بقلم : ... 14.10.2013
تكرر عائشة اللبنانية، البالغة الخامسة والعشرين من العمر، جملة واحدة "اعيدوا لي ابنتي، اريد ابنتي"، بعد ان نجت باعجوبة مع زوجها السوري من غرق زورق المهاجرين الجمعة قرب مالطا، الا ان رجال الاسعاف نقلوا طفلتها البالغة 17 شهرا الى لامبيدوزا في ايطاليا.ومع انها في عداد الـ 206 اشخاص، الذين نجوا من غرق الزورق، وتوزعوا بين مالطا وصقلية، فانها لا تتوقف عن البكاء وتطالب بابنتها.تقول عائشة لفرانس برس، بعد ان نقلت الى مركز ايواء في مالطا: "انا سعيدة لانني على قيد الحياة، الا انني اريد ان تكون ابنتي معي. انا متأكدة انها على قيد الحياة لانها كانت بصحة جيدة عندما انتزعوها من يدي".وروت انها كانت تمسك بها عندما قام احد رجال الاسعاف من البحرية الايطالية بانتزاع الطفلة مرام منها، ونقلها الى لامبيدوزا، عن طريق الخطأ على الارجح.وكانت عائشة غادرت مع زوجها علاء (27 عاما) سوريا قبل نحو ثلاث سنوات، وتوجها الى ليبيا وهي حامل بابنتها عائشة.وابتدأت المشاكل عندما رفضت السلطات المحلية الليبية اعطاء الطفلة شهادة ميلاد. وقالت عائشة: "اصبحت الحياة صعبة جدا في ليبيا لذلك قررنا الرحيل وعرفنا ان هناك امكانية للانتقال الى اوروبا عبر البحر".وتوجهت الاسرة الصغيرة الخميس الماضي، الى مرفأ زوارة الليبي، واستقلوا زورقا مطاطيا كبيرا بعد ان دفعوا للمهربين 1500 دولار عن كل شخص، و900 دولار عن الطفلة.الا ان الزورق الذي كان ينقل ما بين 270 و400 شخص (بسبب اختلاف المعلومات حسب الشهود)، غرق بعد ان وصل الى مسافة 120 كلم جنوب جزيرة لامبيدوزا الايطالية.وتروي عائشة "غادرنا نحو الساعة 22,00 (20,00 تغ) وقام عناصر الميليشيا الليبية بمواكبتنا على متن زوارق اخرى طيلة خمس ساعات، ثم وجهوا فجأة اسلحتهم باتجاهنا مطالبين بمزيد من المال. ولما لم يحصلوا على ما يريدونه، بدأوا باطلاق النار علينا فجرحوا شخصين"..واصيب الزورق ببضع رصاصات، وبدأ يغرق لكن عائشة وعلاء تمكنا من ارتداء سترتي نجاة، ونجوا من الموت غرقا مع ابنتهما.وخلال المقابلة مع عائشة، اكد لها ممثل لوزارة الداخلية المالطية ان السلطات تقوم بكل ما هو ممكن لاعادة ابنتها اليها، اما بنقلهما الى لامبيدوزا او نقل ابنتهما اليهما الى مالطا.عندها قالت عائشة: "انا سعيدة الان، اريد ابنتي"..يذكر ان مصادر عدة تحدثت عن وفاة عشرات الفلسطينيين كانوا على متن الزورق الذي غرق قرب مالطا.!..هكذا يتصرف رعاع مجرمون ليبيون مع البشر...يطلقون النار عليهم ويغرقونهم في البحر والمطلوب البحث عن هؤلاء المجرمين وتقديمهم للمحاكمه على هذه الجريمه البشعه!!
