بقلم : رشاد أبوشاور ... 09.05.2012
أيّام قليلة ويتوجه ملايين المواطنين المصريين إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، وانتخاب رئيس لمصر. فمن سيكون هذا الرئيس، وما هي مزاياه؟ هل سيخرج بمصر من حالة الخراب التي أوصلها لها حسني مبارك، ومنتفعو حقبته التي طالت حتى تركت مصر خرابا، بعد أن نُهبت على مدى ثلاثة عقود، وأدخلت في غيبوبة قسرية، وأفقدت الوعي، فخف وزنها، وباتت، ويا للأسف، أقل جدارة وأهمية من دول، ودويلات..عربية..طالما استظلت بها، واحتمت بقامتها العالية، وانتظرت الكلمة التي تنطق بها في القاهرة لتضبط إيقاع سيرها على هدي ما ترسمه مصر القوية، المهابة، ذات الحضور العربي بفضل تبني قضايا الأمة من الجزائر وثورة شعبها العظيمة، وحتى اليمن وثورة جنوبه على الاحتلال البريطاني، والتصدي للتهديدات التي استهدفت سورية في الخمسينات عندما طرح حلف بغداد..من جارتها التركية التي كانت قاعدة أمريكية يحكمها الجنرالات الخاضعين لتوجيهات حلف الأطلسي.
مصر بعد 25 يناير، بعد الانفجار الثوري في ميدان التحرير، وميادين مصر، والشهداء، والجرحى، وحالة النهوض العظيم..هل سيكون اختيارها لائقا بالتضحيات، والطموحات، والآلام، وبحجم التحديات؟!
هل ستختار مصر، وملايينها، رئيسا يخرجها من هاويتها، وينهي الفساد، ويضع العلامات على الطريق لمسيرة النهوض بها، وعودة الروح لها؟!
هكذا رئيس لن يكون فردا، ولكنه سيكون برنامجا نهضويا، وليس مجرد شخص طامح للرئاسة لدورة، أو لدورتين، ثمّ يمضي بعد أن يراكم خرابا على خراب مبارك، فيكون وبالاً، ويضيع التضحيات، والآمال، والأماني، ويفقد مصر المزيد من السنوات التي تحتاج لكل يوم منها، بل لكل ساعة من ساعاتها، لتستأنف بهمّة مسيرة البناء، والنهوض، والعودة إلى( العالم) بعد أن أخرجها منه كامب ديفد، وزمن الانفتاح الساداتي، وزمن البلادة والغباء والتبعية والفساد، وهذا كله من بركات مبارك وعصابته النهابة التي أفقرت مصر، وجوعتها، وابتذلت كرامتها.
لست اخفي أنني أتابع يوميا حملات المرشحين في الصحافة المصرية، وعلى شاشات الفضائيات المصرية الكثيرة _ طبعا بقدر طاقتي _ وبرامج ( التوك شو) ..وما أكثرها، وأنني أقرأ وأسمع برامج المرشحين وأتأملها، ورأيي أن أكثرها خفيف جدا، لأن الشخص الذي يتنطع ليطرح نفسه مرشحا لرئاسة مصر رغم تواضع قدراته، وهو يعرف ذلك، لا يطمح سوى للترويج لنفسه في ( مهرجان) الدعاية والإعلام، وهو معه( قرشين) زيادة، أو يتدبرها من (جهة) ما..فهذا همه شراء شيء من الشهرة، والدخول في سوق الوجاهة السياسية، وهؤلاء المرشحون لا يقولون سوى كلام إنشائي فارغ، وهم بلا قواعد شعبية، ولا حملات انتخابية واسعة تصل إلى جماهير شعب مصر لأنهم لا يملكون شيئا حقيقيا يقولونه، وهم لذلك لا يأخذون أنفسهم، ولا يأخذهم ملايين المصريين، على محمل الجد.
هناك مرشح مستهلك،عُمرا، وممارسة سياسة، وهذا أيضا بلا برنامج، فهو يوزع ابتسامته العريضة، وبثقة لا يحسد عليها، وهو يغمز ويرمش، ويهّز جسده، ويحرك يديه كثيرا، موحيا أن الحل في (جيبه)، وأنه هو لا غيره من سيخرج مصر من حالتها، ويمضي بها على طريق الإصلاح والتغيير، بفضل خبراته الدبلوماسية التي لا تعيد للذاكرة العربية بعامة، والمصرية بخاصة، سوى أبأس المواقف، سواء إبّان العدوان الأمريكي على العراق، أو ما كان يجري للشعب الفلسطيني المنتفض، أو العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006.
السياسي المحترف المهترىء لن يقدم شيئا جديا لمصر، فما بالك أن يقدم شيئا للعرب الذين يتطلعون إلى مصر بعين الأمل، لأن الأخ الأكبر إن صلحت حاله صلحت حالة (العائلة) العربية الكبيرة، والمثل المصري يقول: اللي مالوش كبير يشتري له كبير!..ونضيف: إن كان الكبير كبيرا بشجاعته، ونخوته، وقدراته، وحميته، وانحيازه للحق، ودفاعه عن المظلومين من أهله..وقبل كل هذا، أن يكون الكبير قدوة ونبراسا، ومصر جديرة أن تكون كبيرة، ورئيسها كبيرا. (رحم الله القائد جمال عبد الناصر).
