بقلم : فاطمه قاسم ... 5.5.08
التباسات في قراءة المشهد
ففي الأجواء الاحتفالية باليوم العالمي للمرأة , تابعت مثل عشرات الآلاف من النساء المهتمات في العالم العربي بما يقال عادة في الأجواء الاحتفالية , وهو مع الأسف في معظمه لا يعدو كونه منظومات كلامية مكررة , تجأر بالشكوى المريرة , دون التفات جدي إلا أن الواقع الفعلي في الحياة نفسها يعطي للمرأة حضورا أقوى ألف مرة من بكاء الباكيات من النساء , وأقوى ألف مرة من اعتراف الهاربين أو المتزمتين أو المبالغين في التحوط من الرجال , الذين دابو منذ عصر التنوير على يد الشيخ محمد عبده , ورشيد حنا , ومحمد الغزالي , وغيرهم , يتخوفون من مجرد فتح أبواب النقاش حول المرأة وحقوقها , بينما المرأة تتفاعل هي وحقوقها في الواقع وتجلياته بأكثر ألف مرة من بكاء النساء الباكيات وحذر الرجال الخائفين المتحوطين
المفارقة :
أني وجدت صديقا هو الأخر _ وهو مثقف وباحث مرموق , يتابع هذه الأجواء الاحتفالية النمطية المكررة بمناسبة يوم المرأة العالمي , وان هذه المتابعة من جانبه منحتني الفرصة للمشاركة معه في حوار حول المسائل الشائكة , والرؤى الملتبسة , في فقه المرأة , وواقعها , ودورها الأخذ في النمو رغم خوف الخائفين وجحود الجاحدين , ولقد سمحت لنفسي أن أسجل بعضا من مقاطع الحوار .
قال لي :
تكثر الاحتفالات بالمرأة , لكنها تبقى على حالها , وكان الكلام في ناحية والواقع في ناحية أخرى .
قلت له :
هذا صحيح , ولكن ليس ضد المرأة , بل لمصلحتها , لان الكلام الاحتفالي اقل كثيرا من واقع المرأة , و من طموحها في آن واحد , لان الكلام الاحتفالي يعد المرأة بما حققت هي نفسها أكثر منه , فهل ينكر احد مكانة المرأة , وفعاليتها في مجتمعاتنا العربية , من أكثر الشرائح فقرا إلى أكثرها غنى , ومن أكثر الشرائح جهلا إلى أرقاها علما وثقافة , انظروا إلى العائلة التي تفقد الأم ماذا يحل بها ؟ فهل كل الكلام يعطي هذه الأم , عمود العائلة , أكثر من مكانتها الفعلية في الواقع ؟ وكيف تتقوقع هذه الوعود إلى مستوى نصوص قانونية لا تتحقق , بينما المرأة نفسها في بلادنا , هي في صميم نسيج الحياة , مدرسة وطبيبة , ومهندسة وأستاذة جامعه ورئيسة جامعة وصحفية وكاتبة وروائية وشاعرة وفيلسوفه وطاهية ومصممة أزياء وسيدة أعمال ومحامية وشرطية واستشهادية تلف الحزام الناسف حول خصرها الرقيق , بينما طموح الواعدين لا يزال يراوح مكانه في حدود أن تلقي التحية على المرأة تحية الصباح والمساء ! ياسيدي , إن اكبر المنتقصين من حقوق المرأة هم أولئك الرجال والنساء الذين يتباكون عليها بهذا الشكل السلبي
قال لي :
أنت محقة , المرأة موجودة في قلب ميدان الحياة , ولكن لماذا يستمر السجال على حاله لولا أنها مظلومة ومغبونة ؟
قلت له :
إن ثقافة السجال هي هكذا دائما , لا تنهض بأهلها أبدا , بل تجعل الزمن يمر عليهم ويتجاوزهم وهم في مكانهم واقفون جامدون بلا حراك , لان السجال لا يؤسس , لا يبدع , بل يكرر نفسه , السجال يعلي من شجار الخصم حتى يرشقها بالحجارة , السجال يجعل كل طرف يخاف من الاعتراف بأي صواب للطرف الأخر حتى لو قال هذا الطرف واحدد زائد واحد يساوي اثنان أو مثلا أن الشمس تشرق من جهة الشرق ! ولكن هذا السجال أعطى المرأة ما لاتريد , واخذ منها ما يستحيل حرمانها منه , فهناك على طرفي هذا السجال من تجاهل عن عمد أو ربما عن خوف أن المرأة كانت موجودة وجودا حيا وليس افتراضيا في أول مجلس تأسيسي للدولة الإسلامية التي أسسها الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم ! وهناك من اختزل كل هذا الحراك الواسع والعميق عن المرأة في القران الكريم وفي السنة الصحيحة , اختزله في فهم محدود خارج السياق للآية الكريمة التي تقول " وقرن في بيوتكن "
