، بل واضطهادها، وهذا السلب والاضطهاد ليس وليد اللحظة، بل مورس بكل بشاعة قبل الإسلام وبعده، وعلى امتداد الأربعة عشرة قرنا الماضية، هي فترة حكم الخلافة الإسلامية، ولم تردع الآيات الكريمة ولا الأحاديث الشريفة الرجل عن مزاولة اضطهاده وظلمه للمرأة.
الثالثة: إن كثير من المفاهيم السائدة حول المرأة في الثقافة الإسلاموية السائدة، هي أصلا وافدة من ثقافات محيطة وأهمها الفارسية، كما أنها تأثرت باليهودية إلى حد ما، ومنها ما كان سائدا عند العرب قبل الإسلام، وقد تعامل الفقهاء فيما بعد مع هذه المفاهيم كما لو أنها هي صلب الإسلام وعماده وجوهره، وصار الخلط ما بين ما هو ديني وما هو اجتماعي، وما هو من عند الله وما هو من عند البشر، ومن وحي هذه المفاهيم شن الفقهاء حربهم على المرأة، فسلبوها الكثير مما أعطاها الإسلام، فمثلا يقول الفقهاء أنه لا يجوز للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها، ولا يجوز أن تسافر دون مرافق ذكر، ولا يجوز لها تولي المناصب العامة ولا حتى الإمامة في الصلاة، وهي غير مطالبة بصلاة الجمعة ولا صلاة العيد ولا صلاة الجنازة ... فإذا كانت العبادات ترتبط بالتكليف، فبداهة أن لا تُطلب هذه العبادات من المجنون أو الطفل، وطالما أن العبادات والطقوس التي تُؤدى على المستوى الجماعي مقترنة بالثقافة الجماعية والواقع الطبقي الاجتماعي، فإنه من الطبيعي أن توضع ضوابط ومعايير لهذه الطقوس الجماعية، كتحديد أمكنتها ومواقيتها وكيفيتها والمؤهلين لتأديتها، فمثلا لا تجوز إمامة الإعرابي في أهل الحضر، ولا إمامة الطفل بحضور الكبار، ولا إمامة العبد للأحرار، ومجهول النسب لا يؤم ذوي الأنساب المعروفة !! ومن هذا المنطلق العنصري والطبقي الاجتماعي جاء منع المرأة من الإمامة وصلاة الجنازة والجمعة .. وذلك بهدف إقصائها من الحياة العامة والسياسية، ولحرمانها من حق مساواتها بالرجل.
وفي كثير من كتب الفقه تكاد لا تجد لفظة العبيد والأطفال إلا وأضيف إليها "النساء"، وأحيانا تضاف مع المجانين والحيوانات !!
ولم يطبق هذا المجتمع الإسلاموي سوى آيات تعدد الزوجات والجواري.
ومن هنا تبرز الحاجة لسن تشريعات عصرية تنطلق من روح الإسلام وجوهر الدين، وتتلاءم مع طبيعة العصر، وتحقق كرامة المرأة والإنسان، على أن تتضمن هذه التشريعات آليات عمل ومراقبة، لضمان تطبيقها، ومحاكمة من يخرج عنها وفق القانون.
وهذا سيقودنا للحديث عن تأثير آخر هام لإسلام الفقهاء والمذاهب على المرأة العربية، تأثيراً ترك بصماته البينة على وضع المرأة كإنسان، وعلى المجتمع بصورة عامة، ألا وهو فهم وتفسير هؤلاء الفقهاء لموضوع الحجاب والإختلاط .. وهذه المواضيع برزت في القرن الأخير بدوافع سياسية اجتماعية أكثر مما كانت تعبيرا عن آراء فقهية، فمن المعلوم بداية أن حجاب المرأة في زمن الجاهلية وصدر الإسلام كان أمرا اقتضته الظروف المناخية بالدرجة الأولى بهدف حماية الرأس من الشمس اللافحة والرياح المحملة بغبار الصحراء .. وقد انطبق هذا الوضع على المرأة والرجل على حد سواء، ثم صار تعبيرا عن وضع اقتصادي طبقي حين مُنعت الجواري من وضع الحجاب أو تغطية الرأس، أي أن تغطية الرأس صارت حكرا على الحرائر دون غيرهن، لتمييزهن والحيلولة دون أن يتحرش الشبان بهن.
فإذا كان الهدف من الحجاب منع الفتنة، كما يزعم الفقهاء حاليا، فلماذا يُسمح للجواري بل ويفرض عليهن أن يمشين في الأسواق كاشفات الرأس وربما أكثر من ذلك !! مع العلم أن عدد الجواري في تلك الفترات كان كبيرا جدا ! وتتسائل فاطمة المرنيسي لماذ يخشى الرجال في الإسلام من الفتنة ؟ وتتسائل إذا كان هنالك افتراض بعجز الرجل عن إرضاء المرأة جنسيا، وبأنها نتيجة ذلك ستبحث عن رجال آخرين لتشبع حاجتها، وإذا ما صح الإفتراض بأن طاقة النساء الجنسية أكبر من طاقة الرجال، فهل هذا يفسر إصرار الرجل في المجتمعات الشرقية على حبس المرأة في بيتها.
