أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
المنطقة العربية تتغير لصالح إيران وحلفائها!!

بقلم : د.فيصل القاسم ... 15.04.2012

لو عدنا إلى الوراء بضعة أعوام لوجدنا أن مسيرة الأحداث والتطورات في المنطقة تسير بشكل واضح لصالح إيران وحلفائها، وبمباركة أمريكية لا تخطئها عين. فليس المهم ما نسمعه من عنتريات أمريكية ضد طهران، بل المهم ما يجري على أرض الواقع من دعم أمريكي غير مباشر لتعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة العربية. فلو عدنا فقط إلى الأشهر القليلة التي سبقت الغزو الأمريكي للعراق لرأينا بشكل واضح كيف بدأت اللعبة الأمريكية الإيرانية على المكشوف، ففي ذلك الوقت كانت واشنطن تحضّر لمؤتمر لندن الشهير لتوحيد صفوف المعارضة العراقية التي ستساعدها في عملية الغزو. ولعلنا نتذكر أن أهم أعمدة المعارضة التي شاركت في ذلك المؤتمر هم أعضاء في الأحزاب العراقية التي تربت وترعرعت في إيران وسوريا. بعبارة أخرى، يمكن القول إن الغزو بدأ بتنسيق أمريكي إيراني واضح. لا عجب إذن أن المفكر الأمريكي جورج فريدمان قال وقتها:" إن أهم حدث في بداية القرن الحادي والعشرين هو التحالف الأمريكي الإيراني". وقد أكد الإيرانيون ذلك التحالف عندما قال نائب الرئيس الإيراني علي أبطحي وقتها:" لولا إيران لما استطاعت أمريكا غزو العراق وأفغانستان". وشهد شاهد من أهلها.
وحدث الغزو الأمريكي للعراق، وراحت أمريكا تقسم البلاد على أساس طائفي مفضوح بقيادة بريمر، مما دفع الأحزاب الشيعية المتحالفة مع إيران إلى الواجهة لتبدأ عملية تسليم العراق لإيران من خلال الأحزاب التي ولدت ونمت ورضعت من الثدي الإيراني. وجرت الانتخابات أكثر من مرة ليفوز رجالات إيران في العراق حسب المخطط المرسوم. (صحيح أن من حق الأكثرية في العراق أياً كانت أن تفوز بالسلطة، لكن الفائزين لم يكن لهم ليفوزوا لولا الدعم والتسهيل الأمريكي لهم). ثم انتهى الاحتلال الأمريكي للعراق لتصبح بلاد الرافدين مجالاً حيوياً إيرانياً بامتياز. ولا ننسى أن حلفاء إيران في المنطقة هللوا كثيراً لخروج أمريكا من العراق ليس احتفالاً بتحرر العراق، بل بسقوطه في الحض الإيراني، ومن ثم انضمامه إلى التكتل الذي بدأت ملامحه تتشكل منذ مؤتمر لندن، أي قبيل الغزو الأمريكي للعراق بفترة وجيزة. ويمتد ذلك التكتل من طهران مروراً ببغداد فدمشق فبيروت. وقد تجرأ العاهل الأردني وقتها على تسميته بـ"الهلال الشيعي".
قد يقول البعض إن إيران استغلت الغباء الأمريكي في العراق، فحصدت هي النتائج بتعظيم نفوذها الاستراتيجي في المنطقة. وهذا طبعاً هراء بهراء. فهل يمكن أن الأمريكيين لم يعلموا منذ اللحظة الأولى أن غزوهم للعراق والتطورات التي أنتجها على صعيد الفرز الطائفي سينتهي بتعاظم القوة الإيرانية؟ إن مجرد خروج السلطة من أيدي سنة العراق بعد سقوط صدام حسين وذهابها لحلفاء إيران كان وحده سيؤدي إلى تغيير الخارطة السياسية في المنطقة لصالح طهران. وهذا ما حدث فعلاً. هل يعقل أن الأمريكيين ومعهم البريطانيون غابت عنهم فكرة أن سقوط العراق تحت العباءة الإيرانية، بالإضافة إلى التحالف الإيراني السوري اللبناني سيصنع تكتلاً مهماً للغاية في المنطقة على حساب بقية العرب، خاصة الخليجيين؟ لا أعتقد أن الأمريكيين والبريطانيين الذين يمتلكون مئات مراكز البحوث ويحفظون تركيبة المنطقة العقدية والمذهبية عن ظهر قلب غابت عنهم تلك البديهية شديدة الفقوع. هل كانت أمريكا لتسلم العراق لإيران على طبق من ذهب لو كانت فعلاً تعاديها؟ تذكروا أن النفوذ الإيراني في المنطقة تعاظم بعد الغزو الأمريكي للعراق.