قال لي :
ولكن ما بين النص والتطبيق مسافة شاسعة , فكيف نغيرها بأقل قدر من الخسائر ؟
قلت له :
المسافة بين النص والتطبيق لا تقتصر على وضع المرأة وحقوقها , بل على موقعها في الحياة كلها , فثمة أعراف وتقاليد وعادات تسد الطريق , ولو انتظرنا لكي تزول من تلقاء نفسها فسوف تنتظر إلى ما لا نهاية , والحياة نفسها لا تسمح بهذا الانتظار , كما أنها لا تسمح بالفراغ , والمهم هو الاستمرار في حيوية التفاعل , والمهم أن تظل المرأة الشجاعة المتوازنة مرفوعة عاليا
فقال :
ماذا تقصدين بالمرأة الشجاعة المتوازنة ؟
قلت :
اقصد المرأة التي تثق بنفسها ولا تتراجع في وسط الطريق إلى الأسهل
قال :
وهل هناك ما هو سهل للمرأة في بلادنا ؟
قلت بالطبع هناك ما هو أسهل على كلا الجانبين , فالمرأة تلقي بكل مسئولية حياتها على الرجل هي التي تذهب إلى الأسهل , والمرأة التي تنتمي إلى القشور الشكلية هي التي تذهب إلى الأسهل , وتذهب إلى النقيض , هي التي تعلن انشقاقها بالذهاب إلى الأسهل ! المرأة يجب أن تهتدي إلى جوهر معاركها الحقيقية , معركة المرأة ليس السفور في مواجهة الحجاب , بل إثبات أن الحجاب لا يعيقها عن القيام بأية مسئولية في أي مستوى من المستويات , ومعركة المرأة ليست المشاركة في الانتخابات , ولكن المعركة أنها حين تشارك كيف تجسد الانتماء لقضاياها وحقوقها ولا تعطي صوتها لترجيح من يعتبرونها لعنة سوداء .
قال :
كأنك تتهمين المرأة بأنها ضد المرأة ؟
قلت :
ليس على هذا النحو , ليس بهذه المعادلة الواضحة , ولكن بعض الإحصائيات الموثوقة عن جداول الناخبين في بعض الدول العربية , قالت أن نسبة مشاركة المرأة كانت مرتفعة , بل أكثر من نسبة مشاركة الرجل فسه في بعض الأماكن , ومع ذلك فان تصعيد بعض النساء إلى البرلمان احتاجت ولادة قيصرية اسممها نظام ألكوته !اهتمامي بكيف لم تستطع المرأة أن تجعل لنفسها نصيبا من أصواتها ؟ يحتاج الأمر يا سيدي إلى وقفة جدية , وأول ما يتوجب عليه الإجابة هو المرأة نفسها .
فقال حتى وان فعلت فان الثقافة السائدة هي السبب, الرجل هو السبب
فقلت :
وكيف استطاعت المرأة في ثقافة مشابهة أن تفوز في الانتخابات بموقع السلطة الأول كما حدث في الهند وباكستان مثلا , كيف ؟ الم يكن الرجل هو نفسه موجودا هناك ؟
فقال :
إنها مشكلة فعلا ... فما هو الحل ؟
قلت :
ليس في جيوب الحاوي حيله كافية وإلا لهان الأمر , إنها مسالة وعي متراكم , وتجارب تغني وتثري بعضها , لكي نصل إلى النموذج الذي نختار , وعد توقف هذا السجال السطحي ألتراشقي , ما هو نموذجنا الأفضل وأين هي مقاصد شريعتنا , يشير بعضنا بخوف يصل حد الذعر من النموذج الغربي , حيث الحقوق بلا عفة ! فيرد البعض عندنا ليحسم الأمر ويختار العفة بلا حقوق , هذان النموذجان هما على طول الخط ضد المرأة , ضدها في الشريعة , وضدها في الحياة وبما أننا ندعي بأننا امة الوسط والاعتدال , المتوازنة , فلماذا لا نختار النموذج الأرقى للمرأة , العفة والحقوق في آن واحد ؟
فقال هذا حديث يطول
قلت نعم , هذا حديث يطول فعلا , وبما أن الحياة تتجدد, والمرأة تتجدد , فلن ينتهي الحديث أبدا .