ومنع الفتنة حسب الخطاب الإسلاموي بهذا المعنى، يعني حجب جمال المرأة وإخفائه عن الآخرين، وفي هذا الصدد يقول الداعية جمال البنا في كتابه عن الحجاب:"أن الإحساس بالجمال والتمتع به وإبرازه مسألة تستقر في أعماق التكوين النفسي للمرأة، كما أن المجتمع بشكل عام يتوقع من المرأة أن تضفي لمسة أنثوية جمالية على المجتمع لتحد من الخشونة والروح العملية الجافة التي تميزه، وأن تلطف من أجوائه القاتمة بروحها الندية الطرية ولمساتها الناعمة التي منحها إياها الخالق المبدع، فالجمال بحد ذاته مطلب إنساني راقي، لا ينكره إلا من تشوهت فطرته وامتلأت نفسه بالقبح والكره، ولكن هذا الدور الجمالي للمرأة يمكن أن يتم دون تكلف، ودون إثارة للفتن، ودون امتهان للمرأة، ويمكن أن يحل الحنان محل الجمال، ويمكن أن تنهض به فئات معينة من الجنسين في مجال الفنون والآداب بحيث يؤدونه باحتراف واحترام، إذ أنه من الصعب ومن غير العدل أن نطالب كل النساء القيام بهذا الدور الجمالي الأنثوي، لأننا سنـزيد من معاناتهن في الوقت الذي ترهقهن أوضاع المجتمع القاهرة، وتنقّل المرأة بين دور الأم والزوجة والعاملة والمواطنة .."
الحضارة الغربية الرأسمالية القائمة على المنفعة والربح استغلت هذا الموضوع وجعلت من جسد المرأة الوسيلة الأفضل في كل الإعلانات التجارية، حتى لو كانت دعاية لطعام، أو ثياب، أو سيارة، أو شفرات حلاقة رجالية !!
الخوف من هذه النظرة كان هاجسا مقلقا في المجتمعات العربية وكثيرا ما اعترته مبالغة غير منطقية، وقد صار هذا الهاجس حجة وذريعة للفقهاء، الأمر الذي أدى إلى تصوير المرأة في نظر المجتمع على أنها مجرد فتنة ينبغي سترها، وهي نظرة فيها امتهان واحتقار للمرأة لأنها تسلبها شخصيتها وكينونتها وإنسانيتها، وتجعل منها مجرد وعاء جنسي، ومجرد جسد لا غير، وكذلك هو امتهان للرجل الذي سيُنظر إليه في المقابل كوحش جنسي بلا مشاعر وبلا ضوابط وبلا أخلاق، يعيش فقط للجنس وينتظر الفرصة السانحة للإنقضاض على أول إمرأة ينفرد بها ! وهكذا سنجد أن هذه النظرة غير الإنسانية قد شوهت معاني الجمال وسلبت الإنسان العربي (ذكرا كان أم أنثى) سلبته إنسانيته ونزلت به إلى مستوى الحيوانات.
والمرأة عادة تتجاذبها عاطفتها كأنثى، وعقلها كإنسان، وأحيانا على شكل صراع مرير، وقد زاد من حدة هذا الصراع آراء الفقهاء المتزمتة التي تتركها في حيرة واضطراب. الحجاب الذي تلبسه المرأة العصرية الآن بدون تزمت ولا مبالغة، وبالشكل الذي يتماشى مع روح العصر كان الحل الأمثل للمشكلة، فهو عملي ويسهل ارتدائه، ولا يكلف الفقراء الكثير .. وهو أيضا حلا لمعضلة الفقيرات اللواتي يعجزن عن مواكبة صرعات الموضة، والحجاب بهذه الصيغة لا يطمس شخصية المرأة لأنه يظهر وجهها ولا ينتقص من جمالها، بل أحيانا يضفي عليه لمسة جمال إضافية، ولكن على أن يكون في نطاق الحرية الشخصية وأن لا يُفرض فرضا بشكل ولون معين.
من خلال هذا الفهم الشامل لوضع المرأة والمظالم التي تعرضت لها، والظروف التي تعيشه،ا وتلقي بظلالها عليها، فتأثر على شخصيتها ونفسيتها وطباعها وسلوكها، نستطيع أن نفهم أهمية دور المرأة كأم في تربية الأولاد وإعداد النشء.
والأم المظلومة المقهورة المكسورة عاطفتها والمسلوبة حريتها ستنشئ جيلا من العبيد، والأم الحرة ستنشئ جيلا من الأحرار، كما أن الأم الجاهلة غير المتعلمة ستنشئ جيلا مهزوما، تربى على الخوف والنفاق والكذب والتهرب من المسؤوليات، ليكون هذا الجيل امتدادا لشخصيتها الضعيفة المأزومة، في حين أن الأم المثقفة المتعلمة هي التي تعرف كيف تعامل أبناءها وتحل مشاكلهم، وتربيهم على الاجتهاد وتحمل المسؤولية، وتنشئهم على والصراحة والحوار المفتوح في جو مليء بالحب والمشاركة والتعاون.
وانطلاقا من مقولة أن فاقد الشيء لا يعطيه، وإن كل إناء بما فيه ينضح، سيكون الجيل الجديد انعكاسا لثقافة الأم وشخصيتها، وامتدادا لوضع الأسرة ومعبرا عنها، فإما أن نستمر في الدوامة حتى نغرق، وإما أن نخلق جيلا معبأ ومنتميا وعزيزا، يصنع الانتصارات، ويبني الأوطان، ويحيك خيوط المستقبل بجهده وعرقه بعيدا عن الاتكالية والعجز.