بقلم : ... 13.10.2013
نظّمت الحركات الشبابيّة المناهضة لمخطّط "برافر"، جولة في القرى المسلوبة الاعتراف في النقب، والقرى المهدّدة بالهدم والتهجير، يوم امس السبت، 12 أكتوبر 2013،وذلك للتأكيد على استمرار النضال ضد المخطّط الاقتلاعي.شارك في الجولة عشرات الناشطين الشباب، من مختلف القرى والمدن العربيّة، والجامعات، ورافقهم د. ثابت ابو راس -مدير مركز "عدالة" في النقب- كمرشد للمجموعة.شملت الجولة زيارة للعديد من القرى، منها: "خشم زنّة"؛ "ام تلول"؛ "السّر"، وقدّم مرشد الجولة عرضًا شاملًا لتفاصيل المخطّط التهجيري وأهدافه، مؤكّدًا على أنّ المخطّط هو بمثابة "إعلان حرب"، ليس فقط على الفلسطينيين في النقب، إنّما على كلّ التواجد الفلسطيني في الداخل.خلال الجولة، التقت المجموعة بعطيّة الأعسم -رئيس المجلس الإقليمي للقرى المسلوبة الاعتراف- الذي عرض الظروف المأساويّة التي يعاني منها العرب في النقب، من هدم وتهجير، ومشاكل التعليم والسكن، وعدم توفّر الحاجيّات الأساسيّة للسكان.ودار نقاش بين الشباب المشاركين، ورئيس المجلس الإقليمي، حول الطرق الأنجع لمقاومة المخطّط العنصري، وعن دور الأحزاب السياسيّة، ولجنة المتابعة، ولجنة التوجيه لعرب النقب، في تصعيد النضال ضد المخطّط، ودعا كل من الأعسم ود. ابو راس الحراك الشبابي، أن يُشارك في اجتماعات لجنة التوجيه، عن طريق مُمثلين لهُم. في ختام البرنامج، انضمّت المجموعة لمظاهرة في مدينة "رهط"، احتجاجًا على الهدم المتواصل لقرية "العراقيب"، ورفضًا لمخطّط "برافر"، وكل سياسات مصادرة الأراضي والتهويد في النقب. شارك في المظاهرة العديد من قيادات النقب، من بينهم الشيخ "صيّاح الطوري"، الذي شدّد على ضرورة الوحدة الوطنيّة في مواجهة التهويد، وحذّر من المساومة مع السلطات والتنازل عن أيّ شبر من أراضي النقب، وحيّا الحراك الشبابي، وما يبثّه من مسؤوليّة وطنيّة، وطاقة، وحماس.في حديث مع فرح بيادسة -أحد منظّمي البرنامج- قالت إنّ الجولة تأتي استمرارًا للنضال الشبابي في مواجهة مخطّط "برافر"، الذي يستهدف الشعب الفلسطيني بأكمله، مؤكّدةً على أنّ الشباب الفلسطيني لم يقُل كلمته بعد، وسيُعلن في القريب عن سلسلة فعّاليّات ونشاطات تصدّيًا للمخطّط. وشدّدت بيادسة على أنّ التصعيد الخطير الذي تقوم به المؤسّسة الإسرائيليّة في التهويد ومصادرة الأراضي، يجب أن يُواجه بتصعيد الحراك الشعبي، سواء في القُرى والمُدن العربيّة، أو في الجامعات والكليّات!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 23.05.2012
قبل حلول ذكرى النكبة بيوم واحد، وكل يوم يمّر على فلسطين وهي محتلة نكبة، رحل محمود عبد العزيز، المعروف بـ(أبوأيمن)، في مخيم اليرموك..ودفن يوم 15 أيّار في مقبرة الشهداء بمخيم اليرموك، وفي وصف الجنازة أرسل لي الصديق ياسين معتوق إيميلا يقول: شيّعت جماهير الشعب الفلسطيني في مخيم اليرموك المناضل (أبوأيمن) في جنازة مهيبة...
