بقلم : سمير قسيمي ... 02.05.2012
قبيل إصداره لعمله الروائي الثاني.. الخير شوار:المشهد الروائي في الجزائر لا ينمو طبيعيا
هو واحد من كتاب الرواية الجزائرية الجديدة، فرغم أنه لم يصدر إلا عملا روائيا واحدا، إلا أنه سجل حضوره في ساحة السرد الجزائري عبر عمله الموسوم “حروف الضباب” الصادر منذ عشر سنوات، ليتوقف عن الكتابة الروائية لأسباب وصفها في هذا الحوار بـ”الاضطرارية” والتي فصل فيها. هذه السنة يعود الخير شوار بعمل جديد انتهى منه منذ أسابيع اختار له عنوان “ثقوب زرقاء” خصنا بالحديث عنها وعن ظروف كتابتها. يعرف عن الخير شوار ولعه بالقصة القصيرة وكتابته للروبرتاج الذي تخصص فيه بنحو “احترافي” أضفى عليه نكهة أدبية خاصة جعلته واحدا من أهم كتاب الروبرتاج في الجزائر، وفي هذا الحوار يقف شوار عند ولعه بكتابة القصة التي وصفها بفن الزاوالية..”
رغم تتابع إصداراتك الأدبية والإبداعية، إلا أنك انقطعت عن الرواية لما يربو عن العشر سنوات.. هل انقطاعك كل هذا الوقت كان بسبب “عسر مخاض” الرواية الثانية، أم أن ظروف ميلادها لم تكن قد حانت بعد؟
بالفعل يبدو ظاهريا أنني انقطعت طيلة هذه المدة، اللهم إلا عندما نشرت الطبعة الثانية من “حروف الضباب” وقد أعدت كتابتها بأسلوب مختلف شيئا ما وكنت أهم بإعادة تصفيفها.
لماذا انقطعت عن الرواية؟
سؤال يحيل إلى الذاتي كما يحيل إلى الموضوعي. لقد تزامن صدور الطبعة الأولى من “حروف الضباب” مع انتقالي للعمل والعيش من بلدتي الصغيرة بضواحي سطيف إلى صخب الجزائر العاصمة في ظروف استثنائية، وكانت التجربة صعبة جدا منذ بدايتها، إلا أنني بعد سنتين شرعت في كتابة رواية كتبت منها حوالي 7000 كلمة لكن ظروفا خاصة جعلتني أنقطع عنها، وبعدها بسنتين راودتني فكرة رواية أخرى وبقي المشروع الأول كما الثاني مؤجلا، ثم جاءت أفكار أخرى تأجلت بسبب ريتم العمل الصحفي، وكنت في كل مرة أقول أنني سأكتب عندما أتفرغ للأمر، لكن التفرغ لم يأت وشرعت في كتابة “ثقوب زرقاء” التي نشأت في ذهني باهتة سنة 2006 وكثّفت من كتابتها بداية من سنة 2011 لأنتهي منها هذه السنة، وهي الرواية التي أتممت كتابتها دون تفرّغ. - “ثقوب زرقاء” عنوان عملك الروائي الصادر قريبا.. عنوان يستحق التوقف عنده ومع هذا يحيل إلى نص قد يكون غرائبيا أو على الأقل يوحي أنه يشتغل على الغرائبية بنحو ما..
يبدو العنوان غريبا وقد يكون غرائبيا كما لاحظت؟
لكن الموضوع مختلف عن تجربتي السابقة في “حروف الضباب”، ويكفي القول إن المكان الذي تدور فيه هو مدينة الجزائر وضواحيها، وإن “البطل” إن صحّ التعبير هو شخص فاقد للذاكرة بمعنى أنه “ممنوع” من السفر إلى العوالم الغرائبية، ومع ذلك فهناك غرائبية أخرى، أدعوك لاكتشافها قريبا.
"عوالم” الخير شوار السردية تختلف بشكل أكيد عن عوالم روائيي جيله رغم أنها تشتغل على نفس الانشغال، ومع ذلك أشعر دوما أنها عوالم يختبئ خلفها الروائي مما فقد أصفه مساحات ينطلق منها الراوي؟
قبل أن أكتب قرأت للشرقيين وللغربيين، وكنت أبحث عن ذاتي وقد علمتني التجربة وعلمتني القراءة أنك إذا اقتفيت أثر شخص فإنك ستصل في أحسن الأحوال إلى بيتك لا إلى بيته أو كما قال أدونيس. إنها الرؤية الفكرية التي جعلتني أعود إلى عالمي الصغير انطلاقا من القرية التي أتيت منها، وانطلاقا من التجربة الذاتية جاءت هذه “العوالم” التي لا أقول أنني أختفي وراءها ولكنها تنطلق مني وتحاول الغوص في التاريخ وفي الجغرافيا انطلاقا من إحداثيات معينة ومن “مبدأ” في الفضاء كما يقول أهل الرياضيات.
