بقلم : عبله عبدالرحمن ... 26.11.2011
كانت المرة الأولى والأخيرة التي أشارك فيها بنقاش في جلسة صفية حوارية تجمع بيننا طالبات الصف الأول الثانوي وبين معلمة التربية الدينية، حتى أواجه بعقوبة الطرد، إذ كانت المعلمة تصول وتجول بصوتها الذي كان يعلو تارة فيرتطم بجدران الصمت بداخلنا وكأنها تنادي ذاتنا لتفيق من جهلها وتارة أخرى ينخفض صوتها فنناديها نحن لنقول لها ليس الجهل فينا بل فيما تعتقدينه بنا من جهل.
إذ وقفت على غير إرادة مني في مواجهتها ومخالفتها فيما قالته من كلام لا صحة لمرماه وكانت تعول على الآية القرآنية " إن كيدهن عظيم " لتبين لنا مكر المرأة وزيفها وانحطاط تفكيرها ولؤمها مستشهدة بالآية، في توضيح وجهة نظرها ورأيها بالنساء عموما، ووقفت أنا لأقول: لها إن للآية الكريمة تتمة تبين حنكة المرأة ورؤيتها الاستشرافية وحسن تقديرها وحكمها على الأمور ما ظهر منها وما بطن، موضحة لها حيثيات الآية القرآنية، وان ما قامت به امرأة العزيز من فعل، كان ظاهره غير ما كانت تسعى له، من عصمة كانت تراها في سيدنا يوسف.
لا ادري كيف تناست تلك المعلمة نفسها وأخذت تكيل التهم جزافا وكأنها تتحدث عن فئة قد انقرضت، ولا وجود لها على ارض الواقع، كما لا ادري كيف مرت حادثة المرأة التي فازت بالانتخابات البلدية في قرية أردنية وقد حرّمت على نفسها صوتها وأعطته لابن عشيرتها، لتصل هي من غير أصوات إلى مقعد المجلس البلدي على حساب الكوتا النسائية.
يزداد حراك القطاع النسائي مع كل انتخابات بلدية أو برلمانية ، ويزداد معها الحديث عن عدد مقاعد الكوتا النسائية ولو أن في الكوتا ما ينقص من قيمة نجاح المرأة وترشحها إذ تكون السكين الذي يقلل من فوزها بصفتها نصف المجتمع وتستحق الفوز تنافسا، لنجاحها في قطاعات حكومية وخاصة ووصولها لأعلى المراكز بجدارتها وعلمها.
يخطرني حديث جرى بيني وبين مرشحة وعضوه سابقة في احد المجالس البلدية وممثلة لإحدى جيوب الفقر في مناطق نائية من الأردن، أخبرتني فيه بأن منافستها للانتخابات القادمة تعمل مراسله في مدرسة ابتدائية، ومع إنني كنت استمع بوضوح لهذه السيدة، رحت أسائل نفسي وأنا أجاهد ما في وسعي حتى أسيطر على نفسي حتى لا تهرب مني ابتسامة تكاد تشق طريقها في وحل الجهل، الذي يكاد يبدو جليا عليها وعلى منافستها التي تصارعها في برنامجها الانتخابي والذي اجزم بأنه غير مفهوم لأي منهما، ولا ادري إن كنت في حالة من الخيال عندما كادت الدمعة أن تفرّ من عينيها وهي تخاطبني على الأسلوب الذي تتبعه منافستها باستخدامها الخطاب الديني للوصول إلى غاياتها بالفوز، إلى الدرجة التي لم اعد أميز إن كنت أعود بنفسي إلى الوراء ما يقدر بثلاثمائة وتسع سنوات، أو إنني أسير بنفسي إلى الخلف در، وذات الحال البائس أصابني وأنا استمع لسيدة أخرى، أخذت تعدد التحديات التي يواجهها المجلس البلدي المنتخب والذي هي عضوه فيه وكيفية مساعدتها لأبناء من قريتها في إيجاد وظائف لعدد منهم كان احدهم مصابا بالتراسيميا على حسب تعبيرها أو جهل ثقافتها بدلا من الثلاسيميا، وكأن المجلس البلدي تقتصر مهامه على توفير وظائف العمل. توقفت وحدثت نفسي إن السيدات من مثل هذا النوع لا يمثلن إلا أنفسهن، إذ كيف يكون شكل التنمية التي يمكن أن تحققها مثل هذه العينة من النساء اللواتي تتصدر بضاعتهم واجهة واقعنا ومستقبلنا في مجالسنا المنتخبة، في بلد كالأردن يكاد يكون معروف، على المستوى العربي والعالمي بموارده التعليمية وأبنائه المتعلمين، يخيل إلي أن جلسات الحوار في مثل هذه المجالس البلدية لا تتعدى الكلام العابر أو العادي والذي لا يشبهه إلا الحوار العقيم والذي يجمع بين زوجة الابن والحماة.
العمل السياسي والاجتماعي والتطوعي يحتاج من أفراده الطليعيين وعي وقوة تأثير، ورؤية ثاقبة في تلمس حاجات المجتمع، وقدرة على صياغة القوانين التي تلبي حاجات الشعب، حتى نستطيع أن نركب عجلة الإصلاح الشامل، وهذا لا يتأتى إلا بالتعاون والمشاركة بين قطبي المجتمع الرجل والمرأة.
حق المرأة بالفوز تنافسا لا يعتبر تجديفا ضد التيار، إذا علمنا أن أعداد النساء الناخبات قد تجاوزن ما نسبته 50% في الانتخابات البرلمانية الماضية وهذا يعني أننا بصدد تحقيق البريق، والمولود الأول في وصول المرأة المرشحة تنافسا إلى مقاعد المجالس البلدية والبرلمانية مساواة بالرجل المرشح، إذا أدركنا أهمية المرحلة القادمة وأهمية الحراك النسائي والمجتمع في وصول المرأة التي تستحق الفوز ضمن أسس تعتمد على القدرة والكفاءة والاستعداد وتغليب الصالح العام، وهنا نقول يجب ألا يكفي المرأة مجرد خوضها للانتخابات كمبادرة ايجابية من قبلها تجاه وطنها باعتمادها على الكوتا.