بقلم : ريما كتانة نزال ... 12.01.2012
سابقا وفي الماضي القريب، خرجت المرأة الفلسطينية الى ميدان النضال لتعبر عن رؤيتها لدورها في المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال، ولتعلن بنزولها الى الشارع عن قرارها المساهمة في تغيير قواعد اللعبة، وعن تعبير ملح، بطريقة ما، للثورة على الذات.
أنجزت المرأة الفلسطينية عندما قررت أن تخرج بتفكيرها من إطار العلبة، وفي المرحلة التي تلت عام 1978 ولدى اتخاذها القرار بالتوجه إلى تأسيس أطرها النسائية، وهكذا عبرت بجدية صاخبة عن تكثيف إرادتها واخذ المبادرة إلى إظهار حضورها وثقلها ضد الاجحتلال كأولوية للشعب الفلسطيني، وبما يمكنها كذلك من المساهمة في رسم معالم وملامح دور جديد لذاتها في الملعب. لكنها ومنذ تركت الشارع وتعاملت معه بموسمية، أصبحت تقوم بدور الكومبارس المكمل للمشهد العام، واتسم حضورها العام في الملعب الفلسطيني بالضبابية أو كإضافة المنكهات للقِدر الفلسطيني.
يعود الفضل في تحقيق بعض الوصول المميز الى مراكز مميزة ومستجدة في صنع القرار، أو تلك الانجازات المتعلقة بالمصادقة أو إقرار بعض الوثائق والتشريعات، يعود الى مشهدها وحضورها التاريخي الماضوي في الميادين الوطنية ولمساهمتها الشجاعة في مختلف أشكال النضال. لكننا وإن قمنا بتقييم موضوعي لأشكال المشاركة المتحققة بالسنوات العشر السابقة، سنجد بأن التطور المستحدث قد تحقق بواسطة التدابير والإجراءات المحدثة من قبل صانع القرار وفقا لرؤية مبدئية أو للضغوط من قبل الحركة النسائية، مستوعبا عدم إقرار واعتراف المجتمع الفلسطيني بأحقية أو بأهلية المرأة لذلك، واقتصار الاستثناء على بعض الحالات الرمزية التي حازت على اقرار عام بجدارتها.
لأن المنظمات النسائية ذات الطبيعة الجماهيرية تراوح حول ذاتها، وتعيش مؤخرا على أمجاد الماضي، بل تسحب ممن رصيدها النضالي الذي يقترب من الثبات قبل أن يبدأ العد العكسي بتآكله..!
انحسار المرأة وضمور حضورها، المنهجي الفاعل، في ميادين الاشتباك والمواجهة مع الاحتلال وإفرازاته، هو المسئول عن مراوحة المرأة في مكانها، وعن انحصار تحقيق المكاسب عن طريق التدخل الايجابي لصانعي القرار. ليس تقليلا من أهمية ومحورية استخدام ديناميات التدابير في الحالة الفلسطينية التي لا تشهد مدا ثوريا، بل تنبيها لمخاطر تأبيد استخدام التدابير والمنح كشكل وحيد وطريق أوحد لجني المكاسب، بديلا لسياسات واستراتيجيات التغيير الاجتماعي والثقافي، وبديلا للتجربة الفلسطينية الخاصة في إثبات الحضور دخولا من البوابة الوطنية التي توصل نحو فتح الأبواب النوعية على مصراعها. وتنبيها وانتباها إلى محاذير تحول الإجراء المؤقت كعامل مساعد إلى إجراء دائم ومدمن عليه، ويتم اعتماده كممر إجباري وحيد نحو تحقيق الانجازات والمكاسب، الأمر الذي سيكرس أيضا في الوعي الثقافي الجمعي صيغة الإنصاف للمرأة عوضا عن تكريس ثقافة المساواة. هذه السياسة الاتكالية حتما ستقود إلى إحداث اختلال في هياكل منظمات المرأة وبناها الجماهيرية، كما أنه سيؤدي إلى وقوع مزيد من التفتت والشرذمة والتشتت وإلى فقد مشروعية الأداة التنظيمية الموحدة، لتتحول إلى أيقونة من الماضي ويفتح الطريق إلى تشريع البدائل الأخرى المتقدمة لتعبئة الفراغ.
مؤخرا، شهدت الاجتماعات النسائية ثورانا على إقصاء المرأة عن الحوار الدائر لترجمة اتفاق القاهرة، وبسبب استبعادها عن اللجان المنبثقة عن مؤتمر القاهرة ، والتي من وجهة نظري كان حريا بهم أن يأخذوا بالاعتبار مشاركة المرأة، وبشكل رئيسي في لجنة المصالحة المجتمعية وكذلك في لجنة الحريات العامة. ان تجاوز حق المرأة لجان المصالحة تفسير لما تقدمت به سابقا، حيث أصبحت "الكوتا" سيدة الموقف في المشاركة النسائية في مركز القرار..
أعتقد بأن المرأة بحاجة إلى تصويب عملها وإدخال الاصلاح اللازم على برامج عملها، بما يلبي وجودها حيثما يتطلب منها التواجد في ساحة الاشتباك والصرع مع الاحتلال وفقا لأولوياتها النظرية، والتواجد بزخم في الشارع مدافعة عن حقوقها الاجتماعية لتفرض ذاتها في الصورة. لقد آن الأوان لاعمال التفكير من خارج العلبة التي تقيدنا وتحولنا إلى أيقونات ومنكهات. والسؤال الذي سأطرحه الذي يمتلك إجابته: لماذا تعتبر المرأة بأن مشاركتها لا تتحقق إلا عبر التواجد في البنى القيادية رغم عدم تنكري لها وأدعو لها بقوة.. ولماذا لا تقوم المرأة بصنع طاولة سياسية موازية لنقاش مختلف القضايا العامة وفي رأس سلمها قضايا الخلاف والمصالحة.. ولماذا لا نثور على الذات قبل أن نتباكى ونشكو من الإجحاف والإقصاء!!