لا أرغب في سبر أغوار روايتك الجديدة “ثقوب زرقاء” ما دامت لم تصدر بعد، ولكنني أرغب حتما في معرفة تقنيات كتابتها على اعتبار معرفتك بهوسي بالتفاصيل؟
أنت تعرف هوسي بالحكاية كما أعرف هوسك بالتفاصيل، دون الدخول في التفاصيل أقول لك فقط إن الرواية بنيت على ثلاث حكايات في شكل ثلاث دوائر وهي بمثابة طبقات. الأولى هي حكاية الراوي- السارد- والثانية وقد تكون الرئيسية هي حكاية شخص فاقد للذاكرة والهوية وبقي دون اسم وأما الثالثة فهي حكاية “بوعلام” التي تتقاطع معها.
كيف تنظر إلى ساحة السرد في الجزائر وبالتحديد إلى الرواية الجزائرية؟
أرجوك لا تحدثني عن أسماء مكرسة بغير أعمال حقيقية أو عن أعمال مكرسة بسبب ثقل أسماء أصحابها. حدثني فقط عن روائيين كرستهم أعمالهم.
وكأنك تريد استباق السؤال بجمل شارحة؟
أنت تعرف محنة الثقافة الجزائرية والإقليمية عموما عندما تتولى “الميديا” قولبة الأسماء وتسود ثقافة “القراءة بالأذن” على حد تعبير القاص السعيد بوطاجين. للأسف فإن منظومتنا السردية بنيت على القطائع في تجارب الكتابة كما القطائع في ثقافة النشر، وهذه القطائع هي التي جعلت المشهد لا ينمو طبيعيا، أحيانا نستبشر بميلاد موهبة أدبية جديدة لكنها سرعان ما تشيخ وتنسحب من المشهد وقد تكرر الأمر كثيرا إلى أن كاد أن يصبح قاعدة وغيره استثناء.
هل ثمة من رواية جزائرية نالت إعجابك مؤخرا، بالطبع رغبة في بعض الموضوعية لا داعي للحديث عن أعمال المحاور؟
“يضحك”..هذا السؤال يعيدنا إلى سابقه، للأسف فإن بلدا كبيرا مثل الجزائر ليس فيه تراكما روائيا كبيرا إلى درجة أن يصبح معها نشر عمل روائي في حد ذاته ومهما كان مستواه يشكّل حدثا في حد ذاته. ولا أذكر أنني قرأت رواية جزائرية نشرت سنة 2012 وقد استهلكنها منها خمسة أشهر قريبا، ولأنك قلت لي “داعي للحديث عن أعمال المحاور” فلن أتكلم عن “في عشق امرأة عاقر”..”يضحك”.. وعن آخر الأعمال الروائية التي قرأتها على نفس هي “قديشة” للشاعر رابح ظريف التي تناول فيها حكاية محلية من بلاد الحضنة بعيدا عن الكليشهات الجاهزة للغة أهل الشعر كما قرأت رواية “حوبا” لعز الدين جلاوجي الذي تناولت بعض تاريخ الحركة الوطنية في منطقة سطيف منذ عشرينيات القرن الماضي وربما ما شدني إليها أنها تناولت بعض تاريخ المنطقة التي جئت منها.
كنت محكّما في عديد المسابقات الإبداعية في القصة القصيرة. كيف وجدت المستوى العالم وما هو طعم مثل هذه التجربة؟
لم أكن حريصا على مثل هذه التجارب إلا أن البعض اقترحها عليّ بحكم اشتغالي الدائم في الصحافة الأدبية من حوالي عشر سنوات، ولم أتفاجأ كثيرا لمستوى الأعمال المشاركة في تلك المسابقات الذي لا يختلف كثيرا عما أتلقاه أسبوعيا في شكل “البريد الأدبي” الذي تعودت على قراءته. هناك قاعدة هي أن معظم الأعمال المشاركة يفتقد أصحابها للموهبة بحكم أن المسابقات مفتوحة أمام الجميع (إلا من أبى)، لكن أحيانا قد نتفاجأ بموهبة حقيقية وهي الطعم الذي يجعل العمل في هذا الميدان ممتعا.
أي قاص جزائري تعتقد أنه سيبعث القصة الجزائرية من جديد وأي روائي جزائري تتطلع دوما لقراءة جديده؟
في القصة القصيرة، أقرأ كثيرا لصديقي محمد رابحي الذي أراه قاصا متميزا وأتأسف كثيرا لأني لم أعد أقرأ الجديد في هذا الفن لصديقي يوسف بوذن، وأنا أتعاطف مع القصاصين أكثر من تعاطفي مع الروائيين (ربما عقلي الباطن يقول إن القصة هي فن الزوالية والرواية هي فن المترفين) ومع ذلك أحرص على قراءة ما استطعت من جديد روائي ولن أتكلم طبعا عن جديدك الروائي وأنت تقول لي “داعي للحديث عن أعمال المحاور”.. “يضحك”.
ماذا تقرأ الآن؟
أنا الآن أشرع في قراءة رواية “هذا الأندلسي” للروائي المغربي بن سالم حميش وقد “هبّلتني” الصديقة الروائية هاجر قويدري بالحديث المستمر عنها.
كلمة أخيرة.
شكرا لك صديقي.