أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
مصر في المفترق الخطر!!

بقلم : رشاد أبوشاور  ... 30.05.2012

هذا هو الحال الذي وضعت الانتخابات مصر فيه: المفترق..فإمّا التقدم للأمام، بالحفاظ على الثورة وشعلتها ووعودها، وإمّا النكوص ..وانتصار الثورة المضادة، و(قيام) نظام مبارك من (الموت) والعودة لتمويت مصر.
مرشحان، واحد للأخوان المسلمين، والآخر للفلول، أي لنظام مبارك الذي (فصل) رأسه عن بدنه، فظل (حيّا) كالأخطبوط بأذرعه المتعددة..ودليل (حياته) وقدراته غير المحدودة ماديا، و(إداريا) ، بحزبه الوطني المنحل، والذي لم يتحلل ويندثر، والأجهزة التي ترعرعت على مدى ثلاثة عقود من قمع شعب مصر، وبث الخوف، والخراب، ونشر الفساد، وتكريس التبعية، وتدمير طاقات المجتمع المصري الذي طفح به الكيل فتفجرت ثورته في 25 بدم الشهداء، والجرحى، وعظمة وصلابة شعب مصر في الميادين، وبروح التضامن، والتلاحم، والتآزر، التي تجلت بعد أن اكتشف الشعب مدى قوته، وهشاشة أجهزة نظام مبارك الفاسد رغم جبروتها وتجبرها.
انتخابات الرئاسة، وضعت بوضوح كل القوى في حجمها الطبيعي، وأولها الأخوان المسلمين الذين أخذتهم العزّة بتفوقهم الكاسح في انتخابات مجلس الشعب، فطاشوا، وأداروا الظهور، ونظروا من عل لكل القوى، والاتجاهات، واستأثروا، بل وطمعوا أن يكونوا كل شيء، وأن يضعوا أيديهم على كل شيء..فلا شريك لهم، بل أتباع يؤمرون فيطيعون انسجاما مع قانونهم التنظيمي الداخلي: الأمر والطاعة!
نفر شعب مصر بسرعة من غرور الأخوان، لذا كان أبرز ما فاجأهم في انتخابات الرئاسة، تجلّي قوّة التيار الذي رفع لواء الدولة المدنية، والعدالة الاجتماعية، وتمتع المصريين جميعا بالمواطنة، الذي عبّر عنه المرشح الناصري الديمقراطي الوطني العروبي التقدمي حامدين صباحي ببرنامجه الأكثر عمقا ووضحا وجذرية، والذي شرحه بالتفاصيل مع بعض معاونيه على الفضائيات المصرية: دريم، سي بي سي، النهار، أون تي في، التحرير..وعلى صفحات الصحف المستقلة، والرسمية (القومية)، وعلى موقعه على الفيس بوك، وفي لقاءاته المباشرة مع ملايين المصريين.
الآن مصر على المفترق، وقد اتضحت بعد الانتخابات تيارات ثلاثة: تيار الثورة وهو الحائز على أعلى الأصوات، وتيّار الأخوان المسلمين وقد حاز على ربع أصوات من يحق لهم التصويت..وهذا حجمهم الطبيعي، وتيار سلطة مبارك: الحزب الوطني، رجال الأعمال، الأجهزة المنحازة التي لا تريد التخلّي عن امتيازاتها ومصالحها وارتباطاتها.
الأخوان بيدهم أن يقرروا إلى أين تتجه مصر، وبمقدورهم أن يقرروا إنقاذ مصر وثورة شعبها، وإنقاذ أنفسهم، أمّا إذا تصرفوا بانتهازية وقصر نظر، انطلاقا من أنه لا خيار لملايين المصريين وقواهم الثورية سوى (مبايعتهم) و(نصرة) مرشحهم..أو الانحياز لمرشح الفلول!.
الأخوان بضيق أفق سيضعون مصر، وسيضعون أنفسهم في مأزق تاريخي قد يرتد عليهم وعلى مصر، وعلى قوى الثورة إذا ما فاز المباركيون.
