بقلم : رشاد أبوشاور ... 1.1.09
من جديد، يضرب (رّب الجنود) بسعار ووحشيّة، هو الذي اعتاد أن لا يرتاح في (اليوم السابع)، ما دام ثمّة لحم ودم فلسطيني في متناول أنيابه ومخالبه.
يهوه لا يُسبت، وجنرالاته يسرونه بإحراق لحم الفلسطينيين، الذي يطيب له تشممه.
باراك المتباهي بقتل القادة الثلاثة في (فردان) ببيروت، وبأبي جهاد في (تونس)، والذي عانقه (قادة) فلسطينيّون، وصافحوه بحرارة، يجد في (غزّة) هو والجنرالات المهزومون على أرض لبنان، وبكل آلتهم العسكريّة، فرصة للثأر من هزيمة رجّت أسس التفوّق الذي اعتاد على امتلاكه جيش بنى لنفسه دولة، وارتبط مصير الدولة تلك بمدى قوّته، وتدنّي قوّة العرب الذين يواجهونه غالبا بضعفهم وتشتتهم.
العدوان الوحشي على غزّة جاء بعد عمليّة الترويج للمبادرة (العربيّة) الخانعة، على صفحات صحف العدو،وصحف عربيّة ارتزاقيّة، مدفوعة الأجر كإعلانات، ترويجا لسلام رسمي تخلى حتّى عمّا أقرته (الشرعيّة) الدوليّة، وخاصة القرار 194 الذي ينص على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
أن يرسل قادة جيش العدو ستّين طائرة حربيّة لتقصف مكاتب إسمنتيّة متواضعة، بصواريخ تدميريّة، وكأن غزّة تملك مطارات يُراد تدميرها كما حدث الأمر صبيحة 5 حزيران /يونيو 67 - فالهدف، من جديد إحداث (صدمة وترويع)، رغم فشل الصدمة والترويع في لبنان الذي فاجأتهم مقاومته، وأذلتهم، وأخزتهم...
الحصار الشرس لم يدفع فلسطينيي القطاع لإعلان (التوبة) عن المقاومة، والتنازل عن الحقوق، و..أجزم أنّ الصدمة والترويع، بكل ما ألقته القاذفات الأمريكيّة - الصهيونيّة على رؤوس أهلنا، لن يدفع شعبنا للرضوخ، والانحناء والركوع عند أقدام أعدائه.
مرارا وتكرارا كتبت منبها إلى أن الخلاف مع (حماس) ليس مبررا، أبدا، للعدوان على قطاع غزّة، ولا على حماس نفسها، بالتأكيد، لأنني أعرف، كما غيري من الوطنيين الصادقين، بأن أهداف العدوان ترمي إلى تدمير القضيّة الفلسطينيّة، والإجهاز على أي أمل بنهوض مقاوم، ولتسيّد المنتفعين من الاحتلال، والطامحين لسلطة ينصّبهم عليها أعداء شعبنا.
التهدئة لم تجلب للفلسطينيين في القطاع الخبز والحليب والدواء وراحة البال، ومن توسّط ورعا تلك الهدنة - نظام كامب ديفيد - حكم إغلاق معبر رفح، وعصر المحاصرين، في تناغم مع عمليات القصف، والاغتيالات، التي أودت بعشرات الشهداء والجرحى، في ظل تلك التهدئة!
بحسب الصحافة (الإسرائيليّة) فإن الإعداد لهذه الحرب التدميريّة قد بدأ قبل ستّة أشهر، و..أن (باراك) قد صادق عليها قبل شهر، أي أن تعليق التهدئة لم يكن السبب في هذه الحرب الوحشيّة على غزّة، والتي عنوانها اجتثاث (حماس)، وجوهرها أن يبقى للفلسطينيين جميعهم كشعب داخلاً وخارجا، خيار واحد: الاستسلام.. وأن يرضوا بأن يقودهم تابعون مُشترون فاسدون!
تبرئة العدو من عدوانه، وتحميل حماس المسؤوليّة، يرقى إلى مستوى الخيانة وطنيّا، وقوميّا، وإنسانيّا، لأنه تبرئة لعدو جرائمه البشعة بدأت تهز ضمائر البشر في العالم كلّه!
في هذه المعركة لا حياد، فهي تستهدفنا شعبا، وأمّة، ولهذا رأينا شرارة الانتفاضة الثالثة المرتجاة المنتظرة، تندلع في رام الله، والخليل، وقرى ومخيمات الضفّة، وفي عمق وطننا المحتل عام 48، تعضدها مخيماتنا في الأردن، سوريّة ولبنان، وفي الشتات، وبلاد المغتربات البعيدة.
الدماء الفلسطينيّة الغزيرة في مدن وبلدات ومخيمات القطاع، تجيبها دماء فتياننا في الضفّة، وشعبنا بخبراته، لا تغيب عن ذاكرته مجازر: دير ياسين، قبيّة، الدوايمة، خان يونس، نحالين، صبرا وشاتيلا، ومجازر كثيرة، على هولها، لم تذهله عن طريقه وخياره، وإن أوجعته، فإنها ضاعفت من كراهيته وحقده على هذا العدو، وعلى المتخاذلين المتفرجين على جراحه ونزف دمه.
