بقلم : سمر الاغبر ... 26.09.2011
لا تكاد تخلو صحافتنا المقروءة والمسموعة وغيرها من طرح قضايا المرأة الفلسطينية, من خلال ما تطالعنا به من دراسات ومقالات وأبحاث وأخبار على مختلف المجالات والصعد, سواء كان ذلك على مستوى المشاركة السياسية أو على المستويين القانوني والاجتماعي وكذلك الاقتصادي, منها ما أشاد بمجمل المكتسبات التي حققتها المرأة الفلسطينية, وأخرى اقتصرت على سرد تاريخ النضال النسوي مرتبطا بالنضال الوطني والعلاقة الجدلية فيما بينهما، وغيرها من التحليلات والاستنتاجات .
وبرغم أن وضع المرأة الفلسطينية مشابه لوضع أخواتها في المحيط العربي والإقليمي والى حد ما الدولي من حيث مطالبها وقضاياها التي هي قيد النقاش والبحث والنقد والتقييم, إلا أن مستوى تطور أوضاع النساء في كل بلد يرتبط بطبيعة الثقافة السائدة في مجتمعاتها, وهناك خصوصية تميز نساء فلسطين عن سواهن, حيث أن معركة التحرر الوطني في بلادنا فلسطين أثبتت قدرة متميزة للمرأة بسبب مشاركتها فيها، حيث أُجبرت على تغليب الهم الوطني على حساب قضاياها الاجتماعية المطلبية، ولم تلاقي في الوقت ذاته إنصافا لدورها بما يوازي مستوى تضحياتها ونضالها ضد الاحتلال الإسرائيلي .
وبرغم مشاركة المرأة النشطة في الأحزاب والحركات السياسية والعمل الاهلي, ونجاحها في تحقيق بعض المكتسبات التي لا ينكر احد أهميتها يبقى السؤال، هل تمكنت المرأة الفلسطينية ومنذ عشرينات القرن الماضي وحتى وقتنا الراهن صياغة وبلورة حركة نسويه بمفهومها الإجتماعي من حيث المعايير والمرجعيات الأيدولوجية والفكرية كما هو متعارف عليه لأي حركة اجتماعيه؟؟
بالمرور سريعا على مجمل تطور النشاط النسوي في فلسطين ,حيث بدأ تجميع النساء من خلال العمل الإغاثي في مطلع العشرينات مع مشاركتها في الإحتجاجات ضد سياسة الإنتداب البريطاني والهجرة اليهودية, وكان تأسيس أول اتحاد نسائي فلسطيني في بداية العشرينات من القرن المنصرم, ومن هنا بدأ التركيز على القضية الوطنية,حيث شاركت النساء في أعمال المقاومة ونقل السلاح, ولكن وبعد النكبة بدأ الدور النضالي لها بالتراجع لصالح الأعمال الإغاثية والخيرية بسبب ما اتسمت به المرحلة من خسارة مادية ومعنوية عانى منها الشعب الفلسطيني بأكمله.
ترافق تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية, تأسيس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية عام 1964, والذي عمل على تحشيد النساء باتجاه المقاومة وكانت مسيرته مرافقة لمسيرة الهيئة الأم, ومع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات بدأت الأحزاب والفصائل بتشكيل أجسام نسويه كامتدادات جماهيرية لها لحشد المزيد من العضوية ونشر سياسة هذه الأحزاب بين أوساط النساء, وعلى مدار مسيرة هذه الاطر وحتى الدخول فيما اصطلح عليه بعملية السلام, كان العمل الرئيسي لها هو العمل السياسي والانخراط في ميدان المقاومة, ولم تطرح أجندات نسويه حقيقية إلا ما ندر من بعض اطر اليسار, حيث كانت هذه الأجندة تتبع مواقف وسياسات الأحزاب الموالية لها هذه الأطر، مما اثر على استقلاليتها وعلى مستوى تأثيرها، واضعف من وضع قضاياها في سلم الأولوية والاهتمام .
وبرغم الكثير من المكتسبات التي تحققت لاحقا لصالح المرأة, إلا أن الوضع الجديد مع نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية شكل ثورة أصابت أولويات العمل النسوي, وبدأت مشاريع وبرامج مؤسسات ال (NGO,S) تسيطر على عمل المؤسسسات النسوية, وبدأت مجموعه من المفردات والمصطلحات تغزو قاموس هذه المؤسسات والتي بدأت تتشردق بها الورش والدورات واللقاءات، وقد ترافق ذلك مع استبدال مجموع القيم الطوعيه التي تجذرنا عليها لصالح ما اُغدق على تلك المؤسسات والفئات المستهدفه من مغريات مادية, وفي حاله من غياب او تغييب المرجعية الفكرية والأيدولوجية لعمل هذه المؤسسسات وما رافقها من هجرة للقيادات النسويه من أطرها النسوية وحتى من أحزابها السياسية، حيث كان من المفروض عليها مواجهة "تسونامي" مؤسسات " الأنجزة " ومشاريعها، لصالح ما نشأت وترعرت عليه من فكر كان بامكانها الاستفادة منه كأساس لاطلاق مبادرات نسوية تقوم على أسس فكرية وأيدلوجية تقدمية.
