أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
عن الأسرى، والعنصرية، ونفاق الغرب!!

بقلم : رشاد أبوشاور ... 18.04.2012

أمس الثلاثاء 17 نيسان هو يوم الأسير الفلسطيني. وأمس بدأ الأسرى الفلسطينيون وعددهم بالألوف إضرابا عن الطعام للتذكير بأنهم ( مُختطفون) و( مُغيبون) وراء الجدران، في الزنزانات، ووراء الأسلاك الشائكة في صحراء النقب الفلسطينية، وأنهم يفتقدون لكل شيء، إذ لا حقوق لهم، ومن تختطفهم وتحتجز حريتهم هي سلطات احتلال تبيح لنفسها كل ما يبرر قتل الفلسطينيين، واختطافهم من بيوتهم، واغتيالهم بأساليب شتّى، من استخدام الطائرات بدون طيار _ استهداف أبناء غزة المحاصرة بخاصة _ إلى الاغتيال المباشر الذي تنفذه الوحدات العسكرية الخاصة (المستعربون) الذين تدربوا على ارتداء ملابس فلسطينية، والتكلم بالعربيّة، وهذه تقتحم قرى ومدن الفلسطينيين في الضفة الغربيّة، وتباغت النائمـــين بين ذويهم، وتنفذ بهم حكم إعدام ميداني أمام زوجاتهم، وأطفالهم، وأمهاتهم، وآبائهم، وجيرانهم..بلامبالاة، وبدون أدنى شعور بالقلق من إدانة العالم ( الحر) الديمقراطي، والهيئات الدولية..مع الثقة التامة بعدم حدوث أي رد فعل عربي رسمي، لا من الدول، ولا من جامعة الدول العربية البائسة التي لا وزن لها ولا قيمة!
ألوف الفلسطينيين تُرتهن حرياتهم، وتسرق أعمارهم، ويعذب ذووهم بحرمانهم من زيارتهم ورؤيتهم، فتموت الأمهات بحسراتهن، ويرحل الآباء بقهرهم، وتذوي الزوجات الشابات لوعة، ويغرق الأبناء والبنات في حزن مقيم لا ينتهي..ها هم ينتفضون لأن كرامتهم الوطنية والإنسانية أهم من الطعام..وحياة المهانة!
الأسرى الفلسطينيون، والأسيرات_ تبقى منهن9 بعد أن حُررعدد منهن في صفقة (وفاء الأحرار)_ والأطفال الذين عددهم 180طفلاً دون السادسة عشرة، يخضعون جميعا لعذاب شنيع لا يمكن تصوره، حتى بالمقارنة مع معتقلات النازيين في الحرب العالمية الثانية!
أمّا الأحكام التي تصدر على الأسرى الفلسطينيين، ورغم أنها جميعا باطلة، لأنها تصدر عن الاحتلال، فبعضها يبدو طريفا وعجيبا ومدهشا، وصفيقا أيضا..يليق باحتلال عنصري، وكيان لقيط مصدره وراعيه غرب استعماري لم يكف يوما عن الاعتداء علينا نحن العرب، وتجلت أبشع وأفدح جرائمه على وطننا فلسطين.
تصوروا أن المناضل عبد الله البرغوثي حكم عليه ب 67 مؤبد!..وكما تعرفون فكل مؤبد يساوي 25 عاما، وهذا يعني أن المناضل البرغوثي محكوم بـ 1675عاما، يعني لن ينال حريته إلاّ في نهاية القرن السابع والثلاثين: عام 3687..فتأملوا دقّة عدالة الدولة اللقيطة التي صُدرت إلينا من غرب حقوق الإنسان!
وكما يعرف القراء فإن هذا المناضل مهما امتد به العمر لن يعيش كل هذه السنين في السجن، لأن عمر الإنسان محدود..ولكن: هل ستعيش الدولة اللقيطة كل هذه السنين، والقرون؟!
إذا كانت ستعيش لقرون آتية وبعد رحيل المناضل البرغوثي، ورحيلنا جميعا نحن من نعيش في مطلع القرن العشرين، والأجيال العربية التي ستتوالى في العيش على الأرض العربيّة، فمعنى ذلك أن أُمتنا العربية لا تستحق أن تعيش البتة، بل إنها ستكون قد اندثرت!..ومعنى ذلك أن البشرية ستعيش تحت تحكم أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا..ونفاق ألمانيا التي ما زالت تزوّد الدولة اللقيطة بالمدمرات الحربية، والغواصات التي تبنيها خصيصا للدولة اللقيطة كجزء من التعويضات عن موتى يهود..لقتل الفلسطينيين والعرب، وكل من تسوّل له نفسه أن يقاوم عربدة هذا الكيان اللقيط. آخر مآثر ألمانيا الديمقراطية المتحضرة الإنسانية للدولة اللقيطة غواصة قادرة على حمل رؤوس نووية، وهذا ما استفز الروائي والشاعر الألماني الكبيرغونتر غراس، ودفعه لهجاء دولة بلده المنافقة المجرمة، في معرض هجائه للدولة اللقيطة التي تتهدد البشرية كلها بترسانتها النووية، في قصيدته الشجاعة( ما يجب أن يقال)!
