بقلم : رشاد أبوشاور ... 18.07.2012
لو أن إيقاف الجحيم والجنون الذي يحرق سورية يتحقق بالدعاء، لدعوت الله ليل نهار أن يهدي (الجميع) في سورية لتحكيم العقل والضمير، حبا بسورية أرضا وشعبا، بنهج سبيل الحوار للوصول إلى حلول تنقذ سورية من الخراب الذي ما بعده خراب، والذي سيشمل أقاصي بلاد العرب، بما فيها التي تغذي النار بالنفط، مستمتعة بدورها الذي يخدم (أسيادا) لا يخفون نواياهم ومآربهم.
ولو أنه يتم بالصوم لصمت قبل حلول شهر رمضان، وبعده، متبعا نهج غاندي عندما صام حتى كاد يبلغ الموت، احتجاجا على مذابح الهندوس والمسلمين الذين مزقوا الهند، ونفذوا بدون وعي، أو بوعي بعض الخبثاء المرتبطين بمخططات صاحبة التاج بريطانيا، التي بخسارة الهند فقدت الشمس التي كانت تشرق على كل ممتلكاتها، والتي ما دخلت بلادا إلاّ وتركتها خرابا.
لا الدعوات الصالحات، ولا الصوم الاحتجاجي النبيل، لدواع سياسية قومية، يردع الأطراف المغامرة عن استمرار ركب رأسها، ومع ذلك لن نفقد الأمل بظهور أصحاب الضمائر في بلد عريق، ومن بين صفوف شعب سورية العربي الأصيل، وهذا ما اطمأنت إليه نفسي وأنا أشاهد قبل أيام قليلة الدكتور هيثم مناع، وهو يتحدث في برنامج (حديث الساعة) على فضائية الميادين، بعقل وضمير، ودون مواربة، ولا مجاملة، عن الوضع في سورية، منتقدا كل الأطراف التي تشارك في الحريق، فاطمأننت إلى أن هذا الخط سينتصر لا محالة، لأن من يطالب بحقوق شعبه كاملة، ويرفض اللجوء للسلاح، ويدين التموّل من أنظمة النفط، ويرفض التدخل الخارجي لحرق سورية وشعبها، وتمزيقهما، وتدميرهما، ويتشبث بسلمية الحراك الشعبي، سيكون صاحب الخيار الوطني المنقذ في خاتمة المطاف.
لا يستطيع فلسطينيو سورية النأي بأنفسهم عمّا يلّم بسورية من مصاب جلل فادح الخسارات، لن ينحصر بسورية، التي ستلحق بالعراق، المتشظي..لتهنأ (إسرائيل) التي نصحتها مدام كلنتون قبل أيام، أثناء زيارتها، وهي تتبادل العناق وتقهقه مع أشد قادة الكيان الصهيوني عنصرية، بان تستغل فترة الثورات العربيّة!
لقد أخذنا نصيبنا من رسائل الشتم ـ هذا حدث حين كنا ننحاز للعراق وطنا وشعبا، ونحذّر مما هو آت..وها من شتمونا يتفرجون على بلدهم الممزق المذبوح الفاشل الحكم، وهم يواصلون العيش في أوربة ! ـ ولن نأبه بالشتائم في حقبة (حرق سورية)، ورسائل الوعيد، لأننا لا ننحاز للحوار بالسلاح في سورية، ونحن ندعو انطلاقا من مصلحة سورية، وفلسطين، والأمة بملايينها الثائرة، أن ينحاز كل ذي عقل وضمير من أبناء سورية الحبيبة، للنهج الذي يقول: لا للتدخل الخارجي، لا لرشى النفط لمعارضين يعملون على حرق سورية، و..لا لخيار السلطة الأمني، ونعم للحراك الشعبي، لأن الشعب السوري سيفوز بتحقيق مطالبه مهما كانت التكلفة وسيخرج بسورية موحدة، وبنفسه موحدا، فسورية الوطن والشعب تبقى، والسلطة، أي سلطة تذهب مهما امتد عمرها، وقست ممارساتها.
لا أحد يمكنه النجاة من النار التي تلتهم سورية أرضا وشعبا، ولأن فلسطين ستخسر إذا تحولت سورية إلى دولة فاشلة، فقد نأى الفلسطينيون في مخيماتهم بأنفسهم، هم الذين لا حول لهم ولا قوة، في وقف هذا الجنون، وهذا الحريق الذي يصب عليه نفط لا ينقطع تدفقه.
الفلسطينيون أرادوا بموقفهم هذا أن يتجنبوا الاحتراق، وان يكونوا الضحية الأولى، وهم لن ينسوا ما جرى لهم في العراق، فقد قتلوا ذبحا، وهتكت أعراضهم، ونكّل بهم متعصبون طائفيون، شردوهم من البلد الذي عاشوا فيه منذ نكبة 48.. وللتذكير: لا زالت بقايا مخيماتهم على الحدود بين سورية والعراق، وهم وزعوا على قارات، ودول..من البرازيل في أمريكا اللاتينية، إلى السودان في أفريقيا، إلى السويد والنرويج في أوربة..و..إلى الجحيم في بعض الأقطار العربية الشقيقة!