دائما أفتتح لقاءاتي في مخيم اليرموك، مع بدء كل زيارة، بالمناضل (أبوأيمن)، فهو العارف بأحوال ناس المخيم، من زوجات الشهداء، والأيتام، وأحوال الأسر المحتاجة، وصراعات الفصائل، وتحركات شباب المخيم الساخطين على الأحوال السياسية الفلسطينية، والفساد المستشري الذي يزكم الأنوف، وترهل مناضلين قدامى راهنت عليهم الجماهير في أوقات خلت، وتخلي الفصائل عن مناضليها القدامى بعد أن أعطوا شبابهم لوطنهم، ليتحول كثيرون منهم إلى باعة (بالة)، وبسطات خضار، هم الذين ما زالت الشظايا والرصاص في أجسادهم.
أصدقاؤه كما يصفهم (بروليتاريون) قح..ليس فقرا وانتماءً فقط، ولكن سلوكا..وهم ناقدون حيويون..فهم يتحركون في أنحاء المخيم ـ جار حي الميدان، والقدم، وبعض قرى الغوطة الشرقية ـ المتداخل مع مدينة دمشق، يبثون الحميّة في أوساط الشباب كي لا ييأسوا، بالجدل، والتنبيه، والتحذير، وكأنما انتدبوا أنفسهم لإيقاظ من ألمت بهم الغفلة..كيف لا وهم يتمتعون بوعي سياسي، وثقافة أصيلة بعضها بالقراءة والمتابعة، وبعضها بالخبرة المتراكمة من تجارب ممتدة اكتسبوها ميدانيا.
بدأ أبوأيمن حياته السياسية مناضلاً في صفوف حركة القوميين العرب، في مخيم إربد عاصمة الشمال الأردني.
كان فرانا ينضج للاجئين الخبز المشتهى الطيب، وفي مواجهة النار صقل معدنه، وخبر الناس وحياتهم، وحفظ حكاياتهم اليومية، وتواريخ قراهم ومعاركها عام 48.
بعد هزيمة حزيران انتمى للجبهة الشعبية التي أسهمت حركة القوميين العرب في نشوئها مع جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة أحمد جبريل، وأبطال العودة...
ترك الفرن، وانتقل لحمل السلاح، وتأبط السيمنوف، ومن بعد الكلاشنكوف، وبشّر بتحرير فلسطين بالنار..والنار منذ خبرها في الفرن تُنضج، وتضيء، وتنير الطريق، وتبعث الدفء،وتطرد الظلام، فالأمثلة عنده تعود غالبا إلى أمثولة النار، وما يتفرّع عنها.
بعد أيلول الـ70 غادر إلى سورية، ومثل كثيرين تفجّر الغضب أسئلة، فاختار أن يكن خارج الأطر السياسية الفلسطينية، وتأجج غضبه بعد حرب 1973 عندما بدأ خطاب الانحراف السياسي الفلسطيني يتساوق مع الخطاب الرسمي العربي المساوم الذي توجه السادات باتفاقيات كامب ديفد..وعبّر عن نفسه فلسطينيا برفع شعار الدولة الفلسطينية، وتحرير ما يمكن تحريره، و..إقامة السلطة الفلسطينية على كل شبر ينسحب منه الاحتلال..وهو ما آل إلى: غزة أريحا أولاً..في أوسلو، والمأزق الراهن بعد ضياع الأرض، والتيه عن الطريق، وتمزق الصفوف، ومرحلة سلطتي رام الله وغزة...المحاصرتين، التائهتين، الضائعتين المضيعتين!
أبوأيمن و(رفاقه) هم خميرة مخيم اليرموك الذي يضم أكثر من مائة ألف لاجئ فلسطيني، جلهم من لاجئي عام 48، وبعضهم وفد من الأردن بعد أيلول ال70، ومنهم من لم يجد غير اليرموك ملاذا بعد (خروج) الثورة من بيروت عام 1982، وانضم إليهم من نجا بنفسه وبأسرته من مذابح طائفيي العراق بعد أن فتكوا بالفلسطينيين هناك، وأيضا هناك من تقطعت بهم السبل فلاذوا باليرموك موئل الفلسطينيين المحروس بمقابر الشهداء التي تضم ألوف جثامين المقاتلين والضحايا.