يتحمّل العدو الصهوني الذي ما كان لمبادرة سلام تافهة أن تحرّك خلجة إنسانيّة في نفوس من يقودونه، وأن تزحزح فكرة مما بنيت عليه ثقافته العدوانيّة، كل ما يحدث على ارض فلسطين، من احتلال، ومن نهب ارض، ومن تقتيل لا يتوقّف، ومن هدم بيوت، وتغيير للطبيعة.. ويتحمّل معه بمشاركة مفضوحة عرب رسميّون أوزار هذه الجرائم، وفي المقدمة نظام كامب ديفيد الذي استقبل ليفني قبل ساعات من العدوان، والذي يشدد إغلاق (شريان) رفح، الذي هو وحده من ينقذ حياة مليون ونصف المليون فلسطيني.
ويتحمّل وزر هذه الجريمة من يعانقون الصهاينة سرّا وعلنا، بحجّة (حوار الأديان)، ويحرّضون على إيران، خدمة لمخططات أمريكيّة - (إسرائيليّة)، ويضللون الأمّة بعيدا عن الأعداء الحقيقيين، ولا يهز ضمائرهم الموت العراقي اليومي في بلد أسهموا في تخريبه، واستباحته، وتدميره..أي عروبة وإسلام هذا؟!
هؤلاء هم أنفسهم من رأيناهم في حرب تموّز /يوليو حين أماطوا الأقنعة عن وجوههم وانحازوا علنا للعدو الصهيوني، هم من يُسفرون عن وجوههم من جديد، وكل أمنياتهم أن تستسلم غزّة ليحذفوا ركنا من أركان المقاومة العربيّة الممتدّة من فلسطين إلى العراق إلى لبنان، والكامنة في نفوس ملايين العرب في أقطارهم التي يعيشون فيها غرباء، جوعى، مضطهدين، يتحكّم بحياتهم فاسدون طغاة جهلة.
نذر انتفاضة ثالثة، والثالثة نابتة، بدأت من لحم ودم أهلنا في غزّة، وها هي من جديد الحجارة في شوارع مدن وقرى ومخيمات الضفّة...
الانتفاضة الثالثة ستنهي (حقبة) وهم السلطة، والتنازع عليها، لتنطلق فلسطين بكل شعبها، من جديد، كانسة المعوّقات، بحيث تقف وجها لوجه مع الاحتلال، ومن يدعمونه، وفي المقدمة الانحياز الأمريكي، والتواطؤ والانحياز الرسمي العربي...
صمود غزّة لا يتحقق في القطاع وحده، بل في نقل المعركة بضراوة إلى شوارع الضفّة، و..تصعيد الحالة الجماهيريّة العربيّة الشعبيّة، بخطاب شعبي عربي يفضح المنحازين للعدوان بلا استثناء.
هذا الوضوح هو ما سمعناه في خطاب السيّد حسن نصر الله، يوم الأحد 28 الجاري، اليوم الأوّل لعاشوراء، بدعوته الجماهير في مصر للقيام بواجبها مهما كلّف الثمن، وفتح معبر رفح نهائيّا...
الوضوح نفسه هو ما سمعناه من المناضل حامدين صبّاحي، النائب الناصري في مجلس الشعب المصري: فتح معبر رفح، وطرد السفير (الإسرائيلي)، ووقف تزويد العدو بالغاز المصري، وتجميد العمل باتفاقيّة كامب ديفيد تمهيدا لطرحها في استفتاء شعبي نزيه، و..سحب مبادرة السلام العربيّة.
هذه ملامح خطاب عربي شعبي يضع النقاط على الحروف، فهناك تواطؤ رسمي معلن يجب تحميله مسؤولية استفراد العدو الصهيوني بأهلنا في غزّة...
لا دبلوماسيّة، ولا كلام عن الأخوّة، فالأخوة اليوم امتحانها غزّة التي تختصر معركة وجود شعب فلسطين، وقضيّة فلسطين، وخيار المقاومة...
الفرصة سانحة لانتفاضة ثالثة، تنهي أوهام السلام مع عدو مجرم، تحقق الوحدة الوطنيّة ميدانيا، تنهي حالة الترهل، وتطوي صفحة المفاوضات البائسة...
انطلاقا من الوضوح الذي يرتقي إلى مستوى الدّم سمعنا الدكتور رمضان شلّح يعلن: إذا كان هناك من يتوهّم أنه سيدخل (غزّة) مع الدبابات الإسرائيليّة ليبسط هيمنته، فإننا نقول له بأننا سنقاتله.
هذا الكلام لقائد الجهاد الإسلامي، المحذّر من حرب أهلية هي من بنود خطّة العدو الصهيوني التي يعدها لغزّة، يأتي منبها ومنذرا، فمن رفضوا الانحياز سابقا، ليسوا محايدين عندما ينحاز طرف للاحتلال، مراهنا على (حكم) غزّة في ظلال دبابات الاحتلال، تماما كما فعل عملاء أمريكا في العراق!
ما يحدث في غزّة، على هوله، يمكن أن يكون نقطة تحوّل عنوانها: الانتفاضة الثالثة...