هناك عدّة مرشحين (إسلاميين) يتنافسون على الرئاسة، وهذا يطرح سؤالاً: إذا كانت مرجعيتهم واحدة فعلى ماذا يختلفون ويتنافسون؟!
إذا كان (الإسلام هو الحل) وهو ما يكرره كل واحد منهم، وهم إسلاميو المرجعية، فلماذا يختلفون بينما الحل بنظرهم محدد، واضح، لا لبس فيه بالنسبة لهم، وهو: الإسلام هو الحل؟!
ألا يدلل ترشح عدد من الإسلاميين أنفسهم فرادى، أو مدعومين من بعض التيار، وليس كله، أن الخلاف سياسي، وشخصي، وحزبي، وأن شعار: الإسلام هو الحل لا يقدم حلاً..بينما مصر: تريد حلاً..وحلاً جذريا..يبدأ من هذه اللحظة الفارقة، وهذا ما يجب أن تكون عليه، وحتى زمن آت تنتصر فيه مصر على تركة مبارك ومن قبله السادات، وتأخذ دورها ومكانتها سياسيا، واقتصاديا، وثقافيا،و..نهضويا لها وللأمة العربية كلها من المحيط إلى الخليج.
أي مرشح للرئاسة المصرية لا يضع نصب عينيه دور مصر عربيا لن ينجح داخليا، فالعرب ليسوا جيرانا، ومصر لا تكون كبيرة عندما تنطلق من إقليمية ضيقة ـ والإقليمية مهما كبر الإقليم تبقى ضيقة، وقاصرة، وصغيرة، ومحدودة الإمكانيات ـ وهي ستتصرف مكتفية بنفسها، في حين أنها جربت الانعزالية الساداتية، والمباركية، وذاقت مرارة عزلتها واستفراد أمريكا والكيان الصهيوني بها، ناهيك عن دول النفط، وبخاصة السعودية التي استغلت غيابها وعاثت فسادا في الحياة السياسية والثقافية العربية.
بعد متابعتي لحملات المرشحين، وحواراتهم، وبرامجهم، وسير حياتهم، ولدور كل واحد منهم، أقصد المرشحين الجديين، فإنني أرى بانحياز نابع من التقدير والحرص على دور مصر، ونهوض مصر بنفسها وبأمتها العربية، أن المرشح الذي أتمنى أن يختاره ملايين المصريين هو حمدين صباحي، الصحافي الجريء، وعضو مجلس الشعب الشجاع الذي كسر رجال مخابرات مبارك أضلاعه عندما رفع صوته منددا بالدور التآمري لنظام مبارك الداعم للعدوان الأمريكي على العراق عام 2003، والمناضل المبادر للنزول إلى ميدان التحرير منذ الساعات الأولى لثورة شباب مصر التي امتدت وشملت شعب مصر كله.
في برنامج الإعلامي حافظ الميرازي (بتوقيت القاهرة) الخميس الماضي، بسط حمدين صباحي جوانب برنامجه للنهوض بمصر، والذي أعده مع فريق من الباحثين،والخبراء الاقتصاديين، ركز على النهوض بالتعليم في مصر، ولم يترك شيئا إلاّ وأجاب عليه، وشدد على أنه مرشح لمصر كلها، وليس لفصيل أو حزب..وأنه رغم خلفيته الناصرية (لا يعيش في جلباب أبيه).
رؤيته لدور مصر العربي، الأفريقي، الإسلامي..مبنية على حقائق، وضرورات، واحتياجات، وهي تنم عن عقل استراتيجي يرى إلى البعيد، لأن مصر إذا انغلقت اختنقت.
حمدين صباحي يفكر بالفقراء، ويقدم رؤية لخروج مصر من حالة الضياع الاقتصادي، بالاعتماد على ثرواتها، وما تقدر على أنتاجه صناعيا، وزراعيا، بالعلم والمعرفة والتقنية.
يقول عن كامب ديفد: لو كان الأمر لي لمزقت الاتفاقات بيدي، ولكنني سأترك الأمر للشعب المصري ليقول كلمته، وسأكون معه في خياره.
ويقول: أنا مع المقاومة، وهي حق مشروع، وهذا الحق قررته الشرائع الدولية...
رموز حملته فنانون محترمون، ومثقفون، ومناضلون ميدانيون بارزون، وطلبة جامعيون، وفقراء منحازون له لمعرفتهم به عن قرب، هو الذي كان دائما واحدا منهم...
حمدين مرشح الوحدة الوطنية، فحوله المسلم والقبطي لأنه الضمان لحماية مصر من التطرف المتحالف مع النفط.
شعار حملته: واحد مننا..وهو حقا واحد مننا مصريين وعربا..ولذا أتمنى أن تختصر مصر الطريق للمستقبل باختياره، فهو سيكون رئيسا شابا لمصر..وللعرب.