بقلم : د. سعاد سالم السبع ... 07.01.2012
عاش الشباب اليمني الواعي وعاشت أرواحهم الوثابة، هم من ينبغي أن يقودوا التغيير وهم من يجب أن يتم تمكينهم من خدمة الوطن، لأنهم الأنقى والأجدر والأنشط والأكثر حرصا على أن تصبح اليمن دولة مدنية تضمن الحياة لكل المواطنين بكل فئاتهم بعيدا عن الفساد والاستحواذ والتصفيات والتفجيرات ...
الشباب اليمني كسروا حاجز الخوف، ولم يعد لديهم أي تخوف من الوقوف في وجه المستبدين مهما كانت مكانتهم؛ ولم يعد بمقدور أي قوي مهما كانت عدته وعتاده أن يكسر شوكتهم أو يفرق جمعهم ووحدتهم ضد الفساد ، ولن يستطيع أي نافذ أن يخمد ثورتهم لأنهم لم يخرجوا ترفا ولا رفاهية ولا لمصلحة خاصة بل ثاروا تحت ضغوط الفقر والحاجة والضياع والتهميش الذي تعاني منه غالبية الكفاءات الوطنية، وقد صنع الشباب بثورتهم واقعا حرك المياه الراكدة، ولفت أنظار العالم كله إلى أن اليمن قادم على واقع جديد، ندعو الله أن يكون مبشرا بالخير لكل اليمنيين بكل فئاتهم..
وعلى الشباب أن يسارعوا إلى تقريب هذا الواقع المنتظر بإعلان براءتهم من كل الفاسدين الذين يحتمون بثورتهم ويقدمونهم قرابين للتغطية على أهدافهم الشيطانية المستترة التي لا شك أن تحقيقها سيكون ضد أهداف الشباب، وعلى الشباب أن يدركوا أن أول من سيفعله الفاسدون إن انتصروا هو سحق هامات الشباب وإخضاعهم لنفوذهم بكل سبل الإذلال..
يوجد الكثير من الفاسدين الذين هربوا من مساءلتهم إلى صفوف الشباب، وصاروا يلبسون ثياب الثوار، ويسعون لتصفية حساباتهم مع خصومهم تحت جناح الشباب، فلا تسمحوا بتغيير فاسدين بأفسد منهم ، وتذكروا أن هؤلاء الفاسدين لم يشبعوا من الثروات التي كونوها على أكتاف الملايين من البسطاء في الماضي، ولن يكفوا عن النهب بكل الصور التي تشرع لهم الاختلاس في المستقبل إن وجدوا لذلك سبيلا...
لقد بدأ الفاسدون يرتعبون من صمود الشباب ويبتكرون الحيل تلو الحيل للحفاظ على نفوذهم ، ودفع الشباب إلى حماية ذلك النفوذ تحت مسميات عديدة فليحذر الشباب أن يحاربوا الفساد تحت مفاهيم لا تصلح لبناء الدولة اليمنية الحديثة كالدعوة للتكتل تحت مفاهيم الولاية أو المذهب أو القبيلة أو الحزب الواحد أو الفئة الواحدة ، ينبغي أن يحارب الفاسدون لأنهم فاسدون وليس لأنهم ينتمون لحزب معين أو جهة معينة لأن الفساد في بلادنا قد اجتاح كل الأحزاب والفئات والمذاهب وعلينا أن نتحد لتخليص مؤسساتنا من أي فاسد كبيرا كان أو صغيرا في هذه المؤسسة ، ولنرفع ملف الفاسد في وجهه حتى وإن لم يكن هو رأس المؤسسة ليعرف كم أجرم في حق الوطن!!..
ثورة المؤسسات لا ينبغي أن تنجر وراء الحماس الحقوقي المؤقت فقط، ثورة المؤسسات ينبغي أن تعد أولا ملفات الفاسدين وترفع براهين فسادهم في لافتات تثبت للجميع أن جمع المحتجين لا يقوده حزب معين وليس بدافع التصفيات السياسية أو المذهبية بل بسبب براهين فسادهم التي يراها الجميع ممن لا ينتمون إلى تلك المؤسسة ، ينبغي أن تتجه حركة المؤسسات إلى تشخيص كل الفاسدين في أي مؤسسة مهما كانت وظائفهم صغيرة، وأن لا يسمح المحتجون بانضمام أي فاسد إلى احتجاجاتهم لمصلحة شخصية فأخطر ما في هذه الحركات أن يتم استبدال الفاسد بأفسد منه، ويكسب التأييد والتعاطف لأنه انحاز إلى صف المحتجين واستثار عواطفهم وقت الأزمة..
ينبغي أن يتم كشف ملفات الفاسدين ونشر براهينها على وسائل الإعلام وفي صفوف المحتجين حتى تتأكد مصداقية ثورة المؤسسات على الفساد، وحتى تسرع الحكومة بتلبية مطالب المؤسسات بالإصلاح ، وحتى يتضامن الشعب كله مع المحتجين، وحتى لا تتاح الفرصة لظن الناس بأن ثورة المؤسسات هي للانتقام السياسي..
نتمنى أن تفهم الحكومة أن الناس خرجوا ليس حبا في الخروج بل لأن هناك شيئا غير صحيح يتم في مؤسساتهم، وعليها أن تسارع بالاستجابة لحركات الاحتجاج إما بإلزام المسئولين فيها بإصلاح ممارساتهم فورا ورفع المظالم ، وتطبيق النظم والقوانين على الكبار قبل الصغار، ومنع كل أوجه الفساد والإفساد في مؤسساتهم من أكبر موظف إلى أصغرهم، وتضع لهم فترة محددة لظهور النتائج على الواقع .. أو تضع بديلا نظيفا يحب هذا الوطن بكل فئاته، ويحتوي الجميع دون تعصب لفئة ضد أخرى، لأن استمرار التطنيش يتيح الفرصة لتوسع هذه الاحتجاجات وانحرافها عن مسار محاربة الفساد إلى مسار التصفيات السياسية وهذا ما لن يرضاه الشعب اليمني الذي عرف طريقه ولم يعد قادرا على احتمال الفاسدين من أي شكل ولون..
حقيقة الفاسدين أصبحت معروفة لكل الناس، لأن تاريخ الحياة علمنا أن الذي تطبَّع على الفساد المالي والإداري والمذهبي والحزبي ، ونشأ وترعرع في بيئته واستعذب ترفه وقوته لن يتخلى عن طباعه بمجرد تغيير الوضع السياسي أو رحيل المنافس، بل سيحاول أن يغير جلده ويجعل من نفسه النموذج المثالي مؤقتا في سبيل أن يعيد نفوذه ويجعل الجميع تحت رحمته ينتظرون ما تجود به يده من أجل حياة الكفاف..
ينبغي أن يظل الشباب في حالة استنفار حتى يرحل جميع الفاسدين من كل مكان على هذه الأرض الطيبة، وألا يخضعوا بعد اليوم لأي ابتزاز مهما كان الثمن، و لا نزال نعول على نجاح الشباب ، ونجاحهم هو في رفضهم لسيطرة الفاسدين وفي اتحادهم واجتماعهم حول خطة مستقبلية يرشحون فيها من يحقق أهدافهم النبيلة ويرفع من شأن الوطن ويعيد لليمن لحمته الوطنية ووجهه المشرق...
سنظل ندعو الله أن تكون الأيام القادمة أجمل على أيدي الشباب بعد أن ضيع الكبار جمال الحياة بالتصارع على مصالحهم الخاصة....