أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
هل الإسلاميون بحاجة إلى شهادة حسن سلوك من أمريكا؟

بقلم : صالح النعامي ... 20.12.2011

يبدي قادة الحركات الإسلامية حماساً كبيراً للانفتاح على الغرب بشكل واضح في أعقاب الثورات العربية، وتحديداً بعد أن أسفرت الانتخابات التي أجريت في بعض الدول العربية عن فوز كبير للإسلاميين. بعض قادة الحركات الإسلامية أخذ يطوف العواصم الغربية، وتحديداً واشنطن لشرح وجهة نظر الحركات الإسلامية وتبيان منطلقاتها الأيدلوجية ومواقفها السياسية ورؤها المجتمعية، كما حرص بعض المسؤولين في الغرب على زيارة عواصم الدول التي فاز فيها الإسلاميون وعقدوا لقاءات معهم وطلبوا استفسارات منهم حول بعض المواقف. إن انفتاح الإسلاميين على الغرب، وتحديداً الرأي العام هناك، وشرح مواقفهم ورؤاهم خطوة محبذة، بل ومطلوبة، حيث تعمدت أنظمة الاستبداد والكثير من النخب الغربية تشويه صورة الإسلاميين، مما يوجب محاولة تبيان هذه الصورة كما هي، سيما الموقف من الديموقراطية والإلتزام بالتداول السلمي للسلطة، وموقف الإسلاميين من الآخر.
" إسرائيل " كلمة السر
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة: هل حقاً ما يعني النخب الحاكمة في الغرب الإطمئنان على مستقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان، أم إن هناك أسباب أكثر وجاهة تحث الغرب على حوار الإسلاميين. في حكم المؤكد إن الإسلاميين المتحمسون لهذه الحوارات سرعان ما يكتشفون إن كل ما يعني الغرب، وتحديداً في واشنطن هو أن يقدم الإسلاميون مواقف " مطمئنة " بشأن القضية الفلسطينية والموقف من إسرائيل والاتفاقات الموقعة معها. إن ادعاء الغرب الحرص على مستقبل الديمقراطية ومكانة المرأة والأقليات في الوطن العربي بعد الثورات العربية هو ادعاء كاذب ومحض نفاق، فقد تعايش الغرب ويتعايش مع أنظمة الاستبداد في الوطن العربي، بل إن هذه الأنظمة كانت أوثق حلفائه، ولم يشكل المس بحقوق الإنسان ومصادرة الحريات العامة وإهدار كرامة المواطن العربي والتمييز ضد النساء العربيات مسوغاً كافياً لأن يعيد الغرب تقييم علاقاته مع الأنظمة الديكتاتورية. إن كل ما يسعى له الغرب هو أن يتلقى من الإسلاميين ضمانات بشأن إسرائيل، بحيث لا يتحول صعود الإسلاميين للحكم مصدر قلق للكيان الصهيوني. ما تسعى له واشنطن هو أن يلتزم الإسلاميون بتوفير البيئة الاستراتيجية التي تمكن الكيان الصهيوني من مواصلة سياساته الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني ومقدساته، فيستمر الاستيطان والتهويد وشن العدوان والعربدة دون أن تحرك الحكومات العربية التي يديرها الإسلاميون ساكناً. إن الغرب لا ينتظر من الإسلاميين أن ينتهجوا السلوك نفسه الذي سلكته أنظمة الاستبداد التي تواطأت مع إسرائيل على حصار الفلسطينيين وشن الحروب عليهم والتنكيل بهم وتعاونت مع الصهاينة أمنياً واستخبارياً، لأن هذه الأنظمة كانت تعتبر قبول الغرب هو مصدر الشرعية الأساس بالنسبة لها؛ لكن في المقابل سيسعى الغرب لإلزام الحكومات العربية التي يديرها الإسلاميون بالإنشغال بالأوضاع الداخلية وتجاهل ما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين.