شاركن نساء فلسطين بهمة خلال السنوات السابقة على تعديل وسن قوانين تقلص حجم التمييز والظلم الواقع عليهن, مستندات إلى وثيقة الاستقلال وما حملته من مضامين للمساواة والعدالة, حيث تم الإعلان عن الوثيقة النسوية في المراحل الاولى لنشوء السلطة كمرجعية وأساس لتشكل الروح والمرجع الأساس للمشرع, حيث تم تطوير الوثيقة لاحقا, ورغم ما تضمنته الوثيقة من تطور في الخطاب النسوي من حيث تأكيدها على حقوق المرأة ومساواتها في جميع المجالات, الا أنها خلت من مرجعيات فكرية لتناقش وتحلل أوضاع النساء وتضع الطموحات والإستراتيجيات وآليات العمل التي تضمن الوصول الى المساواة الحقيقية، وبناء مجتمع مدني يحتكم الى المواطنة الكاملة والمتساوية لجميع مواطنيه امام القانون بغض النظر عن الانتماءات الدينية او الجنسي لمواطنيه .
ومن أحد التجارب المهمة في تاريخ نساء فلسطين كانت تجربة البرلمان الصوري، الذي كان هدفه الرئيسي مناقشة مسودات القوانين والضغط على المشرع في محاولة لصياغة قوانين تضمن يناء مجتمع مدني قائم على المساواة, الا أن هذه التجربة مُنيت بالفشل لما رافقها من حملات تشهير وحرب مُعلنة من المجموعات التقليدية, ولم تجد من يحتضنها ويدافع عنها خصوصا من أحزاب وفصائل اليسار, والتي كان من المفترض منها تبنيها والدفاع عنها نظرا لتقاطعها مع فكرها ونهجها.
كما كان للحملات واللوبيات الخاصة بمجموعة من القوانين الأثر الإيجابي في التأثير على صانع القرار ,وحققت مجموعة من المكتسبات كقانون الإنتخابات المحلية والعامة وتضمين الكوتا النسوية, وكذلك قانون العمل, وبعض القوانين التي لا زالت قيد النقاش والتجاذب الفكري بين فئات وقطاعات المجتمع كقانوني الاحوال الشخصية والعقوبات...
وبرغم مجموع المكتسبات الإصلاحية والتي تعاملت مع قضية المرأة بسياق مُهادن مع ثقافة المجتمع والمرجعيات الدينية والتشريعية, الا أنها لم تستطع حتى الآن ترسيخ مفهوم المساواة الكاملة، وعجزت عن الحد من التمييز في المجتمع الفلسطيني, وذلك حسب اعتقادي لافتقارها إلى المنهج الثوري والى المفكرين/ات الذين يستطيعون وبصورة واضحة ربط قضايا المرأة بالسياقات التاريخية والدينية والطبقية التي أدت إلى نشوء واقع التمييز ضد المرأة,لينتجوا فكرا تقدميا يتعامل مع خصوصية المرأة الفلسطينية بجراءة وواقعية, إضافة إلى البحث في الوسائل الكفيلة بتعزيز وعي المرأة بقضاياها وحقوقها وبدورها في إحداث التغير المطلوب، لتحقيق أهدافهن وطموحاتهن في كافة المجالات والميادين.
في الختام أود الإشارة إلى أن ما اصطلح على تسميته بالحركة النسوية الفلسطينية، قد أخفقت قبل دخول السلطه في طرح أجندتها وقضاياها وتغليبها للهم الوطني والسياسي على حساب قضاياها وأجندتها الخاصة, هي أيضا أخفقت فيما بعد بتفهم العلاقة الجدلية ما بين الإجتماعي والسياسي في الحالة الفلسطينية, وللتدليل على ذلك قصورها في التعامل مع ملف المصالحة الوطنية, حيث لم تتمكن من أن تشكل حالة جامعة سواء شعبية اونخبوية فصائلية في وجه الانقسام الداخلي، كحالة رفض قادرة اذا ما وحدت جهودها على فعل ما لم تستطع فعله جلسات الحوار والمناكفات, على الأقل من مدخل أن النساء هن الفئة الأكثر تضررا من استمرار حالة الانقسام والشرذمة, لما يشكله من تراجع لمكتسباتها التي راكمتها خلال سنين مضت.