لقد شكل الانسحاب الأمريكي من العراق الفصل الأخير من تبلور الحلف الإيراني العراقي السوري اللبناني. ولا شك أنه كان من حق أنصار الحلف أن يحتفلوا بذلك الانسحاب الذي اعتبروه نصراً لحلفهم بالدرجة الأولى. ومن الواضح أن الحلف أصبح الآن أقوى بعد خروج الأمريكيين. فلو كان الأمريكيون يريدون أن يحولوا دون تصاعد التكتل الجديد لضربوه في مهده، ولما تركوه يتنامى ليصبح أمراً واقعاً بعد خروجهم من العراق. ومن المعروف أن أمريكا عملت على مدى عقود على منع أي تقارب سوري عراقي، لأن اتحاداً عراقياً سورياً كان سيشكل خطراً كبيراً على مصالحها في المنطقة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، إذ يكفي أن ينفتح البلدان على بعضهما البعض تجارياً واقتصادياً ليشكلا منطقة اقتصادية جبارة في المنطقة. وقد قال لي عدي صدام حسين شخصياً عندما قابلته قبل الغزو بفترة وجيزة "إن أمريكا حذرتنا أكثر من مرة من أن التقارب مع سوريا خط أحمر". ولا أدري إذا كان الرجل يبرر صراعهم المرير مع البعث السوري، أم إنه كان يقول الحقيقة.
وبناء على الموقف الأمريكي الرافض لأي تكتلات في المنطقة إلا بمباركته، هل يعقل أن أمريكا التي لم تكن تقبل بمجرد تعاون عراقي سوري أن تقبل الآن بحلف أكبر يضم إيران والعراق وسوريا ولبنان لولا أنها تبارك ذلك الحلف، وتريد ما تريد من ورائه؟ مجنون يحكي وعاقل يسمع. ألا يشكل الحلف الجديد قوة إقليمية عظمى تهدد الكثيرين، بمن فيهم العرب الآخرون؟ ألم يلمح النظام السوري إلى أنه مستعد للتخلي عن الدعم العربي مقابل التحالف مع شركائه في الحلف المذكور؟ ألم يلجأ تجارياً واقتصادياً إلى الفضاء العراقي الإيراني لتعويض الخسائر الاقتصادية التي لحقت به جراء العقوبات العربية والدولية الأخيرة عليه؟ كيف لنا إذن أن نصدق أن أمريكا تريد إسقاط النظام السوري إذا كانت قد غضت الطرف أصلاً عن التحالف الذي تنضوي سوريا تحت لوائه، وتشكل أحد أهم ركائزه؟ هل يعقل أن تسمح أمريكا بسقوط النظام السوري الذي يشكل الحلقة المفصلية في التكتل الجديد؟ فلو سقط النظام فإن الحلف الإيراني العراقي السوري اللبناني سينهار، خاصة أن سوريا تشكل عصب الحياة لحزب الله. ولو انهار نظامها لتأثر أيضاً العراق كثيراً، سيما وأن سوريا بمثابة المفصل أو نقطة الوصل بين إيران والعراق ولبنان. هل يمكن للأمريكيين الذين غضوا الطرف عن تنامي الحلف المذكور أن يوافقوا الآن على سقوط أهم أعمدته، ألا وهو النظام السوري؟
هناك أمران إذا تحقق أحدهما يمكن أن ينفي النظرية القائلة إن أمريكا تريد للنفوذ الإيراني أن يتعاظم في المنطقة كي يوازن مع شركائه الثقل السني. الأول إذا قامت إسرائيل بضرب المفاعل النووي الإيراني، والثاني إذا عملت أمريكا على إسقاط النظام السوري فعلاً. وما لم يتحقق أي من هذين الأمرين، فهذا يعني أن المنطقة العربية تتغير لصالح إيران وحلفائها، وبمباركة خفية من العم سام. لكن ليس من باب المؤامرة ولا من باب أن الغرب يفضل إيران على العرب بقدر ما هو مخطط غربي واضح لخلق توازن في المنطقة بين القطبين السني والشيعي لمصلحته الخاصة. بعبارة أخرى فإن الغرب لا يريد أن يضع كل بيضه في السلة السنية، لهذا من الأفضل أن يكون أمامه تكتلان يلعب على تناقضاتهما وصراعاتهما إلى ما شاء الله. ولا ننسى أن إيران أصبحت بالنسبة للغرب تلعب دور الفزاعة أو العدو الثاني للعرب في المنطقة بعد إسرائيل، مما يخفف الضغط على الدولة العبرية، وهذا بحد ذاته تحول استرتيجي لأمريكا لا بد أن تحافظ عليه بأسنانها. والله أعلم!