أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
أهديتني .. (حلم)!!

بقلم : بشرى الهلالي ... 24.05.2012

مازلت انتظر.. تسحب الشمس بقايا خيوطها لتتكور في قرصها البرتقالي مفسحة المجال لنعاس الغروب.. تسافر عيناي الى ابعد مدى عبر النافذة.. بين لحظة واخرى اسدل الستار واعود ادراجي.. للمرة العشرين او ربما اكثر أدقق النظر في كل شيء.. الطاولة تتململ بثوبها الابيض تتوسطها شمعة تحبس دموع الفرح بانتظارك.
ادور حول نفسي وحول كل شيء.. انظر في المرآة.. للمرة.. كم؟ كل شيء يحبس الانفاس انتظارا.. فقط قلبي لايستقر مكانه .. قلقه يربك قدمي ليترنح ايقاعها في المسافة بين النافذة والمنضدة حيث تكومت سنوات اللهفة، فتات الاحلام، وجع الشوق، صليل الوحدة وظلام الوحشة.
رنين الجرس يعيد للمسافات بكارتها فتشطب الفرحة ملايين الدقائق واجري.. المسافة نحو الباب اطول من عمر سجين. هل سيبقى قلبي نابضا حتى افتح الباب؟ اخشى ان يتوقف فلا اراك، لكن قلبي محارب لايهزمه الارتباك.. تطل من وراء الباب.. اخيرا .. تأتي؟ بل جئت...
ابتسامتك ولادة تنث الحياة في خلاياي المتهرئة.. عيناك محطتان القي في بياضهما اخر ماتبقى من امتعتي واتكور في السواد. سنحتفل معا.. فهو يومي الذي كنت انسى الاحتفال به دائما.. سنشعل شمعتي الكسولة ونوفي نذر الشوق.. ساخبرك بالاف الحكايا.. عن طفولة دون العاب.. شباب دون صبا.. اول كلمة حب مطوية في ورقة القاها عند قدمي ابن الجيران في الطريق الى المدرسة.. ليالي الخوف والرصاص التي حملت احبتي بعيدا.. مفكرتي السرية التي جيرت باسمك حتى قبل ان تقع عيناي عليك.
أمازلت واقفا؟ اجلس هنا.. على المقعد الذي تغير لونه وظل مجدبا لسنوات بانتظارك.. لم يجرؤ احد قبلك على لمس مسانده.. لاتقل انك في عجلة من امرك.. هل تعلم كم سنة مرت؟ بالطبع تعلم .. لااريد هدايا.. صندوق الحكايا لم يزل ملغما.. ساخبرك عنك وعني.. عن أناملي تلملم الأرق في خصلات شعرك.. عن زهرة زرعتها لي ذات شوق فسقيتها النسيان في ظلام القلق.. عن فجر يبدد برده فنجان شاي اصنعه لك.. سا..! جهازك النقال دائما يحمل سيف مسرور لينقض على براءة الحكايا.. يتصاعد الرنين.. يعلن النفير.. انه جهازي هذه المرة.. يكف يجرؤ؟ اغمض عيني هلعا وامد يدا تتوسل الصمت.
افتح عيني.. اشعة الشمس تقتحم المكان رغما عن انف الستارة، سخونة الجو تستفز قطرات عرق تثير غثياني.. السكون يحمل خيالك بعيدا عن جفن يقاوم بقايا نعاس.. وترحل مع ليلة اخرى لالقي نفسي في احضان يوم لايختلف عن بقية الايام.. يبدأ ايقاعه على زئير مولدة الكهرباء التي يرهق حبلها يدي المتهالكة، تفاصيل كثيرة تدفن الحلم في زاوية عيني التي تتسع لتتلقف مشاهد القلق.. الوقت يقترب من السابعة والنصف.. لو استطعت فقط البقاء في البيت كي أظل معك.. لكنها ايام امتحانات تضيف ارباكا الى يومي المزدحم.. ليس مهما ككل شيء.. ستنتهي بعد اسبوعين علني اجد وقتا للحلم.. يجب ان لاانسى اوراقي و مفاتيحي وهاتفي الخلوي.. يجب أن....
تطوي مخيلتي الشوارع.. كل شيء كما تركته بالامس.. شرطي المرور الذي لايكف عن الصراخ.. بائع المناديل الورقية الذي يلتصق يوميا بنافذة السيارة يتوسلني لشراء علبة بفم تغطي زواياه الزبد وووجه متسخ.. الضجيج.. الزحام.. فتيات يتبادلن اسرار الليل على الرصيف في الطريق الى الجامعة.. شرطي المفرزة يسأل عن اذن المرور.. موظف الاستعلامات يطلب الهوية.. سجل الحضور.. اوراق الامتحانات.. الاسئلة.. عيون الطلبة تترقب أي التفاتة مني لاقتناص كلمة من هنا او هناك.. انتهى الوقت.. تلفني المسافات الى مكان آخر.. ثم آخر ليضع نهاية للمساء في الاسواق القريبة من بيتي.
طريق العودة لم يتغير .. فقط لهفتي للعودة لاجمع ذرات الحلم قبل ان يكتسحها جليد الصمت.. اجتاز الباب الذي عبرته قدماك بالامس.. عيناي تبحثان عن كذبة تستنطق الوهم فاراك بانتظاري.. لكنه يوم كباقي الايام التي مضت والتي ربما ستأتي دائما مجللة بحزن غيابك.. فقط..هو يوم عطشتك فيه فجئت.. يكفي انك جئت.. جئت فأهديتني حلما في ذكرى ميلادي..