للفلسطينيين نصيب من الموت المجاني في سورية رغم احتراسهم وحذرهم، وكل محاولات تجنب هذا الحريق، وآخر ما جرى لهم مذبحة إدلب، وما أدراك ما مذبحة إدلب التي لم تتحدث عنها الفضائيات التي لا شأن لها هذه الأيّام سوى الترويج للمذابح.
لكن، ليس للفلسطيني من يندبه، ويلم أشلاءه، ولذا مرّ نبأ اغتيال 18 مجندا فلسطينيا دون أن يلفت الانتباه، مع أن كل الإثباتات متوفرة، ومعروضة على مواقع فيس بوك، وإنترنت، وببيانات مرفقة بصور حقيقية، وأسماء ضحايا غير مزورة!
ليس سرا أن لجيش التحرير الفلسطيني مركز تدريب في منطقة مصياف، وأن الجنود (الأغرار) يؤخذون إلى ذلك المعسكر، ويبقون فترة التدريب بدون إجازات، وفي ظروف شاقة، وهكذا ما أن تنتهي فترة التدريب حتى يندفع الشباب بلهفة لزيارة ذويهم..وهذا ما حدث بالضبط قبل أيّام.
18 شابا استأجروا (ميكروباص) بليراتهم القليلة بالمناسبة هم لا يتقاضون رواتب، وإنما ليرات قليلة لزوم المواصلات، وشراء السكائر ـ ويمموا صوب مخيميهم قرب مدينة حلب..فكان أن اختطفت حافلتهم، واقتيدت إلى جهة مجهولة.
باختصار: تدخل ذووهم، والناس الطيبون في إدلب للتوسط مع الجهة الخاطفة، ولكن المفاوضات فشلت، فقد تمّ اغتيال كل الشباب، بتهمة أن ما يسري على جنود الجيش السوري يسري على جنود جيش التحرير الفلسطيني!
أمّا السائق فربط على مقعد قيادة (الميكرو باص) ولغم جسده، وشحن الميكرو بكمية من المتفجرات، ودفع به لينفجر في حاجز للجيش، ولكن السائق، وهذا ما يؤكده من شاهدوا بقايا الميكرو، وأشلاء السائق، تمكن من حرف الميكرو عن الحاجز قبل وصوله، وهو ما دفع الخاطفين الذين كانوا يتابعونه على دراجات نارية إلى تفجيره، ولكنه ببسالة وإنكار ذات أنقذ الجنود السوريين الفقراء الذين لعلهم كرفاقهم الجنود الفلسطينيين يؤدون خدمة (العلم)!
لعلها مناسبة أن أقول بأن من يطلق الرصاص على الجندي الفلسطيني إنما يخدم الكيان الصهيوني، وهو يعرف ما تقترف يداه.
مخيما حندرات والنيرب سيبقيان في حالة حداد وحزن حتى وقت طويل، فالشباب قتلوا قبل أن يطلقوا رصاصة واحدة على من يحتل وطنهم، وهم حرموا من احتضان آبائهم، وأمهاتهم، وتجديد الوعد لخطيباتهم المنتظرات: أليسوا شهداء هؤلاء الفتية؟ و..أليس قتلتهم مجرمون أشرارا؟!
مخيم اليرموك منذ عدة أيام يعاني من اقتراب النار منه، رغم احتياطاته، وإبعاده بالتي هي أحسن لكل محاولات توريطه وجرّه إلى المحرقة.
قبل أيام ظهر مسلحون في أحياء تتداخل بالمخيم: حي التضامن، الحجر الأسود، وبلدة يلدا..وفجأة اندفعوا إلى داخل أحياء وأزقة مخيم اليرموك، وهم يرفعون الرايات المختلفة، هاتفين للدولة الإسلامية، والخلافة الإسلامية. (هم لا يتفقون على نوع الدولة التي يريدون).
اشتعلت المعركة بين قوات السلطة، والمطالبين بالخلافة، والدولة الإسلامية، وهنا تدخل عقلاء المخيم، وأقنعوا المسلحين بمغادرة زواريب المخيم، و..بدا تدفق المواطنين السوريين الفارين بأطفالهم من الأحياء المحيطة بالمخيم، ومن بلدة يلدا، لتفتح لهم المدارس، والقلوب، ويقدم لهم كل ما يعينهم على تحمل وضعهم الطارئ.
وكما سألت مبكرا، وحذرت، أعود لأسأل: لماذا محاولات جرّ الفلسطينيين إلى المحرقة، والعبث بهم وبقضيتهم؟ أهذا بريء أم إنه يصب في نصيحة مدام كلينتون لقادة الكيان الصهيوني؟!