بقلم : سهيل كيوان ... 24.05.2012
لا شك أن انتخابات مصر الحالية هي الحدث الأهم منذ عقود كثيرة في حياة مصر والأمة العربية، لن أكتب عن الفلول ولا عن السلفيين ولا عن الإخوان واحتمالات فوزهم، ولا عن حظوظ عمرو موسى وغيره من مرشحين ولا عن نتائج الفرز الأولية ولا عن تداعيات الانتخابات ونتائجها على العرب وإسرائيل والمنطقة والعالم، ولا عن الفرحة التي تدغدغ صدر كل عربي حُرّ يحلم بالديمقراطية ويرنو بأمل إلى نصيب من العدالة الاجتماعية والحريات الشخصية والعامة وهو يرى صناديق الاقتراع ومراكز التصويت مفتوحة وملايين الناس من الجنس العربي يقفون بالدور كي يسهموا بقرار من يكون رئيسهم، نشوة كبرى أن ترى صناديق الاقتراع العجيبة بحراسة مشددة، وعشرات الملايين من العرب يصطفّون وينتخبون بسرية وبدون تهديدات وبعيدًا عن الإستفتاء السخيف الذي كانوا يسمونه انتخابات والذي يحاول نظام بشار الأسد إعادة إنتاجه.
غريب هو عقل الإنسان، غريبة مشاعره وأطواره، أعادتني انتخابات مصر إلى مراهقتي، فقد اقترنت تلك الحقبة بالأغاني العاطفية مثل 'حبّيتك بالصيف نطرتك بالشتي' لفيروز، وأغاني عبد الحليم مثل 'أهواك' والهوى هوايا، وفي يوم في شهر في سنة، وغيرها من أغان كنا نصطادها من إذاعة الشرق الأوسط من القاهرة التي كانت تبث ما يطلبه المستمعون من أغاني عبد الحليم وصباح وفيروز فيزبط التسجيل مرة ولا يزبط مرارًا.
وبين تلك الأغاني المفعمة بالعواطف أطلت أغنية شادية الرائعة، 'يا بلادي يا أحلى البلاد يا بلادي فداكي أنا ولولاد يا بلادي'. التي لم أستطع تصنيفها بوضوح، هل هي عاطفية أم وطنية مثل أغاني فايدة كامل والمجموعة! فقد أثارت هذه الأغنية بي مشاعر الحب وغرائز الشباب الأول، ورافق سماعها متعة كبيرة، حتى جنسية، إذ أن فيها إيحاءات أنثوية مثيرة، اللحن السّلس والصوت الحنون والكلمات عن الرجال وصبايا البلد ومياه النيل، كانت تلك الفترة التي وقعت فيها في الحب الأول، أذكر تلك الفتاة التي عشقتها، فجأة أحسست بالمشاعر الرائعة تجتاحني، وكانت أغنية شادية تملأ الفضاء بشكل يومي أكثر من مرة من أجهزة الراديو الضخمة من إذاعتي صوت العرب والشرق الأوسط من القاهرة، مؤكدة أننا لم ولن نهزم، وكانت تؤكد لي أنك عاشق يا ولد.
كان شبّاك بيتها الخشبي المطلي بالأزرق السماوي يطل على الطريق العام، وهي تتحرك في الغرفة فتظهر للحظة وتغيب ثم تعود لتظهر ثم تغيب، تخرج للحظات لتغسل خيارة أو فقوسة من صنبور المياه الذي كان مثبتا على الجدار قرب مدخل البيت، تقف هناك بعينين عسليتين وشعر خروبي وقامة متوسطة بدأت تبزر معالم أنوثتها كما هو حال أي فتاة في المرحلة الثانوية، كان جميع الأصدقاء يدّعون أن أنفها طويل وأن عينيها صفراوان، ولكني كنت أرى بأنفها الطويل جمالا خارقًا وبصفار عينيها سحرًا لا مثيل له حتى في الحور العين، كانت نظــــرة واحدة تبادلناها كافية لإشعال حريق عاطفي جعلني أسعد إنسان على وجه الأرض، فصرت أطير وأروح وأغدو أمام بيت ذويها عشرات المرات في اليوم الواحد، ولولا خشيتي من أعين العذال لما