جربت القوى الثورية، والأحزاب، والتيارات..في مصر ـ وخارجها ـ الاتفاق مع الأخوان مرارا، ولكنهم بالتجربة لا يفون بالوعود، وهم سريعو النكث في حال الفوز، ولذا فهناك حذر شديد، وأكثر من الحذر في السير معهم بدون اتفاقات وضمانات، على كل ما يضمن مستقبل الثورة، ومصر وشعبها: الدستور، وبخاصة المواد الرئيسية فيه التي تطمئن المجتمع المصري على مدنية الدولة، وحماية حقوق كل طوائف المجتمع، وعدم هيمن الاستبداد (الديني) بديلاً للاستبداد المباركي، والوزارات، وتحديدا الوزارات السيادية، مع عدم تفريط القوى الثورية بما حققته من كسب هائل من حيث تصويت المصريين لها، وبخاصة لحامدين صباحي والدكتور أبوالفتوح.
طيلة أيام الانتخابات، تابعت على الفضائيات المصرية، ومواقع الصحافة المصرية، تطورات الحملة الانتخابية، إدراكا لأهمية ما سيحدث لمصر وللعرب على ضوء نتائجها.. فهي إمّا..أو!
إذا كنت توقعت أن يحقق حامدين فوزا كبيرا، فإن آخر ما توقعه كثيرون، وأنا منهم، أن يحقق الفريق أحمد شفيق أصواتا بالملايين، هو الذي يفتقد للكاريزما، وبلا برنامج..سوى الوعد بإعادة الأمن في (تمنيه وأربعين ساعة) في حالة فوزه بالرئاسة..وأحسب أن مرشحا لرئاسة مصر لا يحصد ملايين الأصوات لمجرد وعد بإعادة الأمن الذي يتسبب في افتقاده يوميا أيتام مبارك، فكيف حدث أن قفز ليكون واحدا من اثنين يتنافسان على الإعادة للفوز برئاسة مصر!
هناك أصوات بدأنا نسمعها مع إعلان النتائج غير الرسمية، تدعو للمقاطعة، وهناك من بدأوا بالدعوة لانتخاب شفيق لأنه أقل خطرا من الأخوان..وطبعا هناك من يرون أن الأخوان لا يمكن مساواتهم بالفلول ومرشحهم، وأن انتخابهم أقل ضررا...
ويظل أن للقوى الثورية خيارها بمواصلة ثورتها سواء أفاز شفيق أم فاز مرشح الأخوان الذين سيتحملون، قبل أي طرف، مسؤولية ما سيحيق بالثورة، وبمستقبل مصر..وحتى بمستقبل العرب أجمعين، لأن مصر بخيارها، وتوجهها السياسي، ومسارات ثورتها..ستقرر مصير الأمة.
القوى المعادية لمصر وللعرب أجمعين شغّالة على تجديد وجه نظام مبارك، وإحباط الجماهير العربية، وتكريس انتصار الثورات المضادة، وهو ما يتحمل الأخوان القسط الأكبر من حدوثه بخيارهم الملّح والحاسم للتوجه الوحدوي مع القوى الثورية بوضوح وصدق، أو مواصلتهم الإنفراد، والتمسك بوهم القدرة على فرض الدولة الدينية في هذه اللحظة التي يتوهمون القدرة على اختطافها، من منظورهم الفئوي العصبوي، والتي ستؤدي لخسارة تاريخية فادحة ستأخذهم، وتأخذ مصر إلى المجهول المظلم.
إن نظرنا للأصوات التي حصدها حامدين صباحي والدكتور أبو الفتوح، والتي تقرب من التسعة ملايين، فإننا نتساءل: هذه أصوات للثورة..ولكن: لماذا لم يتفق مرشحا الثورة، ويجنبا مصر هذا المأزق؟ وهل سيلتقي رموز الثورة جميعا ليتفقوا على برنامج لتجاوز المأزق، ووضع علامات على الطريق..طريق المستقبل، الذي لا يمكن ضمانه إلاّ باستكمال انتصار الثورة، وهو ما لا يتحقق إلاّ بإنهاء نظام مبارك نهائيا، ومحاسبته على تهميش مصر، وتخريبها ..على مدى ثلاثين عاما؟!
مصر في المفترق، ولذا نحن نتابع بقلق، ولهفة، وخشية، وقلوبنا مع شعب مصر، ونخبها الثورية الأصيلة، وقواها الحيّة، التي نتمنى أن تبدع..والــــثورة إبداع..في الخروج من المأزق، وتوحيد كل الطاقات في وحدة وطنية تجمّع كل من يعنيــــهم نهـــــوض مصر، وبناء دولتها الثورية الديمقراطية التقدمية.. حيث تسود العدالة الاجتماعية، وروح المساواة، في بلد آمن بلا خوف، ولا ظلم، ولا فقر..بلد يؤمن لأبنائه جميعا الخبز والكرامة والعدالة الاجتماعية.