انتهى حكم الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا، وتحرر منديلا العظيم، و..لكن العنصرية لم تنته من العالم، وآخر أحقر مثال هو هذا الكيان الصهيوني الذي دأب على ابتزاز العالم، والاتجار بما يسمى بالهولوكوست، والذي حوله إلى بضاعة رائجة، وهو ما فضحه الكاتب اليهودي الشجاع فنكلشتاين في كتابه ( صناعة الهولوكوست).
نفس أسلوب الابتزاز الممل يمارسه الصهاينة، كلما اختلف أحد معهم في أمر ما لا يروقهم، فآخر ما تابعته، ومع احتدام الحملة على الكاتب الألماني الكبير النزيه والشجاع غونتر غراس، الحملة التي شنها كاتب السيناريو جو إسترهاز على الممثل العالمي الأمريكي ميل غيبسون، واتهامه بمعاداة اليهود..فقط لأنه اعترض كمخرج على السيناريو الركيك الذي كتبه إسرتهاز حول( بطل) يهودي من التاريخ القديم، وأجّل إخراج الفيلم بسبب رداءة السيناريو، فكانت التهمة الجاهزة كما هو شأن الصهاينة في الابتزاز: كره اليهود..واللاسامية!
يتكرر الأمر في هذه الأيام مع المتعاطفين مع آلام الشعب الفلسطيني ومعاناته، والذين أرادوا القدوم من أوربة بخاصة إلى فلسطين تحت شعار: مرحبا بكم في فلسطين.
في مطار اللد جرى حجز العشرات ممن تمكنوا من الوصول، وتعرّض بعضهم للاعتداء عليه، ولكن المئات حرموا من الصعود إلى الطائرات في مطارات أوربية، منها مطار شارل ديغول في باريس، انصياعا من شركات الطيران الأوروبية لأوامر وتوجيهات صدرت من الكيان الصهيوني، وهذا ما دفع من تظاهروا في مطار شارل ديغول إلى رفع شعار: فرنسا مستوطنة ( إسرائيلية) جديدة!
قصيدة غونتر غراس، والشعار الذي رفع في مطار شارل ديغول، هما تعبير عن غضب بدأ ينفجر، ويعبّر عن نفسه في وجه عنصرية الاحتلال الصهيوني، وخنوع واستجابة ومشاركة دول غربية للاحتلال وجرائمه.. فالدولة اللقيطة أُنشئت، وبنيت، ونمت بالمال والسلاح والرعاية الأمريكية والأوربيّة، بمبررات ( دينية)..وبشعارات ديمقراطية غربية!
ولدت الدولة اللقيطة مأزومة، وستبقى مأزومة، وستعيش حتى أفولها في غرفة إنعاش..بمظلة صاروخية تحميها، وبقنابل نووية، وغواصات ، وطائرات هي الأحدث، وترسانة أسلحة لا تملكها دول كبرى ..فقط لتأمين ديمقراطيتها في الشرق الأوسط، ودوام قدرتها على العدوان الدائم الذي يستهدف العرب تحديدا!
ومع ذلك فأقل نأمة لا تنسجم مع أمنها تزعجها إلى أبعد حد، وتخرج ( قادتها) عن طورهم..ولذا يصرخ نتنياهو: فليذهب هؤلاء الأوروبيون إلى سورية بدلاً من أن يحضروا عندنا لدعم الفلسطينيين الذين يتمتعون بالديمقراطية!
ولكن الفلسطينيين يستحقون التضامن معهم، فهم يقتلون يوميا، وتسرق أرضهم، والألوف منهم في السجون..يعاملون بدون إنسانية، ويحرمون من أبسط حقوق الأسير بحسب القوانين الدولية، ووفقا لاتفاقيات جنيف المقرّة دوليا.
الأسرى الفلسطينيون الذين بدأوا الإضراب عن الطعام أمس الثلاثاء، في عدّة سجون، ينتمون للفصائل الفلسطينية رغم فشل المصالحة، وسيتبعهم في إضرابهم أخوتهم وأخواتهم في كل السجون، فهم متفقون على أن عدوهم هو الاحتلال، وإن كانت لهم اجتهادات متباينة في تحديد الهدف من الإضراب، فمنهم من يرى أن يكون الهدف إنهاء الاعتقال الإداري، ومنهم من يرى أن تحسين أحوالهم هو الهدف، ومنهم من يرى أن الهدف الإفراج عنهم لأن اعتقالهم غير شرعي، ولأنه لا يجوز أن يُنسوا في ظلمات السجون، وتضيع أعمارهم، وتسرق حياتهم.
الأسرى الفلسطينيون بينهم أكثر من مائة أسير يعانون من أمراض مزمنة: السرطان، فقدان النظر، الشلل..وهم لا يعالجون، ولا يعتنى بصحتهم، بل يتركون ليذووا..ومنهم من مات بالإهمال المقصود، أو تحت التعذيب!
أسرانا الأحبة بدأوا إضرابهم في يومهم، يوم الأسير الفلسطيني 17 نيسان، فهل سيوقظون بمأثرتهم الجديدة ضمائر القيادات الفلسطينية المتصارعة؟ وهل سيعيدون الوعي لمن فقدوه وتاهوا وراء الوهم والسراب؟ و..هل سيكف من يفاوض عن التفاوض..أقله..ما دام ألوف الأسرى رهائن في سجون الاحتلال..وحتى ينالوا حريتهم؟!