برحت المكان أبدًا، أصعد إلى سطح بيتنا الذي لم يبعد كثيرًا عن بــــيت ذويهـــا كي أراقب تحرّكها حتى تخرج من بيتها وهذا نادر جدًا وفقط لأداء مهمة سريعة، فهي من البيت الى المدرسة ومن المدرسة إلى البيت، تخرج إلى الدكان القريب أو إلى بيت قريبة لها على سفح الجبل، كنت أنتظر الفرصة، كي أسلّمها الرسالة التي كتبتها لها بعد تعديلات كثيرة، سهرت ليلة كاملة وأنا أحاول كتابة ما يشبه الشعر والذي عرضته على صديق ما زال صديقي حتى اليوم، كانت كلمات ساذجة تتحدث عن النجوم والقمر والورود والعطور، حاولت مرارًا انتهاز الفرصة كي أسلمها الرسالة ولم أفلح، تنقلت في جيوبي وجوربيّ وبين كتبي أيامًا وبحرص شديد دون جدوى، عندما كنت ألتقيها في الطريق وأظن أن الفرصة قد سنحت يظهر شخص ما ولو من بعيد، وبالطبع كنت حريصًا جدًا، لا أريد لأحد أن يشعر بهذا الحب، وفي مثل حالتي كنت أظن أن كل الناس يراقبون وقد يُكشف الأمر وستكون العواقب وخيمة، أما هي فقد كانت تطرق برأسها، أو تلتفت إلى جهة معاكسة لإبعاد الشبهات، وأذكر فرحتي التي لا توصف عندما قلت لها أول مرّة...صباح الخير..وكانت المفاجأة أنها ردّت عليّ بـ'صباح النور' ولكن بصوت يكاد يكون بكاءً من شدة تأثرها وخجلها....ابتعدت عنها وركضت في أزقة القرية ثم إلى الحقول غير مصدق أن هذا حدث لي، لقد ردت تحيتي!
كانت 'يا حبيبتي يا مصر' هي الأغنية المرافقة في فضاء موقعة (صباح الخير)، ولهذا لا أستطيع حتى الآن حين أسمعها إلا أن أستعيد تلك المشاعر وأستحضرها، استمرت محاولات تسليم الرسالة أيامًا وأسابيع حتى فوجئت بأنها سترحل مع أهلها من القرية إلى قرية أخرى، وفهمت أن البيت الذي كانوا يسكنونه في قريتنا ليس ملكا لهم، لأنهم أتوا من قرية أخرى كلاجئين منذ عام النكبة، بذلت جهدًا أكبر لتسليمها الرسالة قبل يوم الرحيل ولكن عبثا، وبكيت بكاء مريرًا وأنا أرى الشاحنة تنقل أثاث بيت أهلها، ثم السيارة التي أقلتها مع ذويها، هربت إلى حقل قمح واستلقيت هناك وبكيت بحرقة شديدة، كنت أبكي وأدندن بأغنية 'يا حبيبتي يا مصر'، وقد استمر هذا الحال معي لفترة طويلة كلما سمعت هذه الأغنية أو دندنت بها حتى جاء حب شفى لي جراح 'الحب الأول'.
في هذه الأيام تحدث عن الأجواء المصرية الجديدة، والحديث يجر الحديث ذكرت لصديقي أغنية شادية التي لا تنسى ومرافقتها لقصة حبي الأولى، وفتحنا على موقع (اليوتيوب) لنسمعها فأعادت لي ذلك الحنين، وفاجأني صديقي القديم قائلا:أنا عندي عادة جميلة، وهي أني أحتفظ بكل شيء..لا أهمل شيئًا من صور أو رسائل أو أشرطة تسجيل وغيرها...هل تعلم أنني ما زلت محتفظا برسالة حبّ كتبتها أنت كي تسلمها لتلك الفتاة التي أحببتها أول مرة ولم تستطع تسلميها فأعطيتني إياها وقلت لي 'أعطها أنت لحبيبتك'..أنا كذلك لم أعطها لحبيبتي هل تذكر الرسالة..؟
-كيف لا أذكرها...أنت عظيم يا ولد...أريد الرسالة الآن...أريد أن أرى ما كتبت في تلك الأيام الجميلة...أيام الحب العذري...أعد الأغنية من فضلك ...يا بلادي يا أحلى البلاد يا بلادي فداكي أنا والولاد يا بلادي...