وماذا عن " الديمقراطية " الإسرائيلية؟
لا يحق للولايات المتحدة أن تكون حكماً يصدر شهادات حسن سير وسلوك لهذا الطرف العربي أو ذاك بقدر اقترابه أو اقترابه من " الديموقراطية " حسب المعايير الأمريكية. فالنخب الأمريكية الحاكمة مردت - ومازالت - على تبرير علاقاتها الخاصة بإسرائيل بالقول إن إسرائيل تمثل " واحة الديمقراطية " في محيط من الديكتاتوريات. لكن " الديمقراطية " الإسرائيلية التي تتغنى بها أمريكا هي التي تتيح التمييز على أساس عنصري ضد الفلسطينيين، وتحديداً ضد فلسطينيي 48. على الإسلاميين الذين يحاورون الأمريكيين أن يبلغوا محاوريهم أنه قبل أن يستفسروا عن مواقف الحركات الإسلامية بشأن الديمقراطية، عليهم أن يجيبوا على الأسئلة التالية: لماذا لم تحرك أمريكا ساكناً أمام سيل التشريعات العنصرية التي أصدرها البرلمان الإسرائيلي مؤخراً والهادفة بشكل أساسي للتضييق على الفلسطينيين لكونهم فلسطينيين؟ وما موقف الإدارة الأمريكية من المعطيات التي تصدرها منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية بشأن التمييز المنهجي الذي تتبعه الحكومات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين؟، وهل حدث إن احتجت الإدارة الأمريكية مجرد احتجاج على الفتاوى التي تدعو لقتل الفلسطينيين التي تصدرها مرجعيات دينية يهودية تنتسب لأحزاب تشارك في الائتلاف الحاكم؟. بإمكان قادة الإسلاميين أن يستندوا لنتائج التحقيق الذي أجراه الصحافي الإسرائيلي عكيفا إلدار، والذي أظهر فيه أن الولايات المتحدة تعفي رجال الأعمال اليهود الأمريكيين الذين يقدمون تبرعات مالية كبيرة للجمعيات اليهودية المتطرفة التي تتولى عمليات تهويد القدس، علاوة على التبرعات الأمريكية المعفاة من الضرائب – حسب نتائج التحقيق – التي تصل إلى المؤسسات الدينية التي تديرها تحديداً المرجعيات الدينية التي تدعو لقتل الفلسطينيين لكونهم عرباً، وتحديداً المؤسسة التي يديرها الحاخام إسحاق شابيرا، الذي ألف كتاب " شريعة الملك "، الذي ضمنه عدداً كبيراً من الفتاوى، التي أباح بعضها قتل حتى الرضع الفلسطينيين. لا يتردد الأمريكيون عن تمويل ماكنة الكراهية والعنصرية الإسرائيلية، ومع ذلك يرون إن من حقهم التعامل وكأنهم رقباء على الحكومات العربية في زن التحول الديمقراطي.
لا للخطاب الاعتذاري
لقد كان لافتاً ما قاله الدكتور محمود غزلان، المتحدث بإسم جماعة " الإخوان المسلمين " في معرض تعليقه على ما دار من نقاش بين قيادات الجماعة والسانتور الديموقراطي جون كيري مؤخراً، حيث أشار غزلان إلى إن الأمريكيين لا يستفسرون عن العبارات والجمل الواردة في أحاديث الإسلاميين، بل يطلبون تفسيرات حول كل كلمة في هذه التصريحات. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: من المطالب بأن يقدم تفاسير وإجابات: الإسلاميون أم الغرب وتحديداً الولايات المتحدة. لقد تزامن لقاء كيري بقادة جماعة " الإخوان المسلمين " مع التصريحات التي أطلقها زعيم الأغلبية الجمهورية في الكونغرس نيوث غينغريش، الأوفر حظاً للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية، الذي قال: " الشعب الفلسطيني تم اختراعه ولا وجود له "، وفي موطن آخر، قال: " الفلسطينيون هم مجموعة من الإرهابيين ". إن غينغريتش يمكن أن يكون الرئيس القادم للولايات المتحدة، وبالتالي فإن مثل هذه التفوهات تكتسب أهمية وخطورة هائلة، لذا، فإن الأمريكيين – وليس الإسلاميون – هم الطرف المطالب بتقديم تفسيرات.
على الإسلاميين أن يطلبوا تفسيرات لهذا التراث المديد والبشع من التحيز الأمريكي الأعمى لإسرائيل، الذي مكنها من ممارسة القتل والتشريد ضد الفلسطينيين واغتصاب أراضيهم، على الإسلاميين أن يقولوا للقادة الأمريكيين ما عكفوا على قوله دائماً بأن الشعوب العربية التي استعادت حريتها بالدماء والعرق والدموع ترى في الولايات المتحد شريكاً رئيساً لإسرائيل في جرائمها ضد الفلسطينيين والعرب، وأن أية علاقة سوية بين الوطن العربي والولايات المتحدة ستنشأ فقط في حال أعادت الولايات المتحدة تقييم سياساتها تجاه الصراع العربي الإسرائيلي.
لا أحد يطالب الحكومات التي يديرها الإسلاميون أن تعلن الآن الحرب على إسرائيل ولا أن تقدم على خطوات استفزازية تجاه أمريكا، ولكن هذه الحكومات مطالبة بأن ترسي علاقاتها مع الغرب على أساس الاحترام المتبادل وليس على أساس التبعية، كما كانت عليه الحال في ظل الأنظمة الاستبدادية، وعليها أن تذكر أن مصدر شرعيتها هو صندوق الانتخاب الذي يمثل الإرادة الشعبية التي تعتبر قضية فلسطين قضيتها الرئيسة.