أبوأيمن مثقف ميداني، عنيد في أفكاره، كل شيء ممكن الحوار فيه، والجدل حوله، باستثناء : عروبة فلسطين، وتحريرها بالمقاومة.
يردد بحدة: يكفي تجريب في شعبنا!..ملاوقة ـ حكي غير واضح، غير مُحدد، تضليلي الحكي لا تحرر بلادا. من لا يعيشون مع شعبهم، ويتحسسون آلامه..لا يحررون فلسطين!
ماتت زوجة أبي أيمن قبل سنوات، فعاش مع ابنه محمد وأسرته ـ ابنه تزوّج من ابنة عمّه التي أحضرت له من مخيم إربد ـ وعني برعاية ابنة ابنه منى، فأخذ يعلمها الخطابة، ويحثها على القراءة، ويزرع في نفسها وعقلها وروحها حب فلسطين، ومعرفة تاريخ فلسطين، وجغرافية فلسطين مدينة مدينة، وقرية قرية..من قرية (دسير) مسقط رأس أبي أيمن في العام 1946 حتى آخر قرية على الحدود مع لبنان، وفي النقب، وعلى مقربة من مصر.
حفيدته الصغيرة التي لم تبلغ السابعة ـ هي الآن في الثانيـــة عشرة، في الصف السادسـ صارت نجمة الاحـــتفالات والمهرجــــانات، يرتفع صوتها النحيل القوي، وهــــي تقف بجســـدها الصغـــير، ورأسها المشرئــب، وتخاطب الحضور بثقة، وبدون لجلجة، أو ارتباك: فلسطين وطننا، من البحر إلى النهر..من الشرق إلى الغرب، من رأس الناقورة إلى رفح، لا نتنازل عن حبة تراب من ترابها. شعبنا ثار، وكافح، وانتفض، وأضرب، وتظاهر، ورفض التوطين، وحمل السلاح لتحريرها..ولم يتعب، فمن تعب فليترك شعبنا ليواصل كفاحه..وليبتعد عن طريقنا..فطريقنا هو طريق تحرير فلسطين، طريق الشعب الذي لا يتعب.
لقن أبو أيمن حفيدته شعر إبراهيم طوقان، وأبي سلمى، وعبد الرحيم محمود، وأحضر لها رسومات ناجي العلي، وجعلها تعرف تفاصيل حياة غسان كنفاني.
صارت البنت أيقونة المهرجانات والاحتفالات، فهي تنطق باسم الشعب، وتذكّر بجوهر القضية..والصراع، وهذا ماكان يحرج بعض القادة المشاركين في المهرجانات والاحتفالات، ويضطرهم للموافقة على (خطاب) منى..والاستشهاد بفقرات من كلامها..الذي هو كلام الناس، وخير تعبير عن أفكارهم، وقناعاتهم.
لم يكن أبو أيمن مجرد فرد واحد، كان واحدا من عُصبة تجمعها مبادئ، وقيم، وثقــافة ثورية ناقـــــدة للأوضاع الفلسطينية الناشـــــزة الضارة بالقضية، المشوهة للمجتمع الفلسطيني، الممزقة للوحدة الوطنية خدمة لأغراض أفراد يستثمرون الفصائل، وشرائح ضئيلة تستثمر الصراعات، وتزرع العصبيات لتواصل نهبها وانحرافها.
منى ستواصل المسيرة التي بدأتها مع جدها، هي التي باتت رمزا للجيل الثالث الذي ولد في الشتات بعيدا عن فلسطين، الجيل الذي لم ينسى، ولن ينسى..الجيل الذي أفشل رهان الصهاينة على نسيان أبناء المنافي الفلسطينيين لفلسطين، وذوبانهم بين من يعيشون بينهم!
أبو أيمن واحد من حرّاس نار فلسطين..رحل بدنا، وسيبقى بصوت منى حفيدته..وحيا في عيون وقلوب أهل مخيم اليرموك، ورفاقه ..العصبة الشريفة المناضلة التي ستواصل حض الناس على التشبث بحق العودة، والمقاومة، ومحاربة الانحراف والكذب والفساد والتضليل...